Beirut weather 15.77 ° C
تاريخ النشر March 13, 2023
A A A
قصة استيلاء الدولة على الودائع خلال 12 عاماً
الكاتب: أنطوان فرح - الجمهورية

إذا لم يطرأ أي جديد، فسوف تعود المصارف اللبنانية الى الاضراب غداً، وستبدأ مرحلة جديدة من المواجهة وعضّ الاصابع، انطلاقاً من واقع انّ الامور وصلت الى نقطة سوف يتحدّد فيها مصير القطاع المصرفي، ومصير المودعين، ومصير الاقتصاد الوطني في المستقبل.

بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدء الانهيار المالي والاقتصادي، بات هناك قناعة مكوّنة من شقين: أولاً، انّ الاطراف الثلاثة المسؤولة عن الأزمة هي الدولة، مصرف لبنان والمصارف. وثانياً، انه اذا لم تشارك الدولة في تسديد ديونها، أو جزء منها، فإنّ مصير الودائع لن يكون واعداً.

في توزيع المسؤوليات، لا يزال هناك خلاف على التراتبية بين الاطراف الثلاثة، بمعنى ان البعض يعتبر ان المصارف مسؤولة أولاً، ومن ثم مصرف لبنان واخيراً الدولة. في حين يعكس آخرون هذه التراتبية، ويضع الدولة على رأس قائمة المسؤولية وبعدها المركزي ومن ثم المصارف. وفي موضوع تسديد الدولة لديونها، هناك وجهات نظر متضاربة، اذ يعتبر البعض انّ المسؤول ليس مَن اقترض وأنفَق، بل مَن وافق على الاقراض.

 

في النتيجة، تبدو المواجهة اليوم أبعد من مسألة تتعلق بالتشريعات ووحدة المعايير في القضاء، لتصل الى عمق الأزمة، أي الى الخاتمة التي ستنتهي إليها هذه الأزمة. وفي هذا السياق، تبرز نية السلطة في التنصّل من اية مسؤولية، بذريعة عدم القدرة على تنفيذ أية خطة إنقاذية، اذا لم يتم شطب ديونها، والبدء على بياض.

من هنا، ستكون المواجهة قاسية بين السلطة والمصارف، في حين انّ بعض جمعيات المودعين، ولأسباب غير مُقنعة، لا تتدخل في هذه المعركة الحاسمة، مع انّ نتيجتها ستقرّر مصير أموال المودعين. وما يؤكد على قساوة المواجهة، مضمون الدعوى التي تقدمت بها جمعية المصارف اللبنانية الى مجلس شورى الدولة لِوقف تنفيذ البند 3 من قرار مجلس الوزراء تاريخ 20/05/2022. والقرار المُستهدف بالدعوى يتناول ما أطلقت عليه الحكومة في جلستها الاخيرة قبل ان تتحول الى حكومة تصريف اعمال، تسمية «خطة الحكومة للتعافي المالي والاقتصادي»، وضَمّنتها وثيقة بعنوان «استراتيجية النهوض بالقطاع المالي» قضت في البند الثالث منها بـ»إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف اللبنانية لخفض العجز في رأس مال المصرف المركزي».

 

وفي قراءة مضمون الشكوى التي تقدمت بها المصارف، هناك اتهام واضح للسلطة بمصادرة اموال المودعين ومحاولة تملّكها بالقوة، من خلال إصدار قرارات وزارية، كما هي حال القرار الصادر في 20 ايار 2022. وتصف المصارف في احد بنود الادّعاء، ما جرى على الشكل التالي: «بعد قيام الدولة اللبنانية بمصادرة ودائع المصارف لدى مصرف لبنان والتصرّف بها وتَملّكها ما بين 2010 و2021 من دون الإعلان عن ذلك في حينه، وبالتالي فإنّ القرار المَشكو منه لا يتعلق بعمل مستقبلي تنوي الحكومة القيام به، بمعنى أن القرار لا يعبّر عن رغبة الدولة اللبنانية في المستقبل ‏بالاستدانة من مصرف لبنان بما يوازي الودائع الخاصة لديه وتملّكها نهائياً، بل انّ القرار المشكو منه هو قرار استلحاقي أتى لإعلان a posteriori وبمفعول رجعي أن تملّك الودائع الذي نفذته الدولة اللبنانية وانتهت من تنفيذه من دون أن تسميه في حينه كذلك، أصبح بموجب القرار تملكاً نهائياً».

