Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر November 18, 2021
A A A
في ظل اشتداد المنافسة مع الصين.. هل تنجح أميركا بالعودة لإفريقيا بعد غياب لسنوات؟
الكاتب: عربي بوست

تحظى إفريقيا بأهمية كبيرة في استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية للمنافسة مع الصين، غير أن الخطوات الأولى للإدارة الأميركية الجديدة بقيادة جو بايدن في القارة السمراء لم تكن على قدر التوقعات حتى الآن، كما يقول تقرير لوكالة The Associated Press الأميركية.

ففي آب الماضي، خطَّط كبير الدبلوماسيين الأميركيين لزيارة إلى القارة الإفريقية، إلا أنها ما لبثت أن تأجلت بسبب الاضطرابات في أفغانستان وما استدعى ذلك من اهتمام واشنطن. لكن الآن، وبعد مرور ثلاثة أشهر وتفاقُم أزمتين إفريقيتين مهمتين كالسودان وإثيوبيا، يكرر وزير الخارجية أنتوني بلينكن المحاولة ويتوجه إلى القارة لتعزيز الرسالة التي سبق أن أعلنت عنها الإدارة الأميركية بأن “أميركا عادت” إلى القارة وشؤونها.

 

 

ماذا تعني العودة الأميركية لإفريقيا بعد غياب طويل؟
على الرغم من الأهمية التي تحتلها قارة إفريقيا في التنافس بين الولايات المتحدة والصين، فإن الاهتمام بشؤون القارة كثيراً ما تراجع بالنسبة لواشنطن لمصلحة قضايا “أشد إلحاحاً” في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وحتى أميركا اللاتينية. ومن ثم، فإن أحد الأهداف الأساسية لزيارة بلينكن هو إبراز صورة واشنطن ضمن الأطراف الرئيسية للمبادرات الإقليمية والدولية لاستعادة السلام وتعزيز الديمقراطية، لا سيما في الوقت الذي تشتد فيه المنافسة مع الصين.

يأتي ذلك في وقت يصعب فيه على الولايات المتحدة الترويج لدورها في القارة على الرغم من حديثها عن “الإسهامات الهائلة بالمال واللقاحات اللازمة لمكافحة كورونا وغيرها من الأمراض المعدية”. فعلى الجانب الآخر، تضخ الصين طوال الوقت مليارات الدولارات في مشروعات الطاقة والبنية التحتية وغيرها من المشروعات التي تعتبرها واشنطن “عمليات احتيال مصممة لاستغلال الدول النامية أسوأ استغلال”، كما تقول وكالة Associated Press.

أما الأهداف العاجلة لزيارة بلينكن فتشمل تعزيز الجهود الدبلوماسية غير الناجحة حتى الآن لحل النزاعات المتفاقمة في إثيوبيا والسودان ومواجهة بوادر التمرد المتزايد في أماكن أخرى. وتأتي الجولة التي تشمل ثلاث دول (كينيا ونيجيريا والسنغال) بعد أشهر من محاولات الإدارة غير المجدية لتخفيف حدة التوترات في البلدين على الرغم من التدخلات المتكررة على المستويات الدنيا من مسؤولي الإدارة.

وقال إرفين ماسينغا، الدبلوماسي الأميركي البارز في الشؤون الإفريقية، إن “الدبلوماسية الأميركية المكثفة هناك مستمرة، ونود من خلال هذه الجولة أن نبرهن على أن تمسُّكنا بالشراكات مع الدول الإفريقية والحلول الصادرة عن القارة لتحدياتها مستمر، وسيستمر، مع مواصلتنا لجهودنا المكثفة مع شركائنا الأفارقة والأطراف التي تشاركنا أفكارنا لمعالجة التحديات الصعبة في إثيوبيا، والسودان أيضاً بالتأكيد”.

 

 

لا تقدم دبلوماسياً أميركياً يُذكر في إفريقيا
يبدأ بلينكن جولته من كينيا، وهي طرف له نفوذ رئيسي في كل من إثيوبيا والسودان المجاورتين، بالإضافة إلى أن كينيا حالياً عضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولها مصالح عميقة في الصومال، المحاذية لها.

ومع أن الأشهر الماضية شهدت تدخلات عديدة من الإدارة الأميركية، منها زيارة سامانثا باور، مديرة الوكالة الأميركية للتنمية للدولية، إلى إثيوبيا في أغسطس/آب، والرحلات التي قام بها مبعوث بايدن الخاص لشؤون القرن الإفريقي، جيف فيلتمان، إلى أديس أبابا ونيروبي، بالإضافة إلى زيارة حالية لكبير الدبلوماسيين في إفريقيا، فإن كل ذلك لم يتمخض عنه تقدم يُذكر، كما تقول Associated Press.

بل إن الصراع تصاعد في إثيوبيا بين حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد والقادة في منطقة تيغراي الشمالية، لا سيما مع تقدم المتمردين الآن صوب العاصمة وسط تنبيهات مشددة أصدرتها الولايات المتحدة وغيرها من الدول إلى الأجانب بمغادرة البلاد.

يخشى كثيرون من أن تتصاعد تلك التوترات إلى عمليات قتل جماعية بين الأعراق في ثاني أكبر الدول الإفريقية من حيث عدد السكان، خاصة وأن أعمال العنف التي اندلعت العام الماضي قُتل فيها آلاف حتى الآن، واحتُجز آلاف آخرون، وتشرّد ملايين الأشخاص. وبحسب ما ذكره المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، فإن بلينكن سيحرص على نقل هذه المخاوف عندما يلتقي الرئيس الكيني أوهورو كينياتا يوم الأربعاء 17 نوفمبر/تشرين الثاني.

