Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر November 28, 2024
A A A
قراءة في نص الاتفاق
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

– نشرت الحكومة اللبنانية نص اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وكيان الاحتلال، بحيث صار نقاش الاتفاق ممكناً بمعزل عن التسريبات المبرمجة والمشوّهة التي قام كيان الاحتلال وقادته ووسائل إعلامه بالترويج لها ضمن حرب نفسيّة هادفة لخلق الانطباع بتحقيق مكاسب لحساب جيش الاحتلال ومنحه امتيازات على حساب السيادة اللبنانية، وتضمين الاتفاق بنوداً عدائيّة ضد المقاومة وتقييدات جديدة على حركتها، مضافة لما ورد في القرار 1701، بصورة يمكن أن يبنى عليها استنتاج هويّة المنتصر والمهزوم في هذه الحرب، بما يتيح للاحتلال ادعاء تحقيق النصر الذي تحدّث عنه مع بداية الحرب، فما هي الملاحظات التي يمكن تسجيلها بقوة بعد قراءة النص الرسمي للاتفاق؟

– أولاً نحن أمام نسخة منقحة عن القرار 1701 الذي بقي مرجعاً للاتفاق، ولكن التنقيح من البيئة الاستراتيجية ذاتها التي ولد فيها القرار، وإذا كان البعض ينشر الفقرات الواردة في الاتفاق عن تقييدات على المقاومة مثل الحديث عن تفكيك بنى تحتية وإنهاء وجود سلاح ومجموعات مسلحة، فمن الواجب لفت انتباه من يقرأ الاتفاق أن كل هذه الفقرات مأخوذة من القرار 1701، مع فارق أنها وردت في القرار 1701 بنبرة أقوى وتفصيل أدق، وكانت شموليتها لكل الأراضي اللبنانية أكثر وضوحاً، بينما انصرف الاتفاق للحديث عن منطقة جنوب الليطاني وكأنها منطقة سريان الاتفاق، ولعل الطريقة المثلى لتقييم الاتفاق هي بالتوقف أمام ما أضافه من فقرات ليست واردة ضمن القرار 1701، باعتبار أن قوة المقاومة التي ظهرت خلال هذه الحرب، خصوصاً يوم الأحد في 24 تشرين الثاني، وأنتجت موافقة قيادة كيان الاحتلال على الاتفاق بعد رفض صيغته لمرتين، هي قوة تم بناؤها وتطويرها وتأطير حضورها في ظل القرار 1701، ما يعني أن تكرار هذه النصوص المأخوذة من القرار لا يشكل بذاته تغييراً كافياً لتقييد قدرات المقاومة وعناصر بناء قوتها.

