Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر August 8, 2019
A A A
قمحة أم شعيرة؟
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

ينشغل لبنان بمؤسساته الرسمية والخاصة بالتقرير الذي سيصدر عن الوكالة الدولية للتصنيف “ستاندرد اند بورز” في 23 آب الجاري. بعدما كانت بيانات “آي.إتش.إس ماركت” قد اظهرت الأسبوع الماضي أن زيادة مخاطر الائتمان اللبنانية لخمس سنوات ارتفعت بمقدار 33 نقطة أساس، بعد خطاب رئيس الجمهورية في عيد الجيش. فمن تكون هذه الوكالات مالئة الدنيا وشاغلة الناس؟ وماهي المعايير التي تعتمدها في تصنيفاتها؟ وما انعكاسات تقاريرها على إقتصاديات الدول؟
وكالات التصنيف
تتصدر ثلاث وكالات عالمية واجهة التصنيف الائتماني، وتقييم المخاطر للدول والمؤسسات حول العالم . وهي:
ستاندرد آند بـــــورز ( S & P) مـــــودي ( Moody’s Corporation) ، ومؤسسة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني Fitch Ratings. وهي تملك باعاً طويلاً في الأبحاث الاقتصادية والتحليلات المالية وتقييم الدول والحكومات، من حيث المخاطر السيادية. وعملها ينطلق من قاعدة أساسية تتمحور حول تقييم المخاطر المتعلقة بإصدارات الدين العام. وتحليل قدرة الوفاء عند المدين أي الحكومات، على دفع فوائد الدين والأقساط المترتبة عليه.
المعايير المعتمدة
عملية التصنيف تتم بناءً على معايير اقتصادية ومالية عديدة، وهي تشمل سلة كبيرة من المؤشرات والمعطيات، منها: النمو الإقتصادي، الزيادة في الناتج المحلي، معدل التضخم، سياسات سعر الصرف، التنمية الاقتصادية، حيث أن البلدان المتقدمة تكون أقل ميلاً إلى التخلف عن سداد ديونها الخارجية – الحساب الجاري، إذ كلما زاد العجز في الحساب الجاري زاد اعتماد البلد على الدائنين الأجانب.
ومن المؤشرات المهمة ايضاً، والتي تعتمد عليها هذه الوكالات:
حجم الدين الخارجي ونسبته من الناتج المحلي الإجمالي، سعر الصرف الحقيقي لليرة، نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي، إذ كلما زادت هذه النسبة، إرتفعت مخاطر أزمة السيولة. حجم الاستثمارات من الناتج المحلي الإجمالي. مؤشر الفساد، كونه يقيد النمو ويفتح باب الهدر. الجودة التنظيمية والمساءلة. إحترام القانون والاستقرار السياسي، وهما مؤشران بارزان يدلان على قدرة البلد على تحقيق النمو من جهة، وتنفيذ إصلاحات جدية وتوفير شروط الحوكمة الرشيدة من جهة ثانية.
“هذه النقاط بالنسبة إلى لبنان تظهر باللون الأحمر الفاقع على شاشات الوكالات العالمية. بمعنى، أن لبنان يسجل معدلات سلبية وتراجعات قياسية في أغلبها، إن لم نقل في كلها. وهي لا تتطابق مع أبسط المعايير الدولية المعتمدة او المطلوبة. وباستثناء القطاع المصرفي الذي حاز على تصنيف إيجابي من وكالة “فيتش” في الأسبوع الماضي، فإن “ستاندرد أند بورز” لن ترحم لبنان في تصنيفها، إذا ما استمر هذا التدهور السياسي، تحديداً، في الايام المقبلة” يقول الخبير الإقتصادي غازي وزني. ويضيف أنه “من الناحية السياسية نرى أن الحكومة معطلة منذ أكثر من خمسة أسابيع، والخلاف السياسي يتحكّم يوماً بعد آخر بمكونات ومفاصل البلد، وهو ما يؤثر بشكل كبير على التصنيف المقبل. أما من الناحية الإقتصادية والمالية فإن المؤشرات الأساسية سلبية. فالعجز في الموازنة العامة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي ما زال يقدّر بحسب الوكالات العالمية بحدود 9 في المئة، وليس 6.59 في المئة كما جرى احتسابه في لجنة المال النيابية. والدين العام مستمر في التصاعد، ولم تستطع الحكومة الحد من مفاقمته وكلفته على الإقتصاد التي تفوق الخمسة مليارات دولار سنوياً وتشكل بحدود 35 في المئة من مجموع الواردات، أما النمو الإقتصادي فهو صفر في المئة، والحساب الجاري مع الميزانين التجاري والمدفوعات لا يسجل تراجعاً فحسب، إنما معدلات سلبية”.
الإنعكاسات
خلال الساعات الماضية نشطت بحسب أكثر من مرجع بعض الجهات الرسمية لحمل “ستاندرد أند بورز” على تأجيل إصدار أو إعلان تقريرها. وبحسب المراجع فإن المراهنة على عامل الوقت للملمة الوضع السياسي قد تحسّن أو ترفع التصنيف ببعض نقاط. وبغض النظر إن كانت الوكالة تهتم بالطلبات اللبنانية غير العقلانية أم لا، فإن هذا المعطى يدل على أمر واحد: الوزن الثقيل لمثل هذه التقارير على الإقتصاد. فالمؤسسات المالية والمصرفية الدولية، تأخذ بكثير من الجدية نتائج التصنيفات لتقييم محفظتها وتحديد خياراتها المستقبلية في عمليات بيع وشراء الأوراق المالية التي تحملها.، ما يؤثر بحسب وزني على أسعار الفوائد اذ “كلما زادت المخاطر ترتفع الفوائد. وهذا ما يدفع الإقتصاد إلى مزيد من الإنكماش، ويرفع من كلفة المالية العامة”.
وبالإضافة إلى إرتفاع أسعار الفوائد فإن التصنيف (ccc+) المتوقع أن يأخذه لبنان سيؤثر على إرتفاع كلفة التأمين على الديون، ويؤدي إلى تراجع في عدد المستثمرين الذين يرغبون في شراء إصدارات الدين، وذلك لأن العديد من المؤسسات المالية والصناديق لا تستثمر إلا في أدوات الدين ذات الجدارة الائتمانية المرتفعة. من هنا فإن انخفاض التصنيف لإصدار معين يعني بالضرورة انخفاض الإقبال عليها وصعوبة تغطيتها، نظراً لعزوف هذه الصناديق والمؤسسات المالية عن شرائها، وهو ما سيفاقم حدة الأزمة التي يعاني منها لبنان.