Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر April 26, 2017
A A A
فيرا يمّين: كيف يمكن للتربية أن تجمع ونحن منقسمون على التاريخ
الكاتب: موقع المرده
img_9538 img_9537
<
>

“نحن أبناء مارون عبود في اللغة السهلة والكارجة ماء نرتوي فيها ونسقي”. كان لا بد لابنة الأرض، الآتية من من “جبال النور” في اهدن كما وصفها شاعرها الحاضر الغائب جورج يمّين، أن تتوجه إلى مدراء وأساتذة المدارس الرسمية والخاصة في منطقة بعلبك بالإضافة إلى حشد من التربويين برفع الصوت حول ضرورة تدارك الخطر المحدق المتمثل بالضعف الذي يعاني منه الطلاب على طول الخارطة اللبنانية، في إتقان اللغة، لغتهم الأم، أي اللغة العربية.

فاللغة “أمّ ومعلوم أنه تاريخيا منذ الهنود الحمر كان هناك خطة تقول أنك إذا أردت أن تضرب شعبا إجعله يخجل بلغته فمن دونها هو عار ويفقد كل انتماء”. من هنا، “المطلوب أن نرشّق اللغة العربية ونحرّرها، ،وان تكون تدريسا المادة الأحلى والأغنى لكي يعشقها الطالب ويتنفّسها ويفتخر بها وإلاّ نكون نجلد أنفسنا بأنفسنا لنصاب باليتم الفكري”.

كلام يمّين جاء خلال إلقائها كلمة في “المؤتمر التربوي الأول في البقاع” الذي نظمته مدرسة “مودرن انترناشيونال سكول” في بعلبك تحت عنوان “التربية تجمع”. فهل هي تجمع فعلا؟ سؤال طرحته يمّين لعنوان “عريض دونه فروع ومتفرعات لا تكتمل التربية كمفهوم جامع الاّ بها وكل منها عنوان لحديث شيّق ولكن شاق على المقاس اللبناني حيث كل المقاسات وفق الانقسامات تاريخيا وحاضرا وعلى الأرجح وللأسف مستقبلا فيما مقاس الوطن ليس في البال ولا الحسبان ما يجعل عرض المشاكل واقتراح الحلول احلاما عسى ان تتحقق يوما”.

ومن كلام الأرض والانتماء بدأت يمّين بتشخيص وتفنيد المشاكل التي يعاني منها الطلاب ومن خلالهم قطاع التربية في لبنان. اما المشكلة الكبرى، بحسب يمّين، فتتمثّل في “كتاب التاريخ”، إذ نعاني من غياب الكتاب الموحّد الناتج عن غياب “الرؤية الواحدة، وإذا حاولنا توحيده اقتلعنا منه ما هو مهمّ بل الأهم على غرار ما حصل السنة الماضية مع موضوع المقاومة وتمّ التغافل، علما أننا نهرب في التاريخ إلى الماضي ونحاذر مقاربة أحداث الأمس القريب مع أن أمسنا حافل بالانجازات وأيضا المحطات المفصلية سلبية كانت أم إيجابية لكنها تبقى مفصلية”.

إذا، في ثقافة طلابنا تواريخ كلّ حسب توجّه مدرسته، وكأن كتب على تاريخنا ان يظل متأرجحا بين أهواء الأيديولجيات المتجددة المتبدلة، ما يفتح النقاش حول الندوب الأخرى التي تصيب ثقافة طلابنا، أم أنه يمكن تحييد المكونات الاخرى عن التصدع الذي أصاب ذاكرة وطننا، أي كتاب التاريخ.
“الجغرافيا”، تجيب يمّين. “لا نزال لليوم نتغنى بموقعنا الجغرافي من غير تحديد حدودنا أو رسمها أو حتى تحديد المحيط بنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر مساحة لبنان، الأراضي المحتلة، مزارع شبعا، تسمية الدولة على حدودنا الجنوبية بفلسطين المحتلة فهل تنبهنا إلى هذا الموضوع في مدارسنا وفي كتب الجغرافيا الفرنسية وغيرها أم أن هذا الموضوع وجهة نظر حتى في التنشئة والتربية؟!”

