Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر June 13, 2022
A A A
في ذكرى اهدن لماذا سمير جعجع؟
الكاتب: الباحث روي عريجي

في ٧ حزيران ١٩٧٨ اتّخذ بشير الجميّل قرارًا بتعيين سمير جعجع قائدا للعمليات العسكرية في اقليم الشمال الكتائبي وتسلّم مهامه في ٩ حزيران. وهذا الأمر أتى بعد الحوادث الأمنية التي حصلت بين الكتائب والمرده في شكا، مركز شركات الترابة التي كانت تريد ان تسيطر عليها الكتائب.
وكان المخطط، وبحسب سمير جعجع، الذي اتخذ من “عملية الأرز” عنوانا له، هو احتلال اهدن للقبض على قتلة جود البايع، المسؤول الكتائبي، وغيره من الكتائبيين. وبحسب جوزيف بو خليل، هو خطف طوني فرنجيه للمقايضة بينه وبين قتلة البايع ورفاقه.
وبالتالي فإنّ هذين المخططين لم يوضعا الا بهدف قتل طوني فرنجيه احد العقبات بوجه مشروع بشير الجميّل، الذي بكل تأكيد سيرفض اي محاولة لخطفه وسيقاوم حتى الموت اي محاولة لاحتلال اهدن.
و”عملية الأرز” تلك وقعت في ١٣ حزيران ١٩٧٨ في اهدن التي اتصفت بالغادرة لأنها وقعت في منطقة لم يكن يسكنها في هذا الوقت الا الفلاحين وتلامذة المدارس الذين يتحضرون لامتحاناتهم الرسمية، كما أن توقيتها في الفجر يدلّ على الخوف من المواجهة.
فانقسم المهاجمون الى مجموعات ثلاث لمحاولة الإطباق على اهدن من كل جهاتها. لكن الغير متوقع لدى فرق الكتائب المتنوعة المهاجمة الذين كان يقودها سمير جعجع والآتية من جهة بشري أنها قوبلت بمقاومة شرسة من التلاميذ الثانويين وبعض الفلاحين، كما أن الفرق المهاجمة الأتية من جهة مقلع قزحيا باتجاه اجبع قوبلت بمقاومة شرسة من قلة قليلة من سكان المنطقة أعطبت تقدمهم لبعض الوقت، بالإضافة الى الكمين الشهير الذي نصبوه على التلة بين كفرفو وكرمسده قرب دير مار يعقوب الذين وصلوه عبر طريق سرعل – كرمسده الحرجية.
لكن مفاجأة الهجوم كانت اصابة قائده سمير جعجع بيده اليمنى قبل 100 متر من وصوله الى منزل طوني فرنجيه الذي كان يدافع وحيدا عن عائلته. ولما تم نقل جعجع بسيارة سُرقت من اهدن اصيب مجددا، يقال في فخذه.
وهنا استلم القيادة ادمون صهيون الذي اقتحم منزل طوني فرنجيه وقتله وكان برفقته حنا شليطا الذي قتل السيدة فيرا والطفلة جيهان، وغيرهما، وهذا باعترافه. وانتهى الهجوم بفرار الكتائبيين من اهدن ومن كرمسده بعد تمكن الزغرتاويين من كسر الكمين، وخلّفوا وراءهم عددا من القتلى وآليات عسكرية وأعتدة متنوعة.
ونتيجة الهجوم الغادر اسفرت عن استشهاد 31 اهدنيا دفاعا عن كرامة ارضهم وعرضهم، وعلى رأسهم النائب طوني فرنجيه وزوجته وطفلته جيهان، ومقتل عشرات الكتائبيين رغم عدم اعترافهم بذلك.
وجرّت بعدها مجزرة اهدن ويلات حتى انتهاء الحرب اللبنانية ما خلّف حالة من اليأس عاشها المسيحيون نتيجة الصراعات المسيحية وبشكل خاص في المنطقة الشرقية التي فصلت نفسها عن لبنان، نتيجة الحروب والانتفاضات التي أدت الى قتل الأخ أخاه والجار جاره بسبب تعنّت وطمع قيادات المنطقة آنذاك للسلطة وللمال المتدفق نتيجة السيطرة على مرفأ بيروت وبعض المرافق الحيوية ونتيجة فرض الخوات على السكان تحت مسميات تلطيفية.
واللافت في كل هذه الحروب التدميرية للمجتمعات المسيحية أن سمير جعجع هو الطرف الأساسي فيها.
وأمام الحالة السيئة والضعيفة التي عاشها مسيحيو المنطقة الشرقية بعد تيتمها من “قادتها” التدميريين ومنعا لتدهور المسيحيين أكثر، وارتكازا على مشروع الرئيس سليمان فرنجيه لترشحه على رئاسة الجمهورية سنة 1988 “عفا الله عما مضى” قرر سليمان فرنجيه الناجي من القتل المحتّم في ذاك اليوم المشؤوم، اسقاط حقه عن ادمون صهيون وحنا شليطا وعلى كل من له علاقة بمجزرة اهدن، والتصالح مع حزب الكتائب في التسعينات، وحماية المؤسسة اللبنانية للارسال، ومساعدة استثنائية عدد كبير من القواتيين في وزارة الصحة وفي أروقة الدولة.

لكن لماذا أتت خطوة المصالحة مع سمير جعجع متأخرة؟
لأن جعجع تباهى أكثر من مرة بقيادته للهجوم الغادر الذي أدى الى مجزة في اهدن، مع اعترافه بتكرارها اذا اقتضت الحاجة، وذلك خلال حصاره في دير القمر، ومقابلاته في النهار العربي والدولي، والشرق الاوسط، وغيرها من المقابلات في الكتب التي صدرت عن حرب لبنان.
كما أنه رفض اي نوع من مصالحة او لقاء بعد خروجه من السجن بعد العفو الذي قضى بمبادلته مع إرهابيين قتلوا ضباط وعناصر من الجيش اللبناني في 18 تموز 2005.
بالمقابل قام سليمان فرنجيه وانطلاقا من ايمانه المسيحي وقناعته بأن الحوار هو الحل لكل المشاكل اللبنانية، ونبذه لمنطق العنف بالمطلق، بالتفاهم مع الحزب السوري القومي الاجتماعي في الكورة لعدم القيام بأي عمل عسكري خلال احداث ايار 2008، وبمنع اي ردة فعل وبشكل خاص بعد استشهاد يوسف الشب فرنجيه المسؤول بالمرده، كما منع بالقوة بعض مناصريه من القيام بالهجوم المسلح على موكب للقوات اللبنانية خلال انتخابات الـ2009.
ورأى سليمان فرنجيه في كل تلك الأمور أن المصالحة مع سمير جعجع باتت ناضجة لطي صفحة دموية مجزرة اهدن، فاستشار أهل الشهداء وأخذ موافقتهم وجرت المصالحة في الصرح البطريركي في بكركي برعاية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في 14 تشرين الثاني 2018، وهذه المصالحة لم تكن الا وجدانية ولا تدخلها السياسة لا من قريب ولا من بعيد.
وفي الختام عرضت بعض الأمور ليس لفتح الصفحة السوداء من تاريخنا انما حرصا على المصالحة وصونا للحقيقة وللحق.