Beirut weather 19.1 ° C
تاريخ النشر February 1, 2022
A A A
قراءة اقتصادية في موازنة 2022
الكاتب: رنى سعرتي - الجمهورية

أمل كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «معهد التمويل الدولي» غربيس إيراديان، في مقابلة مع «الجمهورية»، أن «يضع القادة السياسيون في لبنان خلافاتهم جانبا وأن يوافقوا قريبا على موازنة معدّلة لعام 2022 تراعي اقتراحات وفد صندوق النقد الدولي، بما في ذلك استخدام سعر صرف موحّد للإيرادات والنفقات، وإجراءات واضحة لمكافحة التهرب الضريبي لتحقيق المزيد من الإيرادات. لسوء الحظ ، يركز السياسيون الآن أكثر على الانتخابات البرلمانية القادمة».

– هل يتضمن مشروع موازنة 2022 برنامجَ إصلاح اقتصادي شاملا متوسط المدى لانتشال الاقتصاد من أزمته ووضعه على مسار الانتعاش القوي؟

لم يتضمن المشروع الرئيسي لموازنة 2022 (أكثر من 1000 صفحة) إطارا ماليا متعدد السنوات، كما هو الحال في العديد من البلدان، بما في ذلك ملخص لمؤشرات الاقتصاد الكلي الرئيسية المتوقعة والبرنامج المالي الكلي الشامل للحكومة. إلا أن وزير المالية قام بتعميم مذكرة توضيحية تتعلق بالموازنة، تضمنت بعض افتراضات الاقتصاد الكلي لعام 2022.

كان ينبغي أن تهدف موازنة 2022 إلى عدم الاقتراض من النظام المصرفي أو تحقيق فائض أولي صغير بنسة 0.5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لتوقعاتي، بدلاً من عجز أولي يبلغ 1.5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي المتصور في مشروع الموازنة، بافتراض تخصيص 5240 مليار ليرة لمؤسسة كهرباء لبنان من إجمالي الإنفاق. سيؤدي الاقتراض المحلي المتوقّع والبالغ 10.3 تريليونات ليرة إلى تفاقم الضغوط التضخمية. كان الهدف من تحقيق فائض أولي صغير لعام 2022 أن يرسل إشارة أولية قوية إلى مستثمري القطاع الخاص والمجتمع الدولي بأن السلطات مصمّمة الآن على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، بدءا من تحقيق إيرادات إضافية.

كلما طال انتظار النخبة السياسية الفاسدة لإجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تم تحديدها، ازداد عمق الأزمة الذي سيجد لبنان نفسه فيها. قد يقترب لبنان من نقطة اللاعودة التي لن يكون هناك أمل بعدها في استعادة البلاد مسارها نحو النمو الاقتصادي، والاستقرار المالي، والسلام الاجتماعي، وحكومة تعمل بشكل جيد.

– هل الإنفاق على الحماية الاجتماعية كافٍ وهل سيحمي الشريحة الاضعف من السكان؟

في ظل الظروف الحالية ومحدودية الإيرادات أعتقد أن مشروع الموازنة قد خصص الإنفاق الكافي على القطاعات الاجتماعية لحماية الفقراء. ارتفع المخصص للإنفاق الاجتماعي من 5.7 تريليونات ليرة في عام 2021 إلى 14.0 تريليون ليرة في عام 2022، أي ما يعادل 26 ٪ من إجمالي الإنفاق، وهي أعلى نسبة في سنوات عديدة. كما أن مخصصات الإنفاق على الصحة تضاعفت أكثر من ثلاثة أضعاف في مشروع موازنة 2022، مقارنة بعام 2021. ومن الواضح أن الإنفاق على القطاعات الاجتماعية بحاجة إلى زيادة أكبر إذا توفرت المزيد من الإيرادات. يمكن إنشاء شبكات أمان اجتماعي واسعة النطاق للحد من الفقر بمساعدة المجتمع الدولي في سياق برنامج صندوق النقد الدولي.

