Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر September 2, 2024
A A A
في زمن الأوبئة والحروب… هناك حرب دائرة داخل أجسامنا!!!
الكاتب: يمنى المقداد - الديار

على وقع الحرب الدائرة حاليا، هناك حرب دائرة باستمرار داخل أجسامنا، على أنّ الهدف في كلا النوعين واحد، وهو القضاء على الأعداء، ونقصد بالحرب الداخلية، تلك التي يديرها جهاز المناعة، ويحارب من خلالها الأجسام الغريبة، ويحمي بالتالي الإنسان من الهلاك بسبب الأمراض التي تهاجمه في حياته.

واليوم على وقع الحرب، هناك أوبئة كثيرة تنتشر، إمّا نتيجة الظروف القاسية التي يعيشها الأفراد في مناطق النزاعات والحروب، وإما نتيجة التغيّر المناخي الذي يفرض واقعا جديدا في كثير من البلدان عبر الكوارث الطبيعية على أنواعها، مشتركا بذلك مع الحرب في إيصال العديد من البشر إلى أن يكونوا عرضة لظروف مهلكة لمناعتهم وأحيانا كثيرة لأعمارهم.

من هنا، لا بدّ لنا من التعرّف الى جهاز المناعة ودوره وكيفيّة تعزيزه، كيلا يكون الضرر مضاعفا علينا، بخاصة في ظلّ ما نمرّ به من حرب نفسية ولوجستية في لبنان وفلسطين المحتلة.

في حديث لـ “الديار”، يعرّف الباحث في علم المناعة الدكتور حسّان سعيّد، جهاز المناعة بأنّه أحد أهم الأجهزة الموجودة في الجسم، ويعتبر نظاما دفاعيا معقّدا، نظرا لتكوّنه من مجموعة من الخلايا والأنسجة والأعضاء، التي تعمل مع بعضها بكثير من التناسق لحماية الجسم من العدوى والأمراض، ووظيفته الرئيسية التعرّف الى الأجسام الغريبة، أي أن يميّز ما ينتمي إلى الجسم (ذاتي)، وما لا ينتمي إلى الجسم (غير ذاتي أو أجنبي)، مثل البكتيريا، الفيروسات، الفطريات والسموم، حيث يقوم بالتفاعل مع هذه الأجسام بهدف القضاء عليها، ومنعها من التسبّب بأيّ أضرار داخل الجسم.

 

 

ما هو جهاز المناعة وما الذي يُضعفه ؟

واشار الى أنّ جهاز المناعة مؤلف من مجموعة خلايا تسمّى كريات الدم البيضاء، تتواصل فيما بينها بواسطة مواد كيميائية تسمّى (السيتوكينات Cytokines ) ، بهدف تنظيم العملية المناعية أو آلية التصدي، التي تشمل خط دفاع أول وثان، يعتمد كلّ منهما على مجموعة من هذه الخلايا المناعية. وأهم وظائف جهاز المناعة، التعرف الى الأجسام الدخيلة أو العوامل الممرّضة، الممهورة بعلامات سطحية معينة تمكّنه من التعرّف اليها، وعندما يتعرّض الجسم للعامل الممرّض، يتّم العمل على تحفيز استجابة مناعية معينة، تفعلّ كريات الدم البيضاء للقضاء على هذه الممرضات” .

ولفت الى ان ما يميّز جهاز المناعة هو أنّه ينشئ ما يسمى بـ “الذاكرة المناعية”، فبعد أن يواجه هذا الجهاز مرضا معينا، يحتفظ بذاكرة خاصة للعامل الممرض (فيروس أو بكتيريا)، فيستجيب بسرعة عند التعرّض مرّة أخرى للعامل نفسه ويكون التصدّي أسرع، بشرط أنّ يميّز الخلايا التي تنتمي إلينا ، لأنّه إذا قاتلها، سندخل في أمراض المناعة الذاتية، ومن أهم أدوار هذا الجهاز أيضًا، التعرّف الى الخلايا السرطانية ومحاربتها.

ما الذي يضعف جهاز المناعة؟ أجاب انّ أحد العوامل الأساسية هو التوتر والضغط النفسي. وقد أظهرت دراسة في هذا الشأن، أنّ الأجهزة داخل الجسم يتواصل بعضها مع بعض، فالجهاز العصبي يتواصل مع الهرموني والأخير يتواصل مع المناعي، وأنّ أي توتر عصبي سيكون له آثار على الجهاز الهرموني، ويؤدي إلى إفراز مجموعة من الهرمونات، تسمّى هرمونات التوتر، وهي تؤثر في جهاز المناعة وتقوم بما يسمى بالتثبيط المناعي، أيّ الحدّ من فعالية وأداء جهاز المناعة، مثلا، “هرمون الكورتيزول” يضعف استجابة الجهاز المناعي.

