Beirut weather 16.41 ° C
تاريخ النشر August 7, 2019
A A A
في “زمنِ العصفورية السياسيّة”… حكمة فرنجيه!
الكاتب: علاء الخوري - ليبانون ديبايت

“مُثقلٌ” بتجربةٍ امتدّت لأكثرِ من ثلاثة عقودٍ، اختبرَ خلالها الصيغة اللبنانية وتركيبتها، يدرس رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه حراكه السياسي بحكمةٍ ورويّةٍ تَرقى الى حجمِ التحدّيات التي يواجهها لبنان والتي تتطّلب قياس كلّ خطوة بـ”ميزان الجوهرجي” بعيدًا من التحليلات والتفسيرات التي يحاول البعض اعطاءها من أجل “تبرير” ما يقوم به الرجل أو تحريف الهدف الذي دفعه الى ذلك.

في “زمنِ العصفورية السياسيّة” التي نشهدها، يشدّد فرنجيه، على الحراك المُنتج لا الاستهلاكي الذي نراه اليوم متنقّلاً من الشمال والجنوب والذي تحوَّل كما وصفه البعض الى جولات “فتنوية” لا تزال ارتداداتها عصيّة عن “مساعي التطويق”.

فرنجيه المواكب لكلّ التفاصيل اللبنانية، يعلم أنّ عملية “بناء الدولة” لا تقوم على فردٍ أو طرفٍ، بل هي شراكةٌ متكاملةٌ بين قوى الإنتاج بمختلف قطاعاتها ووفق خطة استراتيجية بعيدة من الكلام الشعبوي.

وفي هذا الإطار، يؤكّد مصدرٌ في تيار المرده، أنّ “حركة فرنجيه في الفترة الأخيرة جاءت طبيعيّة انطلاقًا من كونه مرجعيّة وطنيّة ومسيحيّة مارونيّة تأخذ في عين الاعتبار اولئك الشركاء الأساسيين في عمليّة إنقاذ البلد ومن لا يُسمع رأيهم”.

وانطلاقًا من أنّ “سليمان فرنجيه المرشح الطبيعي والدائم لرئاسة الجمهورية”، فإنّ جولاته الأخيرة لا تنطلق من هذه “المُسلّمة”، بل تهدف الى الاستماع لآراء قطاعات أساسية في المجتمع “تغاضى” البعض عن سماعها والوقوف عند آرائها التي تشكّل نقطة ارتكازٍ لبناء دولة المؤسّسات، وهي خطوة إن دلّت على شيء فهي تعكسُ رغبة فرنجيه بمدّ جسورَ التعاون مع الجميع، على عكس القوى الأخرى وتحديدًا التيار الوطني الحر الذي يظهر تارة رأس حربة الدفاع عن حقوق المسيحيين ومطالبهم ويعمل على تثبيتهم في إدارات الدولة، وفي الوقت عينه، يسعى الى كسرِ الأطراف المسيحيّة الأخرى و”ليّ ذراعها” خوفًا من المنافسة التي تشكّل هاجسًا أساسيًّا عنده.

وعلى عكس هذه الازدواجية، عمد فرنجيه، الى طيّ صفحة الماضي مع “القوات اللبنانية”، ورسَّخ العلاقة مع حزب الكتائب اللبنانية برئاسة النائب سامي الجميل، وحرصَ داخل “المرده” على تحييد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من الصراع السياسي وتثبيت مكانته في ادبيات تياره السياسي، وذهب أبعد من ذلك حيث بقي على علاقة جيدة مع أطرافٍ أساسيين في التيار الوطني الحر.

وانطلاقًا من هنا، فإنّ فرنجيه المُدرك جيّدًا لـ”معادلة” الصيغة اللبنانيّة التي تؤكّد أنّ أحدًا لا يمكنه الغاء احدٍّ وأنّ التاريخ يعلّمنا الكثير ويعيد نفسه في كثيرٍ من الأمور، يَبتعد بحسب المصدر، عن أيّ تصرف يقوم به وفق المنطق “الغرائزي” في السياسة على قاعدة ” لا أحرق البيدر لاشعال سيجارة”.