“وبين التاريخ والجغرافيا، هل هناك تحديد للهوية التي هي المدماك الأساس للتربية والانتماء”؟ اشكالية اخرى تفرض نفسها. يحضر عامل اللغة من جديد، “لغتنا الرسمية العربية” ولكن. ” أين نحن من تحديد الهوية، لبنان ذو وجه عربي وباقي الأطراف من أي جنس أو لون أو عرق، مضحك مبك وضعنا وإذا أردنا الغوص في النهضة الفكرية سارعنا للقول وهذا صحيح أننا أبناء النهضة الفكرية في عالمنا العربي، اهذا انفصام أم كانت القطبة ـ الوصل لتركيب لبنان ولما تزل؟! وعليه هذا البند تحديدا تحوّل في “الطائف” بلبنان عربي الهوية والانتماء وكان يكفي أن نقول أن لبنان بلد عربي إلا اذا كان لدينا خوف من الهوى وتأثيره على الهوية ومن الارتباط وتأثيره على الانتماء للوطن”.

إذا، هي عوامل متشابكة مترابطة، فبين التاريخ والجغرافيا واللغة مضمون واحد، وهو الأرض، فالهوية، فالانتماء. “ومن المضمون ننتقل ولو سريعا إلى الشكل الذي هو انعكاس للمضمون فهل من يبدأ في مدارسنا اليوم بالنشيد الوطني اللبناني وقد يسارع أحدكم للقول مدرستي أو تلك ولكن السؤال سؤال مشروع وبشكل عام ومن لا يلتزم ويحترم نشيد بلاده فإنه ينشد بلدانا أخرى مع الإشارة إلى أننا بتنا نعتمد موسيقاه من غير كلام”، تضيف يمّين.
وفي معرض كلمتها لا تتجاهل يمّين أهمية إتقان لغات عدة لجهة منحنا “أبعادا ثقافية وفكرية وعلمية ويفتح لنا أبوابا ودروبا”، الا ان الاخطر برأيها هوالتمسك بهذه باللغات الاجنبية على “حساب اللغة الأم التي باتت هجينة ولم يعد لها الأولوية، وإذا ما أتقنّاها نتسلّل منها إلى لغات أخرى نعتبرها حيّة”.

كما تطرّقت إلى وجع آخر كما وصفته، وهو مؤشر الأميّة في لبنان. “الموجع أننا نعتقد أننا شعب متعلّم ومثقّف فيما لا ننتبه إلى أننا مصابون بنسبة من الأمية غير ضئيلة وقد يكون وضعنا اسوأ من أوضاع بلدان عدة نعتقدها أنها اكثر تخلفا وهذا بحسب دراسات عدة على مدى السنوات الماضية للUNDP. والامر يزداد سوءا مع الضغط الذي نعيشه منذ سنوات بفعل عدد النازحين السوريين الوافدين إلينا وقسم غير قليل منهم طلاب مدارس أو جامعات ما زاد من حدة المشكلة خصوصا في ظل غياب أي اهتمام رسميّ بالمعنى الفعليّ وليس التنظيريّ”. واللافت هو ما أشارت إليه يمّين حول غياب أي إحصاء فعليّ “يدل على نسبة الأمية في لبنان في الوزارة المعنية. والنسبة تزيد من مرحلة إلى مرحلة، فهي في الابتدائي أقل سوءا من التكميلي وفي التكميلي أقل سوءا من الثانوي، وكلما انتقلنا من مرحلة إلى اخرى زادت الأمور سوءا لأسباب عدة قد يكون أبرزها تضخم العدد الطامع بالمدارس الرسمية والجامعة اللبنانية ليس للأسباب التعليمية فقط بل للأسباب الإقتصادية ما يجعل الطلاب موزعين حسب UNDP أيضا بشكل متعادل بين الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة”.

