Beirut weather 16.32 ° C
تاريخ النشر October 14, 2017
A A A
قتل القس المصري تطور نوعي في هجمات «الذئاب المنفردة»
الكاتب: احمد رحيم - الحياة

مثَّل قتل قس مسيحي في مدينة «السلام» في القاهرة تطوراً نوعياً لهجمات المتطرفين ضد مسيحيين في مصر، إذ يعد الاعتداء سابقة هي الأولى منذ اندلاع موجة عنف استهدفت قوات الأمن وقضاة ومؤسسات الدولة ودور عبادة مسيحية بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي.

وقتل شاب القمص سمعان شحاتة كاهن كنيسة القديس يوليوس الأقفهصي في مدينة الفشن في بني سويف جنوب القاهرة أثناء وجوده في مدينة السلام، مساء أول من أمس. وعلى رغم أن أجهزة الأمن لم تكشف عن دوافع عملية القتل، لكن فيديو التقطته كاميرا مراقبة في موقع الاعتداء، يُرجح أنه «قتل على الهوية». وظهر في الفيديو القس القتيل يركض ويطارده شاب يرتدي جلباباً ويمسك «ساطوراً» في يده، ومن حوله يهرول المارة، ثم يلحق الشاب بالقس عند بوابة مخزن للحديد، ويطعنه طعنة نافذة في ظهره ليسقط الضحية، ثم ينهال القاتل على جثمانه بالساطور، ويُمرره على رأسه، قبل أن يفر من موقع الهجوم.

وحمل الهجوم بصمات «الذئاب المنفردة» التي تتبنى فكر تنظيم «داعش» المتطرف، وتسعى لتنفيذ هجمات بالسكاكين أو بالدهس.

وأوضح مصدر مُطلع على التحقيقات أن أحد المارة طارد الجاني الذي فر أعلى جسر مُطل على الطريق الدائري، استقل حافلة نقل عام أوقفها بسيارة شاهد العيان الذي طارده عند مقر للأمن المركزي التابع للشرطة، وصاح لتنبيه قوات الأمن بأن هذا الشاب ارتكب جريمة قتل، لتوقفه قوة تأمين معسكر الأمن المركزي.

وأشار إلى أن بيان وزارة الداخلية الذي ذكر أن هذا الشاب سبق اتهامه في قضية ضرب أبيه وإشعال النار في منزله، لا يعني أن الوزارة جزمت بأنه «مختل عقلياً». وقال: «بيان وزارة الداخلية حول الاعتداء ذكر معلومة عن الجاني، ولم يتطرق إلى طبيعة قواه العقلية من قريب أو بعيد، لكن بعض المواقع الإعلامية فسرت البيان بما لم يذكره».

وأشعل حديث بعض المنابر الإعلامية عن أن الجاني مختل عقلياً غضباً مسيحياً عارماً ظهر جلياً في تشييع جثمان القس، الذي اعتبرته الكنيسة «شهيداً». وجزم قساوسة وقيادات كنسية بأن الاعتداء «إرهابي وطائفي»، ولا جدوى من تحميله الصبغة الجنائية.

وبدا من تعامل الكنيسة مع الهجوم أنها على قناعة أنه «إرهابي»، كون الجاني لا تربطه أي صلة سابقة بالكاهن القتيل، فضلاً عن أن القاتل طارده على الأرجح لارتدائه زي القساوسة، ووفق شهادة سائق الكاهن، فإن القاتل رسم بالساطور صليباً على جبهة القس بعد قتله. وروى السائق أن القس كان في «مهمة رعوية» في مدينة السلام، بصحبة قس آخر، وبعد أن انتهت المهمة استقل القسان السيارة في طريقهما إلى بني سويف، لكن القس سمعان كان ترك هاتفه المحمول في إحدى الدور التي زارها فطلب من السائق العودة مجدداً إلى المكان المكتظ بالسكان، وترك السائق السيارة خارج المنطقة بسبب وجود أشغال في الطريق وحفر قرب موقع الهجوم، وطلب القس الثاني من السائق مرافقة القس سمعان في الشارع لجلب الهاتف الجوال، وأثناء سيرهما فوجئ بشخص يطارد الكاهن قبل أن يطعنه ويفر.

وطغت مشاعر غاضبة على نفوس مشيعي القس سمعان شحاتة من كنيسته في بني سويف، فيما قررت الكنيسة القبطية دفنه إلى جوار جثامين ضحايا مدينة الفشن في هجوم في شهر أيار الماضي لمسلحين من تنظيم «داعش» استهدف حافلة تقل عشرات المسيحيين كانوا في طريقهم إلى دير «القديس الأنبا صموئيل» في مغاغة في المنيا. وقال الأنبا اسطفانوس أسقف ببا والفشن في كلمة خلال مراسم التشييع: «البابا يتابع الحادث عن كثب ولا نطلب من وزير العدل إلا العدل».

وألقى الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة وسكرتير المجمع المقدس كلمة قال فيها إن من قتل القس سمعان شحاتة «إرهابي متطرف… اضطهادنا لن يزعزع محبتنا للمسيح»، مضيفاً: «أقول للإرهابيين إن دماء الشهداء تروي شجرة الكنيسة. وأقول للمسؤولين في الدولة إننا منذ العام 1972 تتكرر حوادث الإرهاب، وواضح أن معالجة الأمور تتم بطريقة خاطئة جداً، فالملاحقة الأمنية ليست علاجاً، والدولة مطالبة بأن تبذل مجهوداً ضخماً لتغيير ثقافة شعب تم تسميم ذهنه بالعنف والإرهاب والتطرف، وحتى المتابعة الأمنية نشعر أن فيها خللاً كبيراً جداً، فكثير جداً من أحداث الإرهاب لم تتم ملاحقة الجناة فيها، والأعجب من هذا أنه عندما يتم توقيف بعض الجناة نتعجب من إطلاقهم لأي سبب، فإذا كان الجاني لا يجد عقوبة فهذا تصريح لبعض الناس بأن يكرروا القتل مرة أخرى».

وقاطعت صيحات المشيعين القساوسة المتحدثين، بهتافات: «بالروح بالدم نفديك يا صليب» و «يا نجيب حقهم يا نموت زيهم».

في غضون ذلك، قال وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان إن «الاعتداء الغادر» الذي تعرض له القمص سمعان شحاتة ترفضه الشرائع السماوية وفي مقدمها شريعتنا الإسلامية السمحة. وأضاف أن الأصل في الإسلام هو عصمة دماء وأعراض وأموال الناس على اختلاف معتقداتهم، وأياً كان نوع الاعتداء ودوافع ارتكابه فهو «عمل خسيس» سيرفضه نسيج مجتمعنا.