– حالت ثلاثة عناصر دون نجاح محاولات تقييد المقاومة بقوة بنود القرار 1701، وما لم يتمّ تذليلها لن تكون نتيجة الاتفاق في ترجمة هذه البنود أقوى وأفعل، مما كان عليه الحال خلال 18 سنة من وجود القرار 1701، وقد تنبّه الأميركيون والفرنسيون وسائر الدول الغربية لعنصرين منهما، وأهملوا الثالث فكان الفشل من نصيب مشاريع محاصرة المقاومة وتقييد قوتها، العنصران هما، غياب صلاحيّة التحرك المنفصلة لقوات اليونيفيل أو إضافة قوة جديدة إليها تملك صلاحيات تنفيذية ميدانية بمعزل عن الجيش اللبناني، وقد شهدنا محاولات متكرّرة خلال أعوام القرار الـ 18 لتعديل القرار بما ينتج تعديلاً على نصوصه يتيح منح قوات اليونيفيل هذه الصلاحيات وفشلت، وكانت آمال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن تكون لجنة الإشراف على الاتفاق بقيادة أميركيّة مرفقة باستقدام قوات أميركيّة وإعلان تفويض اللجنة بالمسؤولية عن إدارة الأمن في منطقة جنوب الليطاني، ولذلك ركز الاتفاق على جنوب الليطاني بحماس إسرائيلي، الى حد يسمح لمن يقرأ الاتفاق ويقارنه بالقرار 1701 أن يعتبر أن الاتفاق يمنح المقاومة حق بناء بنى تحتية وهياكل مسلحة شمال الليطاني، إلى أن يصل اللبنانيون كما هو معلوم الى حل قضية سلاح المقاومة ضمن استراتيجية للدفاع الوطني يعرف الأميركيون أن العائق أمام استخدامها وسيلة لإضعاف المقاومة هو أن أميركا والغرب كله يمنعان عن الجيش اللبناني فرصة التزوّد بأسلحة تسمح له بتولي مهمة الدفاع عن لبنان بوجه الأطماع والاعتداءات الإسرائيلية، وبفعل موازين القوى في الميدان وصلابة المفاوض اللبناني فشلت كل محاولات جعل اللجنة المعنية بتلقي الشكاوى حول انتهاكات القرار 1701 والاتفاق المنبثق منه، مرجعية بديلة للدولة اللبنانية وجيشها في ادارة الأمن في جنوب الليطاني، وفشلت محاولات جلب قوات أميركية الى جنوب الليطاني، وقد بات كل من الأمرين محسوماً سلباً، أمر اللجنة بصلاحيات استشارية مأخوذة عن نسختها الأصلية وهي لجنة تفاهم نيسان 1996، وأمر قدوم قوات أميركية. وهذا ما قالت الصحف الإسرائيلية إنه تسبّب بغضب نتنياهو، لكن غلبته أحوال الميدان على قبول الاتفاق بعد يوم الأحد، وفقاً لإيراده لسبب جوهريّ بقبول الاتفاق هو وضع القوات المسلّحة.

– العنصر الثاني الذي أعاق التطبيق الصارم ضد المقاومة لنصوص القرار 1701، كان الفشل في تدويل الحدود اللبنانية السورية، وهو الهدف الضمني من القرار 1680 الذي يرد ذكره في القرار 1701 ويتصل بترسيم الحدود بين لبنان وسورية، ولم تنجح محاولات إضافة تدويل الحدود في القرار 1680 ولا في القرار 1701، لأن ذلك يستدعي أحد أمرين، إما موافقة سورية، إضافة لموافقة لبنان، أو قرار وفق الفصل السابع بدا أنه مستحيل بالنسبة للقرار 1701 فكيف بالنسبة لقرار يتصل بلبنان وسورية وتكون تعقيداته أكبر. وبغياب هذا التدويل وغياب تدويل الأمن جنوب الليطاني، لم تمتلك دول الغرب آلية تحكم تتيح تقييد حركة المقاومة سواء في التزود بالسلاح أو في امتلاك بنى تحتية لصناعة الأسلحة، وبنى مشابهة للأعمال القتالية.

– العنصر الثالث والأهم الذي أراد الغرب تهميشه والتغاضي عنه، ومنح المقاومة موقع التفوّق، يتصل برفض الغرب الضغط على كيان الاحتلال لفرض احترام السيادة اللبنانية بمفهومها الكامل، خصوصاً ما ورد في القرار 1701 بوضوح، بدءاً من وجوب الانسحاب من الجزء اللبناني لبلدة الغجر الذي تمّ احتلاله في تموز 2006 ولا نزاع حول خضوعه للسيادة اللبنانيّة، وصولاً لتسوية الخلاف حول الأراضي المتنازع عليها خصوصاً مزارع شبعا عبر مقترح يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة، والحقيقة أن المقترح تمّ إنجازه من الأمين العام السابق بان كي مون، ويقضي بوضع المزارع كعهدة تحت سيطرة قوات اليونيفيل بانتظار تطبيق القرار 242 الذي يقول الكيان إن المزارع تخضع لولايته وليس للقرار 425، وقد قبل لبنان ذلك ورفض الكيان، وبما لا يقلّ أهمية استمرت الانتهاكات اليومية في الأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية، وتعامل الأميركي وكل الغرب مع ذلك تعاملهما مع تبرير ضم الكيان للجولان باعتبار الأولويات الأمنية الإسرائيلية تبرر البقاء فيه، ومثله بقاء التحرك في الأجواء اللبنانية والبقاء في مزارع شبعا، وهما يعلمان أن بقاء هذه الانتهاكات يجعل تقييد المقاومة بعدتها وحضورها مجرد انحياز لا قانوني لصالح كيان الاحتلال يصعّب خلق تأييد لبناني له حتى من أشد خصوم المقاومة، خصوصاً أن مبرر نظرية الحاجة الأمنية الإسرائيلية تعني شيئاً واحداً هو التحضير لحرب جديدة على لبنان.