قد يخيّل للمتابع ان عناصر المشكلة اكتملت جميعها وسط الاسئلة المتزاحمة حول إمكانية طرح الحلول فيما يتعلق بتفعيل التربية لتجمع، كما يقول شعار المؤتمر.
“كيف لنا أن نجعل التربية جامعة إذا لم نعزّز قطاع السياحة التربوية لنحفظ وطننا جغرافيا وبيئيا وجماليا وتراثيا وحرفيا وصناعيا؟”. مشكلة او خلل اضافيّ تطرحه يمّين على بساط البحث امام مسامع التربويين الحاضرين. قد يسأل احدهم عن علاقة السياحة بالتربية، الا ان يمّين توضح ان السياحة “هي الدرس الأمضى والأبقى في الذاكرة العينية والسمعية والوجدانية، فبدل أن تدرّس بعلبك يجب أن نعيش بعلبك. والكلام عن السياحة البيئية تحديدا يطرح السؤال الأهم، أين الحياة الكشفية اليوم، ففي الحياة الكشفية صداقة واقدة وارتباط بالأرض، وابتعاد عن المظهر، لا مذاهب ولا طوائف ولا أديانا بل إيمان بالانسان وهذا ما نحن بحاجة إليه وتبقى الصحبة الكشفية هي الصحبة الدائمة قبل أن يحاول البعض تشويهها وينال منها من كشاف مسيحي إلى آخر مسلم، الحياة الكشفية أرقى وأنقى من هكذا تسمية وليتنا نحوّلها إلى مادة في التربية كما الرياضة التي يجب أن تكون مادة أساسية لأنها تهذّب الروح والجسد وتنقّي طلابنا من آفات باتت تهدّدنا ولا تقل خطورة عن سموم الطائفية”، وتكرّ السبحة لتشمل “الموسيقى والمسرح والرسم، فبدل أن تكون هذه المواد ساعات للهو يجب أن تتحول إلى حصص أساسية ومهمة”.
ماذا بعد؟
“وضعنا أصابعنا على الجروح والسؤال المطروح أين الحل؟ لا يمكن اجتراح حلول في غياب الدولة ونحن لا نشكو اليوم من غياب الدولة لأننا لم نعش يوما أساسا زمن الدولة، دعونا لا نعود إلى زمن الأتراك والتتريك والفرنسيين والتغريب بل إلى ١٩٤٣ حين نلنا استقلالنا المزعوم صدر مرسوم في ١٩٤٦ لتوحيد المضمون في المدارس ولكن ببعض المواد فكانت المعارضة من رجال الدين ومن ورائهم رجال السياسة لأنهم يخسرون حجمهم وذرائعهم التي تؤمن لهم استمرارهم.
وبعد الطائف تكرر الموضوع ففي سنة ١٩٩٤ صدر قرار إصلاحي بالقطاع التعليمي ولا يزال حبرا على ورق وقد يكون بهت لونه وفي ٨ أيار ١٩٩٧ صدر قرار آخر بتوحيد المنهاج التربوي باستثناء التاريخ والقرار يلزم المدارس الرسمية وليس الخاصة فليت القرار لم يصدر لأنّه كرّس المكرّس”.
تحضر التواريخ الزمنية لتعكس ازمة ما ننفك نعيش تبعاتها اليوم. “بين الجمهوريتين حروب وأزمات، مدارس دمّرت وصروح أزيلت وأخرى فرّخت بعلم وخبر أو من غير خبر ما أثّر على المستوى التربوي بشكل واضح وموجع فتراجعت المدرسة الرسمية ما أتاح للمدارس الخاصة أن تفرض شروطها حتى بات هناك صراع بين اللقمة والعلم وفيما اتّهمت إرساليات بالتغريب نبتت مدارس كردّة فعل وبدل أن نعزّز لغتنا صار الصراع بين الفرنسية والانكليزية وبين الكتب الدينية وضربت الفرنكوفونية التي كانت ميزة وإضافة من غير أن نغفل توزيع المدارس حتى بات لدينا متعاقدون في مدارس يسكنها البرد والريح في قرانا وضيعنا ولا طلاب”.
هنا تحضر الجامعة اللبنانية، وهي ربما الوجع الأكبر كما المدرسة الرسمية. “في خصوص الجامعة الوطنية التي بها نعتزّ، تفرّعت كليات بحجة نشر التعليم الجامعي ففقدت مركزيّتها علما أن الفروع ضرورية وفق المحافظات مثلا وليس كليّات وفق المنطق والمناطق”، تشرح يمّين مضيفة: “ولأن الجامعة اللبنانية كانت ولا تزال جامعة سارع أهل السياسة إلى استحداث جامعات فبدل أن يكون لنا دولة تعلّم بات السياسي يعلّم وعلى الدولة يعلّم. وكم من جامعة في لبنان بدل أن يكون لبنان هو الدولة الجامعة والمعبّدة للطالب طريقة للعمل وليس للهجرة”.
وفي الختام، دعت يمّين إلى ضرورة تأسيس “عمل تربويّ بل حلّ تربويّ تتخذه الدولة قرارا لنبني عليه غدا، فالتربية هي المدماك الأساس لأي دولة، هي البقاء البشري والإنساني لدولة متينة يستحق فيها المواطن لقب المواطنة”.