في ظل آمالها المعقودة على إمكانية التوصل إلى حل قريب للأزمة، لجأت إدارة بايدن نحو العقوبات، وأعلنت طرد إثيوبيا من اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا، واستهدفت في البداية جيش إريتريا وقادته لتدخله في الصراع الإثيوبي. كما لوحت الإدارة بفرض عقوبات على المسؤولين الإثيوبيين، ومنهم رئيس الوزراء آبي أحمد، الحاصل على جائزة نوبل للسلام.

استنكرت إثيوبيا العقوبات وزادت حدة انتقاداتها لما اعتبرته “تدخلاً” في شؤونها الداخلية. وفي أديس أبابا وأماكن أخرى، هناك شك وعداء للضغط الأمريكي من أجل وقف فوري لإطلاق النار وإجراء محادثات مع أن أميركا هي أكبر مانح للمساعدات في البلاد.

من جهة أخرى، وفي الوقت الذي كان فيه فيلتمان، خبير الشؤون الإفريقية، يتنقل بين نيروبي وأديس أبابا لتخفيف التوترات في إثيوبيا، فاجأته هو والإدارة التطورات الطارئة في السودان، بعد أن أسقط انقلاب عسكري الحكومةَ المدنية وقطع الطريق أمام الخطوات الكبيرة المبذولة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة بعد عقود من توترها.

ردَّت الولايات المتحدة على الانقلاب بتجميد 700 مليون دولار من المساعدات المالية المباشرة للسودان، ولم تسفر التحركات الأخرى للضغط على أطراف الانقلاب عن تغيير كبير.

في غضون ذلك، فإن كبيرة الدبلوماسيين الأميركيين لشؤون إفريقيا، مولي في، في الخرطوم، ومن المقرر أن تنضم إلى بلينكن في نيروبي لمناقشة الأوضاع في السودان. عقدت مولي في يوم الثلاثاء لقاءات مع حمدوك والبرهان، وقال الأخير إن قادة السودان على استعداد للدخول في حوار مع جميع القوى السياسية دون شروط، وفقاً لبيان صادر عن مجلس السيادة المعين حديثاً. وقالت مولي في إنها التقت حمدوك، الذي يخضع للإقامة الجبرية في منزله بالخرطوم، “لمناقشة سبل المضيّ قدماً لاستعادة الانتقال الديمقراطي في السودان”.

ومع ذلك، تعثرت جهود الوساطة، فقد أصر البرهان وأنصاره على تكوين حكومة تكنوقراطية، فيما يصر الطرف المدني المؤيد للديمقراطية على العودة إلى ترتيبات تقاسم السلطة التي كانت قائمة قبل الانقلاب، وتحرير حمدوك وغيره من المسؤولين من الإقامة الجبرية والانخراط في مفاوضات تؤول إلى إصلاحات واسعة النطاق.

بعد إنهاء الزيارة إلى كينيا، يتوجه بلينكن إلى نيجيريا للقاء الرئيس النيجيري محمد بخاري لمناقشة الترتيبات الأمنية في غرب إفريقيا وسط تصاعد لأعمال العنف من مسلحين أصوليين. ومن المفترض أن يتطرق بلينكن أيضاً إلى محادثات حول التعاون في مجالات التغير المناخي والطاقة النظيفة والتنمية المستدامة ومكافحة وباء كورونا، وإلقاء خطاب حول استراتيجية بايدن فيما يتعلق بالقارة الإفريقية. ويُنهي بلينكن جولته في العاصمة السنغالية داكار، حيث يناقش قضايا مماثلة مع الرئيس السنغالي ماكي سال، الذي سيتولى قريباً رئاسة الاتحاد الإفريقي.

 

 

أميركا لا تواكب سرعة التغيير بإفريقيا
في السياق ذاته، حذر تحليل لمجلة Foreign Affairs الأميركية نُشر الشهر الماضي، من أن “إفريقيا تتغيّر.. لكن الاستراتيجية الأميركية لا تُواكبها”، إذ لم تكن القارة السمراء يوماً ضمن الأولويات الأساسية للولايات المتحدة على الإطلاق، بحسب المجلة الأميركية.

وعلى الرغم من أن الرؤساء السابقين بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما قد دشنوا بعض المبادرات المؤثرة للمساعدة على إحراز التقدم في التجارة والصحة والطاقة وغيرها من المجالات، لكن تلك الإدارات لم تُكرّس لقارة إفريقيا سوى اهتمام محدود ومتقطع.

وكانت إدارة جو بايدن بطيئةً بالقدر نفسه في التعامل مع إفريقيا منذ البداية، فبعيداً عن استجابتها الدبلوماسية المركزة للحرب الأهلية المفجعة في إثيوبيا وبعض اللمحات في مجالات التركيز الأخرى مثل التجارة والاستثمار، لم تضع إدارة بايدن استراتيجيةً للتعامل مع القارة.

لكن التغييرات الكبيرة في التركيبة السكانية والاقتصاد والسياسة بدأت تكتسح إفريقيا، ما يعزّز فرص المشاركة الأميركية الإيجابية هناك ويؤكّد على الحاجة للارتقاء بإفريقيا على قائمة أولويات السياسة الخارجية الأميركية، بحسب تحليل المجلة.

في النهاية، يجب أن تُعيد واشنطن تصوّر فهمها الجيوسياسي لإفريقيا، كما يتعيّن على الإدارة إطالة الجدول الزمني لسياساتها، والتركيز على تقوية المؤسسات أكثر من الحفاظ على علاقاتها مع الزعماء المنفردين، حيث إنّ تعزيز قيمٍ مثل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان هو مشروعٌ طويل الأمد، بحسب فورين بوليسي.