– هل تعتبر ان الإيرادات مبالغ فيها؟

تركز المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومعهد التمويل الدولي بشكل أكبر على تطور الإيرادات والنفقات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، بدلاً من التركيز فقط على النسب فيما يتعلق بالإنفاق. كما ذكرتُ في مقابلتي السابقة مع الجمهورية، فقد انهارت نسبة الإيرادات في العامين الماضيين، حيث انخفضت من 21 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 إلى 16 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، وبتقدير 9 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2021.

أعتقد أن تقديرات الإيرادات في مشروع الموازنة اقلّ من الرقم الفعلي، بشكل رئيسي بسبب استخدام سعر صرف أقل، يقال إنه 8900 ليرة لبنانية بدلاً من 20000 ليرة مستخدمة في جانب الإنفاق. تُظهر تقديراتي الأولية لعام 2022 أنه يمكن زيادة إجمالي الإيرادات من 40.6 تريليون ليرة (12.6 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي) المتوقعة في الموازنة إلى 52.5 تريليون ليرة (13.6 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي) من دون زيادة الضرائب والرسوم بشكل اضافي عن الزيادات الواردة في المشروع. إن الزيادة المتوقعة في الإيرادات في عام 2022 تعكس ببساطة استخدام سعر صرف 20000 ليرة لبنانية على جانب الإيرادات، مصحوبة بإجراءات واضحة لمكافحة التهرب الضريبي. يمكن تخصيص جزء من هذه الإيرادات الإضافية لزيادة الإنفاق على السلع والخدمات وعلى القطاعات الاجتماعية. من الواضح أن مجتمع الأعمال أو الطبقة الغنية في لبنان، بدعم من مجموعات المصالح الخاصة في البرلمان، سيستمرون في مقاومة استخدام نفس سعر الصرف لجميع المعاملات على جانبي الإيرادات والنفقات.

كان السبب الرئيسي لانهيار الإيرادات في عامي 2020 و2021 هو زيادة التهرب الضريبي واستخدام السعر الرسمي المشوه البالغ 1507 ليرة لبنانية لرسوم الجمارك وضريبة القيمة المضافة بدلاً من سعر الصرف الموازي. وقد أفاد هذا في الغالب التجار والطبقة الغنية في لبنان، والتي يدعمها المشرعون، أصحاب المصالح الخاصة في البرلمان.

يمكن تقليص او تعويض الضغوط التضخمية المتواضعة التي ستنتج عن استخدام سعر صرف 20000 ليرة لبنانية للرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة، من خلال الارتفاع المتوقع لسعر الصرف في النصف الثاني من عام 2022 (على سبيل المثال من 20.000 إلى 15.000 ليرة لبنانية) في سياق برنامج قوي مع صندوق النقد الدولي وتمويل خارجي ملائم. في هذه الحالة، يمكن إصدار موازنة تكميلية خلال العام مع بعض التغييرات في جانب الإيرادات والنفقات بما يتفق مع الافتراضات الاقتصادية الكلية المعدلة أو الجديدة. هذه هي الممارسات في معظم البلدان.

– يعتبر البعض ان مشروع الموازنة فشل في تخصيص الموارد الكافية للإنفاق الاستثماري (الإنفاق على البنية التحتية). ما هو رأيك؟

بالفعل، إن الإنفاق الاستثماري ضئيل للغاية في مشروع الموازنة (2.2 تريليون ليرة، أي ما يعادل 0.5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي أو 4 ٪ من إجمالي الإنفاق). ومع ذلك، إذا أضفنا النفقات الاستثمارية الممولة من الخارج، وبشكل أساسي من البنك الدولي بمبلغ 270 مليون دولار (أو 5.4 تريليونات ليرة باستخدام سعر صرف 20.000)، فإن إجمالي الإنفاق الاستثماري سيكون 7.6 تريليونات ليرة، أي ما يعادل 12.9 ٪ من الإجمالي.

