Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر January 3, 2025
A A A
كانون الثاني… «والمَيّة تكذب الغطاس»
الكاتب: ناصر قنديل

 

كتب ناصر قنديل في “البناء”

تزدحم استحقاقات شهر كانون الثاني أول شهور العام الجديد، داخلياً وخارجياً، وإذا كان الحدث اللبناني الأبرز هو جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من هذا الشهر، فإن الحدث الدولي الأبرز هو دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من هذا الشهر، وما بين الحدثين وحولهما تساؤلات عن مصير اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان الذي تنتهي مهلة إنجاز مراحله في السابع والعشرين من هذا الشهر، ومثله مصير مفاوضات اتفاق حول غزة يُنهي الحرب ويُنهي أزمة تبادل الأسرى في ظل تهديد الرئيس الأميركيّ بجحيم سوف يطال كل الشرق الأوسط ما لم يتمّ ذلك قبل دخوله البيت الأبيض. ويترافق مع هذه الاستحقاقات، استحقاق سوريّ معلن هو انعقاد مؤتمر الحوار الوطنيّ كنقطة انطلاق لعملية سياسية تنتهي بدستور وانتخابات.

هناك مَن يمتلك رواية كاملة للإجابة على الأسئلة المطروحة، وهو يقول إن رئاسة الجمهورية في لبنان كلمة سر أميركية، وإن وقف إطلاق النار في جنوب لبنان يعني خطة لنزع سلاح المقاومة، وإن اتفاق غزة يعني تهديداً بحرب على إيران تمثل جحيم ترامب على المنطقة ما لم تقبل حركة حماس بشروط بنيامين نتنياهو. ولا يُخفي هؤلاء قناعتهم بأن المنطقة التي توهّمت طويلاً السباحة بعكس التيار الأميركي، مع صعود قوى المقاومة فيها، قد عادت إلى الحظيرة الأميركية، أكثر مما كانت في يوم من الأيام، معتبرين نتائج حرب طوفان الأقصى من جهة والتغيير في سورية من جهة موازية إعلان نهاية زمن المقاومة وبداية العصر الأميركي الإسرائيلي الجديد، فهل هذا صحيح؟

لا حاجة للدخول بنقاش مع أصحاب هذه الرواية، لأن الزمن اللازم لاكتشاف مدى صحتها قريب، وإذا كان غموض المطبخ الرئاسي اللبناني، مثل غموض الموقف الأميركي بين حديث عن دعم ترشيح قائد الجيش ودعوة للتأجيل لما بعد تسلّم الرئيس ترامب، بما يمنع الحكم على صحة الرواية في حال سلك الاستحقاق الرئاسي أي طريق، إلا أن مصير وقف إطلاق النار في لبنان ومصير التفاوض في غزة واحتمالات الحرب الأميركية على إيران، مسارات وملفات لا يمكن تجاوز مطباتها بالغموض، والمفاتيح واضحة في العناونين، وطرق فحص الرواية ظاهرة وسهلة، وكما يقول المثل المصري، «الميّة تكذب الغطاس».

إذا انتهى هذا الشهر وانسحب جيش الاحتلال مع نهاية مهلة الستين يوماً في اتفاق وقف إطلاق النار، والمقاومة تعلن بلسان قيادتها أن التزاماتها محصورة بالانسحاب من منطقة جنوب الليطاني، وتسهيل قيام منطقة لا سلاح فيها إلا سلاح الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، أما سلاح المقاومة ومستقبل دورها فليس جزءاً من مواضيع الاتفاق وبنوده، فهذا يعني أن الاتفاق هو كما تقول المقاومة لا كما يقول أصحاب الرواية. أما إذا تعثر الانسحاب الإسرائيلي بذرائع وأعذار، فعلينا انتظار موقف الحكومة اللبنانية التي تولت التفاوض على الاتفاق، وموقف قيادة الجيش اللبناني التي تولت الإشراف على تنفيذ الاتفاق، وإن قالت الحكومة وقال الجيش إن المسؤولية في تعطيل الاتفاق تقع على عاتق الاحتلال، انتهى الأمر وسقطت الرواية.

في غزة إذا تم الاتفاق وتضمّن آليات ترتبط بالانسحاب الإسرائيلي وإنهاء الحرب سقطت الرواية، وإذا لم يتم الاتفاق ولم تقع الحرب الأميركية على إيران وتفتح أبواب جحيم الشرق الأوسط، سقطت الرواية أيضاً، وتكسب الرواية نقطة لصالحها فقط إذا تم الاتفاق وكان واضحاً أن المقاومة تخلّت فيه عن شرط أن يتضمّن سياقاً ينتهي بوقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال. ويبقى الأهم في غزة كما في لبنان هو هل الاتفاق يضمن إنهاء المقاومة وسلاحها، تحقيقاً لما قال الإسرائيليون إنه بات مفتاح الأمن الوجودي لبقاء كيانهم، وهو إنهاء التساكن مع مقاومات مسلحة كتلك التي نتج عنها طوفان الأقصى، وجبهة الإسناد، وما رافق كل منهما من نقل المعركة إلى الأراضي المحتلة عام 1948، وتهديد أمن المستوطنات وقوة ردع جيش الاحتلال فيها. والسؤال هو هل ضمنت الاتفاقات إنهاء هذا التساكن مع المقاومات المسلحة، أم أنها أجلت مواجهة مقبلة معها فقط؟

مرة أخرى، «الميّة تكذب الغطاس».