 

وتستعين المصارف بكلام حاكم مصرف لبنان، والذي كشف فيه «انّ الدولة استدانت من مصرف لبنان ما بين العام 2010 والعام 2021 مبلغ 62 مليار دولار، وأنّ هذا المبلغ مساوٍ لديون مصرف لبنان تجاه المصارف اللبنانية من جهة، وموجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية من جهة أخرى. وبالتالي، مساوٍ لأموال المودعين لدى المصارف اللبنانية».

وهكذا تكون الدولة قد قررت، وبمفعول رجعي، الاستيلاء على اموال المودعين، بقرار يكرّس استيلائها ومصادرتها لأموالهم. وبذلك تحاول الدولة جَعل المودعين يحلّون مكانها في دفع الخسائر، «عبر تحويل المبالغ التي استدانتها الدولة وأنفقتها من ودائع المودعين من دين إلى ملكية نهائية».

 

هذه باختصار الروحية التي بَنت عليها المصارف مضمون الدعوى ضد الدولة اللبنانية. وهي تُظهر، بما لا يقبل الشك، في انّ المواجهة المثلّثة الأضلع، بين الدولة ومصرفها المركزي، والمصارف والمودعين ستكون مُحتدمة في المرحلة المقبلة. خصوصاً ان المشكلة ستبرز ايضاً على مستوى تحديد المسؤولية في موافقة المركزي على إقراض الدولة، وهل ان بنود قانون النقد والتسليف تغطي هذا الامر؟

يبقى انّ هذه الاشكالية ترتبط بديون أخذتها الدولة ولا تريد تسديدها، وتبيَّن انها اموال المودعين. ولكن السؤال الآخر المطروح، كيف سيتم التعاطي مع 20 الى 24 مليار دولار تمّ إنفاقها من اموال المودعين ايضاً، منذ اندلاع الأزمة، من خلال ما عُرف بسياسة الدعم؟ هل يمكن اعتبار هذه الاموال بمثابة ديون ام مجرد قرار بمصادرة اموال الناس، بذريعة انّ الضرورات تبيح المحظورات؟

التعقيدات كثيرة ومتشعّبة، لكن المعالجات العقلانية، وبصرف النظر عمّا يقوله القانون، تبدأ بمقاربة واقعية تسمح بالوصول الى نتائج مقبولة لكل الاطراف المعنية بالأزمة، وكل ما عَدا ذلك أشبَه بفقاقيع لملء الوقت الضائع، وزيادة الانهيار عمقاً وضرراً.

بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدء الانهيار المالي والاقتصادي، بات هناك قناعة مكوّنة من شقين: أولاً، انّ الاطراف الثلاثة المسؤولة عن الأزمة هي الدولة، مصرف لبنان والمصارف. وثانياً، انه اذا لم تشارك الدولة في تسديد ديونها، أو جزء منها، فإنّ مصير الودائع لن يكون واعداً.

في توزيع المسؤوليات، لا يزال هناك خلاف على التراتبية بين الاطراف الثلاثة، بمعنى ان البعض يعتبر ان المصارف مسؤولة أولاً، ومن ثم مصرف لبنان واخيراً الدولة. في حين يعكس آخرون هذه التراتبية، ويضع الدولة على رأس قائمة المسؤولية وبعدها المركزي ومن ثم المصارف. وفي موضوع تسديد الدولة لديونها، هناك وجهات نظر متضاربة، اذ يعتبر البعض انّ المسؤول ليس مَن اقترض وأنفَق، بل مَن وافق على الاقراض.

 

في النتيجة، تبدو المواجهة اليوم أبعد من مسألة تتعلق بالتشريعات ووحدة المعايير في القضاء، لتصل الى عمق الأزمة، أي الى الخاتمة التي ستنتهي إليها هذه الأزمة. وفي هذا السياق، تبرز نية السلطة في التنصّل من اية مسؤولية، بذريعة عدم القدرة على تنفيذ أية خطة إنقاذية، اذا لم يتم شطب ديونها، والبدء على بياض.

