Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر November 1, 2023
A A A
قصة مخيم جباليا الذي دمره الاحتـــــلال
الكاتب: عربي بوست

للمرة الثالثة ترتكب إسرائيل مذبحة مروعة في مخيم جباليا من أجل استهداف شخص واحد، فلقد سبق أن ارتكبت إسرائيل مذبحتين كبيرتين في المخيم واحدة عند اغتيال قائد كتائب عز الدين القسام الراحل صلاح شحادة والثانية عند اغتيال القيادي البارز بالحركة نزار ريان.

ومحت الطائرات الإسرائيلية أمس الثلاثاء حياً كاملاً في منطقة “الترنس” في معسكر جباليا للاجئين عن وجه الأرض، وهدمته على رؤوس ساكنيه في مجزرة جديدة في قطاع غزة، وقالت وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة إن ذلك خلّف أكثر من 400 ضحية.

ومخيم جباليا هو أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة الذي أنشأته وكالة “أونروا” عام 1948، ويعيش فيه 116 ألف لاجئ على مساحة تبلغ فقط 1.4 كيلومتر مربع. ويُعد بذلك من أكثر المناطق بقطاع غزة اكتظاظاً بالسكان.

وأدت موجة الغارات الجوية الإسرائيلية، على مخيم جباليا للاجئين بالقرب من مدينة غزة إلى تسوية مبانٍ سكنية بالأرض، بينما تركت حفراً في الأرض، واستشهاد وإصابة المئات من الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال،

وقالت وزارة الصحة إن عدد الضحايا في مجزرة جباليا قد يكون الأكبر، وقد يناهز عدد ضحايا مذبحة المستشفى المعمداني.

إسرائيل تزعم أنها استهدفت اغتيال قائد كتيبة وسط جباليا
وزعم الناطق باسم الجيش الإسرائيلي بأنه خلال الغارة قام الاحتلال باغتيال إبراهيم بياري قائد كتيبة وسط جباليا في حماس، كما زعم أن قوات الجيش الإسرائيلي بقيادة لواء غفعاتي سيطرت على موقع عسكري مهم لحماس غربي جباليا.

ونفت حماس هذه الادعاءات واتهمت إسرائيل بالكذب.

وقالت وزارة الداخلية في غزة تعليقاً على مجزرة جباليا، إن طائرات الاحتلال ألقت 6 قنابل، تزن كل واحدة منها 1000 كغم على مربع سكني في مخيم جباليا فأبادته بالكامل.

 

 

أكبر مخيمات قطاع غزة
مخيم جباليا هو أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة. ويقع المخيم إلى الشمال من غزة بالقرب من قرية تحمل ذات الاسم. واليوم، فإن حوالي 116.011 لاجئاً مسجلاً يعيشون في المخيم الذي يغطي مساحة من الأرض تبلغ فقط 1.4 كيلومتر مربع، حسب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.

وأُنشئ مخيم جباليا عام 1948. ويقع على مسافة كيلومتر عن الطريق الرئيسي (غزة ـ يافا). تحد المخيم من الغرب والجنوب قريتا جباليا، والنزلة، ومن الشمال قرية بيت لاهيا، ومن الشرق بساتين الحمضيات التابعة لحدود مجلس قروي جباليا، النزلة، وبيت لاهيا.

واستقر 35 ألف لاجئ في المخيم، في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، معظمهم كانوا قد هجِّروا من القرى الواقعة جنوب فلسطين.

قامت إسرائيل بترحيل ما يقرب من 975 عائلة من سكان المخيم عام 1970م، إلى مشروع بيت لاهيا والنزلة المتاخم لحدود المخيم؛ وفي عام 1971م عملت سلطات الاحتلال على هدم وإزالة ما يزيد عن 3600 غرفة تسكنها 1173 عائلة، أصبحت بدون مأوى؛ بدعوى توسيع طرقات المخيم؛ لتسمح بدخول سياراتها العسكرية لسهولة تعقب عناصر المقاومة.

وتشرف وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” بالتنسيق مع السلطة الوطنية على مختلف الخدمات الغوثية والاجتماعية المقدمة لسكان المخيم.

وتسبب الحصار على غزة في جعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لجميع اللاجئين في المخيم تقريباً. وارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير وقليل من العائلات تستطيع إعالة نفسها. وعلى مدار السنين، هناك نسبة كبيرة من السكان، ممن كانوا قادرين على إعالة أنفسهم، أصبحوا يعتمدون على المساعدات الغذائية والنقدية التي تقدمها الأونروا لتغطية احتياجات الغذاء الأساسية. و90% من المياه غير صالحة للاستهلاك البشري.

