Beirut weather 15.21 ° C
تاريخ النشر April 21, 2017
A A A
قبل مهاجمة كوريا الشمالية الرجاء استنفاد كل السبل
الكاتب: غرانت نيوشام

أمضت الولايات المتحدة 25 عاماً وهي تحاول إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن المشروع النووي، في وقت كانت تأمل في أن تساعد الصين في حمل بيونغيانغ على وقف المشروع هذا. ويشير قول وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، أن سنوات المفاوضات مع كوريا الشمالية فشلت، الى أن الرد العسكري الأميركي غير مستبعد. وفي بعض الدوائر يُنظر إليه على أنه لا مفر منه. ولكن أميركا لم تلعب كل أوراقها بَعد، ولم يحن أوان توجيه ضربة عسكرية اليها. لذا، عليها احتساب عدد من الأمور:

مهاجمة كوريا الشمالية تقتضي إعداد أميركا العدة لإنهاء ما ستبدأ به في غياب طرق مختصرة، أي عليها توجيه ضربة قوية تزلزل الأرض تحت أقدام كيم جونغ وتعيده إلى صوابه، هذه الضربة ستكون صعبة ودموية ولا يمكن التنبؤ بنتائجها. وهل تتذكرون مشكلة كوسوفو منتصف التسعينات من القرن الماضي؟ القوة الجوية الأميركية دمرت المدرعات الصربية أكثر من مرة، الى أن تبين ان حوالى 90 في المئة من هذه المدرعات لم يدمر، وهي لم تنسحب من الإقليم إلا بعد وقف إطلاق النار. وكانت لدى كوريا الشمالية عقود من الزمن لتتحصن.

وعاصمة كوريا الجنوبية، سيول المكتظة بالسكان، في مرمى مدفعية بيونغيانغ وصواريخها. ولن تتوانى كوريا الشمالية عن قصف اليابان.

ولكن ما موقف دولة نووية مثل الصين في حرب تخاض على حدودها؟ ومشكلة على هذا المستوى ستقود إلى خراب اقتصادي عالمي مع انزلاق اقتصادات رائدة إليها ومنها اقتصادات كوريا الجنوبية واليابان والصين المترابطة مع اقتصاد اميركا والاتحاد الأوروبي.

لعقوبات فعلية
ويزعم قبول الحل العسكري ضد كوريا الشمالية أن الخيارات استنفدت بعد فشل العقوبات. ولكن الزعم هذا يفترض أن العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية مُطبقة، وهذه ليست الحال. وتشوب العقوبات ضد هذا البلد مشكلتان:

1- العقوبات ضيقة ومحدودة أو التزمتها الصين التزاماً فاتراً.

2- عدم التصدي لسعي بيونغيانغ الى التهرب من العقوبات، في وقت هي ضالعة في عدد من النشاطات غير القانونية لجمع الأموال ومنها صناعة المخدرات وتجارتها وتزوير العملات، وقرصنة الإنترنت. لكن جهودها لجمع الأموال على المستوى العالمي هي الأكثر إدهاشاً. فكوريا الشمالية أرسلت أكثر من 100 ألف عامل الى أوروبا والشرق الأوسط وروسيا والصين وأفريقيا للعمل في قطع الأشجار ونقلها، والمناجم وصناعة النسيج وإدارة المطاعم الكورية في الخارج، وهذه الحال تشبه لو أن الاتحاد السوفياتي وسعه إرسال سجناء معتقلات العمل (الغولاغ) إلى العالم الخارجي من أجل جني الأموال لقادة الكرملين. وتعمل المكاتب التجارية الكورية الشمالية في العلن او وراء ستار بسيط حتى في دول ديموقراطية متحالفة مع أميركا مثل سنغافورة وماليزيا وتايوان. ولا يحتاج نظام بيونغيانغ الى كسب كبير: بليون أو بليونا دولار. ومثل هذا المبلغ يستفيد منه نظام يفضل أن يجوع شعبة ويجبرهم على العمل في معسكرات من دون أن يحرك العالم ساكناً.

ما العمل؟
يشبه نظام كوريا الشمالية عصابة منظمة، والمال هو شريان حياته. ولذا، يجب خنقه من طريق الخطوات التالية:

1- العودة الى قضية بنك دلتا آسيا. ففي 2005، في عهد جورج بوش، عاقبت وزارة الخزانة الأميركية هذا المصرف في مكاو لمساعدته نظام كوريا الشمالية في غسل الأموال، وحظرت على الشركات والمؤسسات الأميركية التعامل معه. وبعدها، جمدت حكومة مكاو 25 مليون دولار من أموال كوريا الشمالية، وقطع بنك دلتا آسيا صلاته بها. والحملة هذه أصابت بالذعر مؤسسات مالية متعاونة مع كوريا الشمالية، وبادر بعضها الى قطع صلاته بها.
وكذلك، شعر الصينيون بالذعر. ولكن ادارة بوش رفعت العقوبات عن المصرف وأعادت الأموال الى كوريا الشمالية في مقابل التزامها المشاركة في المفاوضات. وبنك دلتا آسيا هو دليل على الفائدة المرتجاة من تفعيل العقوبات الفضفاضة التي أقرتها وزارة الخزانة الأميركية لقطع التعاملات المالية الكورية الشمالية، وإقصاء أي مؤسسة مالية تتعامل معها من شبكة التعامل بالدولار الأميركي.
2- الانقضاض على النشاطات غير المشروعة الكورية الشمالية. وأظهرت الحكومة الأميركية وأجهزة استخباراتها حيرة ولا مبالاة إزاء جرائم كوريا الشمالية وعمليات كسب الأموال. حري بالحكومة الأميركية إغلاق سفارات كوريا الشمالية المنخرطة في جمع الأموال من طرق غير قانونية. والحق يقال كيف يُسمح لنظام هو نسخة عن نظام الخمير الحمر في كمبوديا أن تكون له سفارات في الدول المتحضرة؟ لذا، يجب تجفيف مصادر الأموال وقطعها عنه.

نهج واقعي مع الصين
يجب الإقرار أنه بعد ربع قرن من الأمل في غير المأمول، لن تتعاون الصين ضد نظام كوريا الشمالية، وتعاونها المزعوم في عدد من القضايا الدولية أقل أهمية من تجنب الحرب في شبه الجزيرة الكورية. ويجب الضغط على الشركات والمؤسسات المالية الصينية، وحتى الحكومية منها، التي تتعامل مع كوريا الشمالية. ولتُخير الصين بين التجارة مع كوريا الشمالية أو مع الولايات المتحدة. ويوماً ما قد تضطر الإدارة الأميركية الى استخدام القوة ضد كوريا الشمالية. لكن قبل الذهاب إلى الحرب، على واشنطن أن تفرض عقوبات فعلية ضد كوريا الشمالية.
*

* غرانت نيوشام.. كبير باحثي منتدى اليابان للدراسات الاستراتيجية، ضابط بحرية أميركي متقاعد، عن «إيجيا تايمز» الهونكونغية.

إعداد جمال اسماعيل – الحياة