Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر April 10, 2017
A A A
فيرا يمين: كأننا نصوّب على العهد من بيت ابيه وهذا موجع

 

“لا يمكن ان نبدأ في الكلام دون ان نستشعر اهمية وجغرافية وتاريخ المكان. دائما عندما يتم الحديث عن التحرير، وعن الانتصار، وعن المقاومة من البديهي في مكان أن يأخذ الجنوب المساحة  الكبرى إلا أنني انحاز بالمعنى العملي والعاطفي ذلك انه في معظم الأحيان البقاع يظلم ولا يأخذ حقه كفاية”.

بهذه الكلمات استهلّت عضو المكتب السياسي في “تيار المرده” فيرا يمّين كلمتها التي ألقتها خلال ندوة على شرفها بدعوة من “حركة أمل” في بلدة علي النهري في البقاع.

هي ازمات متجددة لم يستطع انتصار لبنان من التخلص منها، فما “يوجع عند التطرق الى موضوع المقاومة، هو انه بدل ان نستفيد من تحرير العام ٢٠٠٠ وانتصار العام ٢٠٠٦ وذهابنا بعد ذلك الى الدوحة فالانتخابات النيابية ومن ثمّ الى انتخابات رئاسية وتكرّ السبحة، لا يوجد بلد في العالم ينتصر ميدانيا ويخسر سياسيا الا لبنان”. واقع، ترده يمّين الى وجود “ازمة فعلية وهي انعدام ثقافة الانتماء للوطن، فنحن للأسف مجموعة مناطق، ربما مجموعة شعوب وطوائف ومذاهب وتيارات وحركات ولا ادري اذا كنا احزابا، ذلك انه لو كان لدينا حياة حزبية فعلية لكنا كرّسنا اكثر مفهومنا للعمل السياسي”.

ولعلّ الوجع الأكبر بحسب يمّين هو الانقسام الذي شهده لبنان حول الانتصار. “للأسف، لا يوجد اي بلد في العالم ينقسم حول الانتصار الا لبنان، ذلك انه تاريخيا في دول العالم ينقسم الناس حول الخسارة لأنها موجعة، بينما ان ينقسم الناس حول الانتصار فالوجع اكبر، وهذا ما دفعنا اكثر ربما لنعيش ازمة واقع سياسي تتجلى بالمعنى السلبي اكثر فأكثر اليوم”. لماذ اليوم؟

“لأنني اعتقد ان الكل راهن ومن حقنا بعد عامين ونصف شغور في موقع الرئاسة الأولى وبعد انتصارنا كخط مقاوم ووصول شخص مقاوم الى سدة الرئاسة، فإذا بنا اليوم، واتمنى ان لا نستمر على هذا المنوال، نحصد مخاوف متتالية كي لا اقول خيبات، اذ ان الامور تتجه نحو المزيد من المشكلات بدل الحلول”.

اذا، لم يتوحّد لبنان حول انتصاره، ولم يستثمره في السياسة، بل “بتنا بلدا قويا لكننا لا نزال دولة ضعيفة، وهذا أمر مؤسف”. ازمة الدولة هذه، ارخت بظلالها مجددا في العام ٢٠١٠، ذلك انه “بعد انتصار  ال٢٠٠٦ رسم لنا خريطة ما يسمّى الربيع العربي في العام ٢٠١٠، فوجد اللبنانيون في مكان معيّن وهذا امر مشروع وواقعي، انه في ظل غليان المنطقة كان الأجدى في لبنان الذي لطالما عانى من الاحتلال او من الوصاية او من قرار اقليمي او قرار دولي، ان ننظر الى الداخل لكي نكون اصحاب قرار، فكيف اذا كان هذا القرار بعد تحقيق الانتصار، لكنه تبيّن اننا للأسف لا نملك قدرة القرار الوطني الشامل وبدونا اعجز من ان نتّخذ قرارا وطنيا واحدا، لهذا نعيش تداعيات هذا العجز”. في هذا الاطار تضيف يمّين: “اقول، ليس لأن جغرافية المنطقة تفرض عليّ هذا الكلام، بل ان تاريخنا يشهد كمرده اننا لا نملك حديثين بمعنى لكل مقام مقال، بل حديثنا واحد في مختلف المجالس، لهذا افتح هلالين لكي اقول انه قبل وصول الرئيس ميشال عون الى سدة الرئاسة، يا ليتنا اخذنا بكلام دولة الرئيس نبيه بري في ما يخص السلة المتكاملة، لكنّا وفّرنا الكثير من الأمور التي نعيشها اليوم والتي في كل اللقاءات ان كانت احادية او وثنائية، في مجالس صغيرة او كبيرة، كلنا مسكونون بقلق واحد، وهو الى اين نحن ذاهبون؟ اذا قلنا تمديد نقول “آخ”، اذا قلنا فراغ نقول “آخ” عشر مرات، اذا قلنا ستين نشعر بالسكين، واذا قلنا مختلط نكون نكرّس واقعا مقيتا. اما اذا قلنا نسبية، وحدنا نقول نسبية ورأسنا مرفوع بين كثيرين غيرنا لطالما تغنّوا بالنسبية واصبحوا اليوم يهربون منها خوفا على احجامهم. انتم ونحن لا ننظر الى حجمنا، فبماذا تلزمنا الاحجام اذا لم نعط الحجم الحقيقي للوطن الذي هو الحجم الأساس لنا جميعا. اذا اليوم، عندما نتحدث بقانون انتخابات، اما ان يكون بحجم الوطن او لا نريد قوانين لأن سياسة الالغاء في لبنان دلّت ان لا احد يستطيع الغاء احد بل على العكس تماما، اذا نظرنا الى الآخر بقصد ان نلغيه فنعطيه بذلك مساحة اكبر ومزيدا من التعاطف. نحن نتكلم كأبناء فكر، فالامام موسى الصدر قال ان “لبنان يتّسع للجميع وهو وطن نهائيّ لجميع ابنائه”.