تجدر الاشارة الى أن فذلكة الموازنة التي قدمتها وزارة المالية، استثنَت التمويل الأجنبي من النفقات الاستثماري. في سياق برنامج صندوق النقد الدولي، أتوقع أن يرتفع إجمالي الإنفاق الاستثماري تدريجاً من 0.3 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 إلى 4.5 ٪ من إجمالي الناتج المحلي، أو 32 ٪ من إجمالي الإنفاق بحلول العام 2025. كما هو موضح في الرسم البياني أدناه، فإن معظم الزيادة في النفقات الاستثمارية ممولة من الخارج في سياق قروض سيدر لمشاريع محددة في لبنان.

 

– ما هو نوع الاتفاق الممكن ان يتوصل له لبنان مع صندوق النقد الدولي؟

اعتقد ان فرص التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قد زادت منذ استئناف جلسات مجلس الوزراء. آمل أن توافق الحكومة قريبًا على إدراج تعليقات فريق صندوق النقد الدولي على موازنة 2022. في هذه المرحلة، هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن التوقيت ونوع البرنامج وحجم الحزمة المالية المتوقعة من صندوق النقد الدولي. من المرجح أن يتضمن أي برنامج ناجح وقوي للبنان أكثر من 10 مليارات دولار من التمويل على مدى أربع أو خمس سنوات، في شكل برنامج تمويل ممدد (EFF). هذا اقتراح صعب بالنسبة للبنان بسبب استمرار عدم توفر الإرادة السياسية لتنفيذ الإصلاحات العاجلة. ينصح فريق صندوق النقد الدولي حاليا باستخدام سعر صرف موحد لجميع المعاملات؛ الاتفاق على التوزيع العادل للخسائر المالية؛ تطبيق خطوات ملموسة لإصلاح قطاع الكهرباء. إذا فشلت السلطات اللبنانية في الاتفاق على بعض هذه الإصلاحات، قد يوافق صندوق النقد الدولي على تمويل محدود أو برنامج مراقب من قبل الموظفين لمساعدة السلطات اللبنانية على بناء سجل حافل من تنفيذ السياسات المطلوبة. في مثل هذه الحالة، سيكون الوصول إلى التمويل الأجنبي أقل بكثير وغير كافٍ لانتشال البلاد من الأزمة الحالية.

– هناك جدل كبير حول معدل النمو المستخدم في مشروع موازنة 2022 وتقديرات البنك الدولي. ما هي تقديرات معهد التمويل الدولي لعام 2021 والتوقعات لعام 2022؟

تظهر تقديراتنا المعدّلة للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، انكماشًا بنحو 7 ٪ في عام 2021، مدفوعاً بتدهور صافي الصادرات والانكماش الكبير في الاستهلاك العام والاستثمار بالقيمة الحقيقية. من الصعب للغاية تقدير النمو في لبنان نظراً لغياب المؤشرات الاقتصادية والمالية الموثوقة وفي الوقت المناسب. يعتبر الوصول الى الإحصاءات في لبنان الأسوأ بين دول الشرق الأوسط وأفريقيا. من المؤسف أن ادارة الاحصاء المركزي ليس لديها لغاية الآن تقديرات للحسابات القومية للعام 2020. كما أن ميزان المدفوعات والأرقام المالية الفعلية في لبنان يتم إصدارها بفترات متأخرة. في مثل هذه الحالة من توفر الإحصاءات السيئة وغير الكافية، من الصعب صياغة سياسة اقتصادية. إن هامش الخطأ في تقديرات البنك الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى لمعدل النمو لعام 2021 كبير جدًا. مِن الآمِن أن نقول إن الانكماش في الإنتاج في عام 2021 كان بين 3 و 10 ٪. أفترض أيضًا أن النمو في عام 2022 قد يتجاوز 4.5 ٪ إذا تم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل الانتخابات البرلمانية.