قد لا يكون كوري ويس ماهرا في التعامل مع المجتمع، لكن تركيزه على التفاصيل يجعل منه أشبه بخبير لدى مؤسسة «مايند سبارك» الالكترونية التي تستفيد من مقدرات هذا الشاب وأمثاله من المصابين بالتوحد وتوفر لهم العمل والتقدير الاجتماعي.

ويقول ويس (27 سنة) الذي شخصت إصابته بالتوحد منذ طفولته: «استطيع أن أرى أشياء لا يراها الآخرون، وهذا الأمر يجعلني أدقق أكثر في التفاصيل وأكون أكثر تركيزاً».

وتفيد منظمة «اوتيسم سوسايتي» الاميركية المعنية بمرضى التوحد، بأن 1 في المئة من البشر مصابون بهذا الاضطراب الذي يمكن أن يظهر بدرجات مختلفة.

فالمصابون به في شكل حاد يتجنبون النظر في العيون ويقلون من الكلام، ومنهم من يحسنون الكلام لكنهم يعجزون عن فهم المعايير الاجتماعية.

وتركز شركة «مايند سبارك» على النوع الثاني من غير المصابين بتأخر عقلي كبير. فاهتمام هؤلاء المرضى بالتفاصيل وقدرتهم العالية على التركيز هي ثروة في قطاع المعلوماتية، كما يرى شاد هان احد مؤسسي الشركة الناشئة.

وتوظف الشركة حالياً 27 مصاباً بالتوحد كخبراء، منهم خمسة يعملون بدوام كامل، ويتقاضى البعض منهم 35 الف دولار سنوياً، حتى ان اكثرهم مهارة يصل راتبه السنوي الى 50 الف دولار.

وحسنت الشركة منذ تأسيسها قبل ثلاث سنوات عملها وآلية التوظيف المتبعة، ووسعت تدريجاً قائمة الشركات التي تجري لها اختبارات على أجهزتها الالكترونية، فأصبحت القائمة تضم مؤسسة «فوكس نتوورك» الإعلامية وشركة التأمين «ليبرتي ميوتشوال». وفي الإيام الأخيرة بدأت تعرض خدماتها على الصعيد الدولي.

ويرى شاد هان ان ما تقوم به شركته يشكل «مثالاً جيداً لاحداث تغيير اجتماعي» وإن الشركات يمكنها ان تنجح في أعمالها وفي تحقيق مكاسب اجتماعية في الوقت نفسه.

وتقول المسؤولة في مؤسسة «ماديسون هاوس اوتيسم فاونديشن» ديزيريه كاميكا انه «من المهم جداً أن تنشئ شركات التكنولوجيا بيئة تلحظ حاجات المصابين بالتوحد، فمعظمهم غير قادرين على الحصول على عمل رغم انهم قد يرغبون في ذلك».

وتشير تقديرات لمجموعة «مايكروسوفت» ان 80 في المئة من المصابين بالتوحد عاطلون من العمل على رغم أن كثيرين منهم يتمتعون بمواهب خارقة في العلوم والرياضيات والتكنولوجيا، وهي أطلقت العام الماضي برنامجاً تجريبياً لتوظيف اشخاص منهم في دوام كامل بالتعاون مع مؤسسة دنماركية متخصصة عملت معها ايضاً مجموعة «ساب» الألمانية العملاقة حين قررت في العام 2013 توظيف مئات المتوحدين.

واذا كانت الشركات تتكبد عناء إعداد بيئة مناسبة للمتوحدين، فإنها تحظى بالمقابل بموظفين مهرة مخلصين في عملهم يقاربون المسائل في شكل مختلف عن زملائهم.

وتقول يان جونستون تايلر مؤسسة شركة «ايفوليبري» الاستشارية التي تساعد المتوحدين: «لدينا اشخاص من ذوي الكفاءات فيما يشكو قطاع التكنولوجيا الأميركي في سيليكون فالي من نقص المهارات، لكنهم للاسف ما زالوا يرفضون توظيف المصابين بالتوحد لأنهم أشخاص مختلفون». لكنها تؤكد ان عدداً متزايداً من الشركات توظف المصابين بالتوحد في مهن تتصل بالمعلوماتية، آملة بأن يتسع الأمر لتتاح لهم وظائف على المدى الطويل وليس مجرد مهمات محددة.
***

مصابون بالتوحد يعملون لدى «مايند سبارك» (أ ف ب)