بعد الرئاسة، ثمة سؤال لا بد من طرحه بواقعية: ما هذا الانفصام المصاب به البعض؟ تشرح يمّين، “فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يكرر في المجالس الخاصة وفي التصريحات وفي المواقف انه يلتزم النسبية في الانتخابات النيابية او في القانون العتيد الذي لا ادري ما اذا كان سيبصر النور، بينما رئيس التيار الوطني الحر او رئيس كتلة الاصلاح والتغيير، علما انه ليس نائبا في البرلمان، يقول او يخترع كل يوم قانونا جديدا. اذا كان هناك خصما للعهد يخترع القوانين فهذا حقه في السياسة، واذا كان ثمة من هم ضد النسبية بالأساس فموقفهم الرافض طبيعيّ، لكن كيف نسمح لأنفسنا كفريق سياسي ان نقوّض العهد وان نذهب الى اختراع قوانين انتخابات نيابية كأننا نصوّب على العهد من بيت ابيه وهذا موجع”.

انفصام، جعل “المهللين من الاعلاميين والمحللين لوصول العماد عون الى سدة الرئاسة اليوم مصابين في الاحباط ويتساءلون، ماذا يحصل؟” من هنا، دعت يمّين الى ضرورة ان “نرشّق خطابنا السياسي وخطابنا الاعلامي وان نكون على قدر مسؤولية طموحات واحلام ناسنا وشبابنا ونذهب الى اقرار النسبية بكل جرأة فنكون بذلك نترجم ما حصل في الانتخابات البلدية، اذ ان المساحة التي أعطيت في الانتخابات البلدية فرزت بشكل او بآخر اقرار النسبية وتبيّن ان الساحة تتسع للجميع، فالمهم ان تجمعنا الاستراتيجية الواحدة والتاريخ الواحد يجمعنا. فلنتفق على المسلمات وعلى تكريس العدو وعلى تكريس الهوية وعلى احترامنا للأرض وعلى تكريس وتعميم ثقافة المقاومة ولنترك لحيوية الاختلاف الديموقراطي ان تأخذ مجراها وانا اعتقد انه كلما ذهبنا الى التنافس الايجابي نكون بذلك نخدم وطننا اكثر”. اذا، “لا حل الا باعتماد النسبية، وما يطمئن اليوم هو ان رئيس الحكومة للمرة الاولى ربما يقرّ بضرورة اقرار النسبية عسانا جميعا نتوافق طالما اننا نتحدث في عهد التوافق وبحكومة توافق وطني، ومن يخاف من النسبية فلنطرح الامور معه على بساط البحث والنقاش وندوّر الزوايا لنذلل العقبات والهواجس، وبدل ان نخترع قوانين من الخارج فلنحترم مؤسساتنا الدستورية بدل تقويضها عبر طرح القوانين خارج المؤسسة التنفيذية اي الحكومة”.