يعد صلاح شحادة من أهم الشخصيات في تاريخ النضال المسلح للشعب الفلسطيني، إذ يعتبر مؤسس الذراع العسكرية لحركة حماس، حيث أسس قبل الإعلان عن تأسيس حركة حماس أواخر 1987 بثلاث سنوات جهازاً عسكرياً حمل اسم “المجاهدون الفلسطينيون” الذي كان عبارة عن مجموعة من الخلايا السرية التي نفذت سلسلة من العمليات ضد إسرائيل. ظل صلاح شحادة على رأس قيادة التنظيم إلى أن تحول إلى “كتائب عزالدين القسام” في عام 1991، حسبما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

بعد انتهاء مدة حكمه في السجون الإسرائيلية، ظل في السجن لمدة عشرين شهراً في ظل الاعتقال الإداري إلى أن خرج من السجن في مايو/أيار 2000.

ورد اسمه على رأس أكثر من لائحة إسرائيلية للمطلوبين الفلسطينيين لمسؤوليته عن كتائب القسام.

بعد خروج شحادة السجن توارى عن الأنظار وظل يغير مكان سكنه لتفادي الاعتقال أو عمليات الاغتيال، لكن إسرائيل حددت مكانه في 22 يوليو/تموز 2002 فألقت طائرة حربية قنبلة تزن أكثر من طن على منزل في حي الدرج شرق مدينة غزة أدت إلى مقتل صلاح شحادة و18 شخصاً بينهم زوجة شحادة وثلاثة من أطفاله، ومرافقه القيادي في كتائب القسام زاهر نصار.

كما أدى القصف الذي قامت به طائرة إسرائيلية من طراز إف 16 بصاروخ واستهدف بناية سكنية من أربعة طوابق في حي شعبي شرقي ملعب اليرموك في غزة، إلى تدمير البناية وخمسة منازل مجاورة. وقد تحولت أجساد الشهداء الذين كانوا نياماً ساعتها إلى أشلاء ممزقة.

ويعتقد أن هناك عميلاً كان وراء الكشف عن موقع شحادة، وهو أكرم محمد نظمي الزطمة من حي تل السلطان بمدينة رفح، وتم القبض عليه من قبل الأمن الفلسطيني، حسبما ورد في تقرير لموقع “دنيا الوطن”.

وعقب اغتيال صلاح شحادة في غزة شهدت إسبانيا وبريطانيا رفع دعاوى قضائية لمقاضاة كل من شارك في هذه العملية، ومنهم الجنرال غيورا آيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وموشيه يعلون رئيس أركان الجيش، ودان حالوتس قائد سلاح الجو، ووزير الحرب بنيامين بن اليعازر، وسكرتيره العسكري مايك هرتسوغ السفير في الولايات المتحدة اليوم، وآفي ديختر رئيس الشاباك، وقائد المنطقة الجنوبية دورون ألموغ.

كما سبق أن اجتاحت الدبابات والآليات الإسرائيلية مخيم جباليا مع بيت حانون وبيت لاهيا ودير البلح في فبراير/شباط 2002 عندما كان خاضعاً للسلطة الفلسطينية.

في الأول من يناير/كانون الأول 2009، اغتالت إسرائيل القيادي البارز في حركة حماس نزار ريان، في غارة جوية أدت لاستشهاد الرجل الذي يوصف بالعالم المجاهد مع زوجاته الأربع وأحد عشر من أبنائه، الذين تتراوح أعمارهم ما بين العامين والاثني عشر عاماً، وذلك بعد أن قصفت طائرات الاحتلال منزله خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي بدأ في 27 ديسمبر/كانون الأول عام 2008م، واستمر 22 يوماً.

كان الشيخ ريان عالماً في علم الحديث الشريف، وقائداً سياسياً في حركة المقاومة الإسلامية حماس، وعضواً بمكتبها السياسي.

واعتقل الشيخ ريان، على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي عدة مرات ليقضي في سجونها نحو أربع سنوات، كما اعتقلته أجهزة أمن السلطة مرات عديدة وعُذِّب في سجونها.

وقدم نزار ريان نجله “إبراهيم” شهيداً في عملية فدائية في مستوطنة “إيلي سيناي” عام 2001، قتل فيها 6 من جنود الاحتلال، واستشهد أخوه الأصغر واثنان من أولاد أخيه في “محرقة غزة” في فبراير/شباط 2008، وأصيب ابنه بلال وبترت قدمه.