– مع فشل محاولات تدويل الأمن في الجنوب على حساب مرجعية الجيش اللبناني، وفشل محاولات تدويل الحدود اللبنانية السورية، كان الباب الوحيد لتسلسل سلس لتطبيق القرار 1701 متاحاً، وهو الأخذ على يد الاحتلال وإلزامه بالتسليم بمقتضيات السيادة اللبنانية، براً وبحراً وجواً، وهو ما لم يفعله الغرب ولا أقدم عليه الاحتلال طوعاً، رغم معرفة إن فعل ذلك يتيح مطالبة المقاومة لبنانياً ودولياً باستجابة واضحة لتنفيذ موجباتها في القرار 1701 خصوصاً جنوب الليطاني، وبسبب الالتزام السياسي والعقائدي مع الاحتلال فشل الغرب في جعل الجيش اللبناني بديلاً للمقاومة، رغم الخطاب التقليدي القائم على حصرية السلاح بيد الدولة ومؤسساتها، لأن الدولة ومؤسساتها وفي الطليعة الجيش اللبناني، بحاجة لمقومات دفاعية جدية لمواجهة أطماع وعدوانية لا يملك لبنان فرص مواجهتهما بوعود غربية، عن اللجوء للمجتمع الدولي، في ضوء الدلال الغربي للكيان وجعله فوق القانون، وقد كان هذا الاقتناع قبل حرب غزة، فكيف هو بعدها؟

– حاول الاحتلال الحصول على بند حرية العمل في لبنان تحت شعار منع التهديدات التي تمثلها المقاومة على أمنه، وفشل بقوة الميدان والمفاوض اللبناني، وصار البند حق الدفاع عن النفس لكل من لبنان وكيان الاحتلال وفقاً للقوانين الدولية، وتحت سقف القرار 1701، ففقد النص الوظيفة التي أرداها نتنياهو، وبتنا في الحصيلة أمام اتفاق قابل للانفجار مجدداً ما لم يلتزم الاحتلال بموجباته نحو السيادة اللبنانية، أو قابل للتجميد عند حدود التوقف عن التنفيذ المتبادل كما حصل مع محاولة التطبيق الأولى للقرار 1701، فهل يفعل الاحتلال ما لم يفعله طوال 18 عاماً ويمنح الاتفاق فرصة التنفيذ، قابلاً بما يمنحه له القرار 1701 من مكاسب مقابل ما يفرضه عليه من أثمان، أم يفضل تجميد تنفيذ الالتزامات بالتوازي والتوازن، أم يذهب برعونة السلوك مع إشاعة وهم النصر إلى خطوات حمقاء تعيد تفجير الحرب؟

– المقاومة جاهزة لكل من هذه الاحتمالات، وكلها بالمناسبة تصبّ الماء في طاحونة إسناد غزة، فخيار التفجير يعيد الإسناد الناري، وخيار الالتزام يصيغ الالتزام بسيادة لبنان أو تجميد التنفيذ، يعني خلق نمط جديد من الإسناد بقوة المثال والنموذج وفتح الطريق لتكرار المثال في غزة.