وتابع ومن العوامل الأخرى المضعفة لجهاز المناعة، هي نقص الفيتامينات والمعادن، منها فيتامين سي، دي، الزنك، قلة النوم أو النوم المتقطع وغير الكافي، التقدم في العمر، وهناك ما يسمّى بـ “الشيخوخة المناعية” حين تفقد الخلايا المناعية كفاءتها مع الوقت، كحال كبار السن الذين يصبحون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، وهناك عامل وهو قلة النشاط الرياضي، والأمراض المزمنة كالسكري والقلب، علاوة على التدخين، الذي يؤثر في فعالية الجهاز المناعي والتنفسي والخلايا المناعية وقدرتها على محاربة العدوى، وكذلك الاستهلاك المفرط للكحول، وبعض أنواع الأدوية.

 

 

جهاز المناعة والأوبئة

وأوضح اننا نعيش في زمن الأوبئة، ومنها كورونا وجدري القردة ، وهما نتيجة لنوعين مختلفين من الفيروسات من ناحية الأعراض، فأعراض فيروس كورونا، الذي سمّي سارس أو كوفيد 2 تشمل الحمى، السعال، صعوبة في التنفس، تعب، فقدان حاستي الشم والتذوّق في بعض الحالات، ألم العضلات، كما أنّه ينتقل تنفسيا أي عبر الرذاذ التنفسي، من سعال وعطاس أو عبر الأسطح الملوثة.

اضاف : أمّا جدري القرود، فهو فيروس يؤدي الى مرض يسمّى جدري القرود، وينتمي إلى عائلة الفيروسات الجدرية، منها جدري البقر، جدري الماء، وحاليا هناك جدري القرود وهو مرض قديم، أعراضه ألم في الرأس، تضخم الغدد الليمفاوية، وتبيانه الأساسي هو الطفح الجلدي، تمام كالجدري على الوجه والجسم، وعادة ينتقل من حيوان إلى إنسان، أو من إنسان إلى آخر من خلال الجلد والوسائل الحيوية، يعني أيّ مادة تحتوي على الفيروس يتّم نقلها من مكان إلى آخر، وليس عبر الرذاذ التنفسي، وهو لا يشكل خطرا على الصحة العامة، وبخاصة إذا كان الفرد ملقّحا ضد الجدري في الصغر، لأنّ لفيروس جدري القرود مشتركات مع أنواع الجدري الأخرى، ما يؤمّن حماية بنسبة معينة من الأنواع الثانية.

 

 

تأثير الحروب في جهاز المناعة

وفق سعيّد هناك مروحة من التأثيرات للحرب في جهاز المناعة، منها أنّ الحرب بحدّ ذاتها عامل نفسي ضاغط، والحياة في مناطق النزاعات تؤدي إلى التوتر والقلق، ما يؤثر في الصحة النفسية ويضعف الاستجابة المناعية، إضافة إلى تأثير النقص في المواد الغذائية والذي يؤدي إلى سوء التغذية ونقص الفيتامينات والمعادن، وتراجع أنظمة الرعاية الصحية في الحرب، من خلال انقطاع أدوات التعقيم والمواد الكيميائية التي تقتل الفيروسات والبكتيريا، ما يعرّض الناس إلى الإصابة بالأمراض، عطفا على عدم معالجة إصابات الحرب، ما قد يؤدي الى انتقال الأوبئة من مكان إلى آخر.

اضاف: هناك عامل البيئة المعيشية غير الصحية من خلال النزوح والعيش في الخيم، وعدم جودة مياه الخدمة، وموضوع النظافة الشخصية والصرف الصحي…إلخ، وكلها عوامل تزيد من انتشار الأمراض وخطر العدوى، كما هو الحال في غزة و ظهور حالات شلل الأطفال، وهناك عدم تمكّن أصحاب الأمراض المزمنة من الوصول إلى أدويتهم بالشكل المناسب، ما يؤدّي إلى تدهور الصحة العامة.

 

 

نحو مناعة سليمة نفسيا وجسديا

جملة من النصائح، أوصى بها سعيّد لتقوية الجهاز المناعي، وذلك عبر تعزيز الفرد لصحته العامة كي يستطيع مقاومة الأمراض، عبر التغذية المتوازنة بتناول الخضار والفواكه، مضادات أكسدة، وكل أنواع الفيتامينات، وشرب كميات كافية من المياه، النوم الجيد، الأنشطة البدنية المعتدلة لتنظيم الدورة الدموية والتقليل التوتر، تقنيات الاسترخاء كالتأمل واليوغا، الابتعاد عن التدخين والكحول، وتناول مكملات غذائية إذا دعت الحاجة إليها، الحفاظ على وزن صحي، مراقبة مستويات السكر في الدم، مراقبة ضغط الدم.

وختم أنّ كل ذلك يندرج في إطار ما يسمى بـ “نمط العيش الصحي”، كي نضمن تخطي هذه الفترة الصعبة بأقل المشاكل.