وبرز دوره في معركة أيام الغضب حتى اندحرت دبابات الاحتلال من شمال القطاع عام 2004، وكان يقود طليعة مقاتلي المقاومة على الثغور، ويقيم الليل معهم.

وكان نزار يقول: “لن يدخلوا معسكرنا، يعني لن يدخلوا معسكرنا”.

وحشد الاحتلال آنذاك تعزيزات قوامها 100 دبابة مدعومة بغطاء جوي من طائرات الاستطلاع والأباتشي تجاه الأطراف الشرقية لمخيم جباليا، مستهدفةً المواطنين الآمنين في بيوتهم، بشتى أسلحته للضغط على المقاومة، في محاولة لدفع الشعب الفلسطيني للتخلي عن احتضانه لها ووقف إطلاق صواريخ القسام والمقاومة.

المعركة استمرت 17 يوماً، خاضت المقاومة الفلسطينية فيها معركة شرسة، مستخدمةً فيها الأسلحة البسيطة والعبوات محلية الصنع، إضافةً إلى استمرار إطلاق الصواريخ تجاه بلدة “سديروت” وتنفيذ عدة عمليات ضد القوات الإسرائيلية المتوغلة.

وتصدت كتائب القسام والمقاومة لتوغل الاحتلال، ونفذت عمليات أوقعت من خلالها عدداً من القتلى والجرحى في صفوف قواته، مما أربك حسابات الاحتلال. ولعل أبرز هذه العمليات، اقتحام استشهاديين من القسام الموقع العسكري شرق مخيم جباليا، والتي أسفرت عن مقتل جنديين وإصابة عدد آخر من جنود الاحتلال، تلاها تنفيذ إثنين من المقاومين عملية اقتحام مستوطنة “نسانيت” سابقاً والواقعة شمال القطاع والتي أسفرت عن مقتل 4 مستوطنين، وجُرح 3 آخرون.

وفي اليوم الثاني من المعركة قُتل إسرائيليان وأُصيب 23 آخرون بجراح مختلفة جراء سقوط صاروخ من طراز “قسام” في مستوطنة “سديروت”. وتُوجت عمليات المقاومة خلال معركة أيام الغضب بعملية اقتحام “موقع الإدارة المدنية”، التابع للاحتلال والتي أدت إلى مقتل قائد الحملة العسكرية على جباليا وخمسة آخرين، وإصابة عدد من الجنود بجروح مختلفة، تلت هذه العملية سلسلة كمائن عبر عبوات أرضية، أحدها تفجير عبوة موجهة تجاه دورية مشاة تقدر بخمسين جندياً، وتفجير أخرى بدورية مشاة (كوماندوز) على أعتاب المخيم.

أفشلت المقاومة مخطط الاحتلال بالتوغل داخل المخيم، وألحقت خسائر فادحة بالقوات والآليات المتوغلة، وتمكنت من تدمير أكثر من 22 دبابة، و31 جرافة، إضافةً إلى 18 ناقلة جند وجيب عسكري، التي حاول جنود الاحتلال الاحتماء بحديدها الذي تشظى من وطأة أسلحة المقاومة، وهو ما أدى إلى مقتل نحو 20 جندياً إسرائيلياً.

وتقدّر الأوساط الفلسطينية أن أرئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق وأحد أكثر السياسيين تطرفاً ودموية أجبر على اتخاذ قرار الانسحاب من قطاع غزّة (ضمن ما سماها خطة فكّ الارتباط) إثر نتائج هذا العدوان الذي فشل في تحقيق أهدافه، فلم يمنع الهجوم الإسرائيلي على مخيم جباليا، وصول الصواريخ ولم يوقف عمليات المقاومة ولم يخمد الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، على الرغم من الدعم الأمريكي، فادعى المتحدث باسم البيت الأبيض آنذاك سكوت ماكليلان أن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”، كما دعا نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية آنذاك آدم إريلي حكومة الاحتلال “لاستخدام القوة المناسبة لمواجهة التهديد الفلسطيني”.

كما اشتهر نزار ريان بمبادرته بتشكيل دروع بشرية لحماية منازل المواطنين من قصف طائرات الاحتلال، إذ كان الشيخ ريان، ومعه مئات المواطنين، يهرعون لاعتلاء أسطح البيوت المهددة بالقصف للحيلولة دون تدميرها.

وتفيد تقارير بأن نزار ريان رفض بإصرار إخلاء منزله تحسباً للقصف الإسرائيلي، بعد وصوله إنذاراً بالقصف، وأصر على البقاء في المنزل مع أسرته، وذلك يكون قد سقط ضحية أسلوب تصفية إسرائيلي حاول هو وغيره مراراً منعه.