من هنا، ستكون المواجهة قاسية بين السلطة والمصارف، في حين انّ بعض جمعيات المودعين، ولأسباب غير مُقنعة، لا تتدخل في هذه المعركة الحاسمة، مع انّ نتيجتها ستقرّر مصير أموال المودعين. وما يؤكد على قساوة المواجهة، مضمون الدعوى التي تقدمت بها جمعية المصارف اللبنانية الى مجلس شورى الدولة لِوقف تنفيذ البند 3 من قرار مجلس الوزراء تاريخ 20/05/2022. والقرار المُستهدف بالدعوى يتناول ما أطلقت عليه الحكومة في جلستها الاخيرة قبل ان تتحول الى حكومة تصريف اعمال، تسمية «خطة الحكومة للتعافي المالي والاقتصادي»، وضَمّنتها وثيقة بعنوان «استراتيجية النهوض بالقطاع المالي» قضت في البند الثالث منها بـ»إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف اللبنانية لخفض العجز في رأس مال المصرف المركزي».

 

وفي قراءة مضمون الشكوى التي تقدمت بها المصارف، هناك اتهام واضح للسلطة بمصادرة اموال المودعين ومحاولة تملّكها بالقوة، من خلال إصدار قرارات وزارية، كما هي حال القرار الصادر في 20 ايار 2022. وتصف المصارف في احد بنود الادّعاء، ما جرى على الشكل التالي: «بعد قيام الدولة اللبنانية بمصادرة ودائع المصارف لدى مصرف لبنان والتصرّف بها وتَملّكها ما بين 2010 و2021 من دون الإعلان عن ذلك في حينه، وبالتالي فإنّ القرار المَشكو منه لا يتعلق بعمل مستقبلي تنوي الحكومة القيام به، بمعنى أن القرار لا يعبّر عن رغبة الدولة اللبنانية في المستقبل ‏بالاستدانة من مصرف لبنان بما يوازي الودائع الخاصة لديه وتملّكها نهائياً، بل انّ القرار المشكو منه هو قرار استلحاقي أتى لإعلان a posteriori وبمفعول رجعي أن تملّك الودائع الذي نفذته الدولة اللبنانية وانتهت من تنفيذه من دون أن تسميه في حينه كذلك، أصبح بموجب القرار تملكاً نهائياً».

وتستعين المصارف بكلام حاكم مصرف لبنان، والذي كشف فيه «انّ الدولة استدانت من مصرف لبنان ما بين العام 2010 والعام 2021 مبلغ 62 مليار دولار، وأنّ هذا المبلغ مساوٍ لديون مصرف لبنان تجاه المصارف اللبنانية من جهة، وموجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية من جهة أخرى. وبالتالي، مساوٍ لأموال المودعين لدى المصارف اللبنانية».

 

وهكذا تكون الدولة قد قررت، وبمفعول رجعي، الاستيلاء على اموال المودعين، بقرار يكرّس استيلائها ومصادرتها لأموالهم. وبذلك تحاول الدولة جَعل المودعين يحلّون مكانها في دفع الخسائر، «عبر تحويل المبالغ التي استدانتها الدولة وأنفقتها من ودائع المودعين من دين إلى ملكية نهائية».

هذه باختصار الروحية التي بَنت عليها المصارف مضمون الدعوى ضد الدولة اللبنانية. وهي تُظهر، بما لا يقبل الشك، في انّ المواجهة المثلّثة الأضلع، بين الدولة ومصرفها المركزي، والمصارف والمودعين ستكون مُحتدمة في المرحلة المقبلة. خصوصاً ان المشكلة ستبرز ايضاً على مستوى تحديد المسؤولية في موافقة المركزي على إقراض الدولة، وهل ان بنود قانون النقد والتسليف تغطي هذا الامر؟

يبقى انّ هذه الاشكالية ترتبط بديون أخذتها الدولة ولا تريد تسديدها، وتبيَّن انها اموال المودعين. ولكن السؤال الآخر المطروح، كيف سيتم التعاطي مع 20 الى 24 مليار دولار تمّ إنفاقها من اموال المودعين ايضاً، منذ اندلاع الأزمة، من خلال ما عُرف بسياسة الدعم؟ هل يمكن اعتبار هذه الاموال بمثابة ديون ام مجرد قرار بمصادرة اموال الناس، بذريعة انّ الضرورات تبيح المحظورات؟

 

التعقيدات كثيرة ومتشعّبة، لكن المعالجات العقلانية، وبصرف النظر عمّا يقوله القانون، تبدأ بمقاربة واقعية تسمح بالوصول الى نتائج مقبولة لكل الاطراف المعنية بالأزمة، وكل ما عَدا ذلك أشبَه بفقاقيع لملء الوقت الضائع، وزيادة الانهيار عمقاً وضرراً.