حركة فرنجيه المنفتحة على جميع القوى السياسية، تؤسّس كما يؤكد المصدر نفسه، لأسلوبٍ متقدّم وحضاري، يشدد على ضرورة التعاون ومدّ اليد الى اللبنانيين والابتعاد عن الأسلوب الذي يؤدي الى احداث شرخٍ بين فئات المجتمع. إذ قارب رئيس “المرده” بحكمةٍ ملف مجلس الخدمة المدنية، وذهبَ بإتجاه دفع المسيحيّين الى الانخراط أكثر في مؤسّسات الدولة قبل رمي كرة اللّوم في مرمى الآخرين، وفي حال وجود خللٍ وجبَ علينا التفاهم مع الطرف الآخر لاصلاحه، وشدد أيضًا، على ضرورة أن يشعر المسيحي أنه طرف أساسي في بناء الدولة.

وبلغة “الخصم” قبل الحليف، فإنّ فرنجيه بحسب المصدر، الثابتُ في موقفه السياسي العربي الداعم لخطّ المقاومة، يضع تلك “الثوابت” كسقفٍ استراتيجي يلعب تحته”، وعلى عكس الآخر فهو الرافض لمبدأ “التلوين” في السياسة بغية إيجاد قاسمٍ مشترك مع الآخرين الذين يحترمونه على موقفه وثوابته.

هذه الثوابت، دفعت فرنجيه الى النظر في “النصف الملآن” من “الابريق السياسي” الذي تتفاعل داخله كل القطاعات الإنتاجية لبناء ما يصبو اليه كل مواطن.. وحرص على وضع خريطة طريق لحراكه الداخلي كي يكون فاعلاً لا استعراضيًّا، ويعطي زخمًا لرؤيته في كيفية تقديم الحلول الناجعة لبناء الدولة التي يريدها.

وفي هذا الاطار كانت “اطلالته” عبر أكثر من صرح “انتاجي” و”معرفي” في البلاد، حيث أنّ زيارته لجمعية الصناعيين كان هدفها الاستماع الى مشاكل الصناعيين والصعاب التي يواجهونها والحلول التي يمكن ايجادها لاخراج هذا القطاع من أزمته، في حين اكتسبت المبادرة من قبل رئيس تيار المرده باتجاه الصناعيين دلالات في السياسة اللبنانية من خلال التأكيد بأنّ الرجل السياسي ليس حصرًا ذلك الذي بجلس على “العرش”.

وكما جمعية الصناعيين، كذلك أتت زيارة المجلس الاقتصادي الاجتماعي حيث تتمثّل كلّ قطاعات الإنتاج التي تُغني الدولة من خلال الخبرات التي يمتلكها هؤلاء والحلول التي يمكن أن يقدّمها المجلس في اطار الدفع بالبلاد الى الخروج من المأزق الذي تعيشه.

قطاعات الإنتاج “الاقتصادية” تتكامل وفق “منظومة فرنجيه” مع قطاعات الإنتاج “التشريعية والقانونية”، ومن هنا كانت مبادرة فرنجيه بإتجاه نقابة المحامين وهي صرح قضائي وتشريعي تملك خبرات كبيرة مساعدة في عمليّة الاصلاح التشريعي والقضائي وتُقابل المجلس النيابي في عملية تحديث القوانين التي تنعكس إيجابًا على الاستثمار في البلد، ومن هذه البوابة تدخل الى العمل السياسي.

كذلك حرص فرنجيه، على الاستماع الى المشاكل المسيحية من “العمق”، إذ حلّ ضيفًا على مجلس المطارنة الموارنة عارضًا رأيه ومصغيًا الى كلّ ما يدور على السّاحة المسيحيّة من المطارنة والآباء المدركين لكلّ تلك الصعاب، بعكس البعض الذي يحاول “أخذ” ما استطاع من الكنيسة لحساباته الشخصية، ومهاجمتها عند أوّل فرصة سانحة أو عندما يجدها رافضة لبعض الطروحات المقدّمة والتي تنافي مبدأ الديمقراطية التي يردِّدها “كلامًا وشعارًا”.

وفي الخلاصة، فإنّ مسار فرنجيه اليوم ينطلق من رجل دولة “متعطّش” الى سماع الفئات الأخرى وتحديدًا من داخل القطاعات الإنتاجية التي يمكن أن تساهم في عمليّة الإنقاذ في ظلّ الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان واقترابه من الإنهيار.