Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر July 20, 2020
A A A
في أسس أزمة النفايات التي بدأت تطل مجدداً
الكاتب: مازن عبود - النهار

بدأت ازمة النفايات تطل مجددا وتتصدر الازمات. تطل كي تذكّرنا بان لا شيء قد استجد في الملف الا تمديد الموقت الذي اضحى دائما بموجب الطارئ والداهم.
بتاريخ 04-06-2020 طلب مجلس الوزراء (قرار رقم 7) من مجلس الانماء والاعمار إعداد تقرير تقييمي لعقود فرز ومعالجة وطمر النفايات في بيروت وجبل لبنان وذلك ضمن مهلة 15 يوما. وقد اتى رد المجلس المذكور في غضون الفترة التي نصّ عليها القرار. ودخل الرد مادة إضافية في أرشيف خطط النفايات وقراراتها التي غصّت بها خزائن السرايا الكبيرة، والتي لم ينفذ منها الا القليل مما تمّ التوافق والتقاسم عليه.
الملف لم يتغيّر وذلك على رغم صدور القانون 80 المتعلق بالإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة تاريخ 10-10-2018 والذي سيشكل مرتكزا قانونيا يلزم لوضع عربة القطاع الطارئة والدائمة على السكة المستدامة. انّ ما يعطل القانون – الحدث هو عدم صدور معظم المراسيم التطبيقية مما جعله غير نافذ عمليا. وما زال ملف النفايات مادة جدلية إذ يجري تقاذف المسؤوليات ما بين وزارات البيئة والداخلية ومكتب وزير الدولة للتنمية الإدارية ومجلس الانماء والاعمار. المشكلة انّ اللاعبين الاساسيين في الملف (مجلس الانماء والاعمار ومكتب وزير التنمية الإدارية) غير مفوضين قانونا للتعاطي بهذا الشأن.
يطل ملف النفايات مجددا اولا لانّ المشكلة البنيوية القانونية لم تحلّ. فما زلنا ننتظر إعداد المراسيم التطبيقية للقانون واستصدارها.
وثانيا، لانّ الانهيار السريع لليرة مقابل الدولار أدى الى تعثر الشركات المفوض اليها كنس وجمع وفرز وطمر النفايات وتوقفها عن العمل. ومعظم هذه الشركات تتكل على العمال الأجانب الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة التي أضحت مفقودة لا بل في خبر كان. كما انّ ارتفاع اسعار قطع الغيار والمعدات المستوردة بالعملة الصعبة يجعل انفاذ العقود بالعملة الوطنية امرا مستحيلا. وهذا ما يحتم على القيمين على الملف والذين ليسوا بقلة ان يعمدوا الى اتخاذ إجراءات سريعة تضمن الصحة العامة في ازمنة الكورونا والانهيار والكوارث. إجراءات تبدأ باستبدال العمالة الأجنبية بعمالة لبنانية، وفي حال تعذر ذلك بعمالة سورية او فلسطينية. كما يفرض على المسؤولين تغيير استراتيجياتهم في حال وجودها، والتركيز على خفض كميات النفايات التي انخفضت أصلا من جراء انخفاض الاستهلاك الى معدلات دنيا، وفرزها من المصدر وتحميل الملوث تكاليف التلوث لضمان خفض الفاتورة. فبحسب تقرير مجلس الانماء والاعمار تقدر كميات النفايات بـ 7000 طن يوميا، أي ما يوازي 2.5 مليوني طن سنويا. 45% من هذه النفايات تطمر في مطامر صحية و35% تجد طريقها الى المكبات العشوائية. اما ما يتم تدويره وفرزه من المصدر او في المنشآت فلا يتعدى 20%.
ان انفاذ قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة (قانون رقم 80 تاريخ 2018) عبر استصدار المراسيم التطبيقية، يعتبر بداية وضع سكة حلول مستدامة لازمات تكتسي صفة الطارئ والضروري والمستجد، وقد اضحت دائمة لا بل مزمنة. اعتقد أن القانون المذكور متطور وعصري الى حد بعيد ويراعي متطلبات الوضع اللبناني. فقد وضع احكاما ومبادئ واطرا مؤسساتية، فتضمّن فصولا تتعلق بالتخطيط والتنسيق كما بالتنفيذ والمراقبة وادارة المعلومات. وتطرق الى إدارة النفايات على مختلف أنواعها، ولم يهمل التمويل والحوافز. حدد المسؤوليات ووضع اسسا لضبط الجنح والعقوبات، فأتى متكاملا يضع أسس حل ازمة بنيوية المنشأ من جراء الخلطة القانونية والواقعية غير القانونية التي كان معمولا بها. الا انه مازال على الرف ينتظر مَن يدخله الى الساحة اللبنانية التي غرقت بالنفايات من كل الاشكال.
انّ تشكيل لجنة التنسيق المنصوص عليها في المادة 12 من القانون المذكور برئاسة وزير البيئة وعضوية الإدارات الرسمية المعنية والهيئات الاقتصادية والأكاديمية والجمعيات التي تعنى بشؤون البيئة، والتي تهدف الى تنسيق شؤون قطاع النفايات الصلبة، ما عاد مسألة وجهة نظر او خطوة تتطلب جوا ملائما او التفاتة من قبل وزير البيئة، فليؤلف اللجنة ويحدد طريقة عملها، خصوصا ان القرار يصدر منه شخصيا.
كما انّ انشاء الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة انفاذا لما نصّت عليه المادة 13 من القانون المذكور ليس ترفا. فتعيين مجلس إدارة الهيئة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير البيئة امر لا مفر منه، خصوصا انّ الهيئة المذكورة تتمتع بموجب القانون باستقلال مالي واداري وذلك على رغم ارتباطها بوزير البيئة. وهي مسؤولة عن إعداد دفاتر الشروط الفنية والإدارية الخاصة بالمشاريع المركزية المتعلقة بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، ودراسات تقييم الأثر البيئي كما الاشراف على تنفيذ المشاريع المركزية. وهي تقدم المشورة الى وزير البيئة بشأن المشاريع المشتركة وتلك التي تطرحها الإدارات المحلية لإدارة النفايات الصلبة لجهة جدواها البيئية والاقتصادية، وبشأن تقنيات معالجة النفايات عموما، على ان تُجرى المناقصات للمشاريع المركزية المتعلقة بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية بواسطة إدارة المناقصات وفق الأصول القانونية. وهذه الصلاحيات مازالت حتى الآن مبعثرة. المشكلة بنيوية قانونية، ويجب ألّا يستمر العمل البيئي بـ”القطعة”، فلا تتحرك الملفات الا كتداعيات لازمات تكتسب صورة الازمان. من غير المقبول ان تبقى الخلطة العجيبة والغريبة والضعيفة تتحكم بالقطاع وتؤدي الى ضياع المسؤوليات. لا يجوز ان نستمر في إدارة الملف من دون استراتيجية وطنية، ولا يجوز للطارئ ان يستمر.