وتطرقت يمّين الى الايجابية التي تمثلت بالتسوية التي حصلت بين الرئاستين الجمهورية والحكومة بعد الانتخابات الرئاسية، “علما انه عندما تم ترشيح سليمان فرنجيه الى سدة الرئاسة رجمنا اننا نريد ان نعيد الفريق الآخر الى السلطة علما ان حالة التوافق هذه تريحنا، فهمنا ليس الأشخاص بل الوطن الذي سقط فيه كأول شهيد للمقاومة في لبنان واعني بذلك طوني فرنجية الذي له قول شهير يقول “الأشخاص زائلون اما لبنان فباق”. اليوم، “يتم تخويفنا بالفراغ وطرح تأجيل الانتخابات عبر التمديد تحت عناوين مختلفة ريثما يتم الاتفاق على قانون انتخابات اتمنى ان يكون قائما على النسبية والا سنذهب مرة اخرى الى ازمة جديدة تستولد ازمات اخرى على غرار التجارب السابقة وهو ما لا نتمناه”.

ومن ازمة قانون الانتخاب الى سلسلة الرتب والرواتب، لفتت يمّين الى انه “تم التشويه المخطط والممنهج لموضوع الضرائب الذي لم  يقرأه احد بالشكل الدقيق والتقني حتى بتنا كل يوم نسمع خبرية جديدة كي يتم تحريك الشارع بطريقة معينة. وما ان انتهينا من سلسلة الرتب والرواتب ارتفعت الاسعار من قبل التجار فحرقت الأخضر واليابس، فإذا اقرّت السلسلة ام لم تقرّ، رقعة الفقر تتسع في البلد وهذا ايضا موجع. والى بواخر الكهرباء تسأل: “اين الاصلاح في البواخر؟ نستأجر ونمدّد للإيجار، وبدل ان نقوم بذلك، كان الأجدى ان نحوّل هذا المال الى بناء معامل معيّنة تصبح ملك الدولة ولو تكلّفنا المزيد قليلا. اذا اليوم، بعدما كنا نشتكي من الهدر إذ بنا نعتمد الأسلوب نفسه بطريقة او بأخرى، وادعو الى قراءة الفرق بين ايجار البواخر في لبنان ودول اخرى وهنا ايضا السؤال مشروع”. اما في موضوع التنقيب عن النفط، انتقدت يمّين الشخصانية في مقاربة هذا الأمر من قبل فريق العهد كغيره من القضايا. “ستتحقق الطاقة البديلة ويزول النفط وما زلنا نبحث بين البدء بالتنقيب عن النفط في الجنوب او في الشمال، ولو اخذنا بنصيحة الرئيس بري وبدأنا التنقيب من الجنوب، لأزعجنا برأيي العدو الاسرائيلي والكيان الصهيوني الذي يتفرج علينا نلهو ويستولي على نفطنا في مياهنا. الآن وبعدما وصلوا الى السلطة اقرّوا بأحقية اقتراح الرئيس بري”.

الكوتا النسائية

“نحن مع الكفاءة اكانت رجلا ام امرأة”، جملة تختصر فكر “تيار المرده” الذي تحمله يمّين في محاضراتها، ولكن. “قارنوا بين لبنان والدول المجاورة التي نتكبّر عليها وندّعي اننا اكثر حضارة منها فنعيش هذه الخدعة كي لا اقول الكذبة، نرى انه في اكثر الدول تخلفا الى اكثرها حضارة الجميع واقعه افضل من لبنان. قد يقول البعض ان الكوتا تكرّس التمييز. في مؤتمر بكين ١٩٩٥، البعض اقرّ بأن الكوتا هي شكل من اشكال التمييز الايجابي، واذا كنا لا نريدها، لماذا وقّعنا على التعهد بإقرارها كدولة، وما زلنا حتى اليوم نتساءل عمّا اذا ستقرّ الكوتا ام لا”.

توضّح مفهوم الكوتا الملتبس. “الكوتا ليست للمرأة اللبنانية، بل هي للمجتمع اللبناني لأنه على ما يقول ماركس “اذا اردتم ان تنظروا الى حضارة او مقياس حضارة اي مجتمع انظروا الى حضور المرأة فيه”. من هنا، “نحن نطالب بأن نؤمن بمجتمعنا، نريد مجتمعا يرتقي لكي يكون حضاريا يستحق ان يكون مكوّنا من الكفاءات، وبمجرد ان تكرّس الكفاءة تأخذ المرأة تلقائيا حقها وموقعها”. انطلاقا من ذلك، “يمكن ان نعتمد الكوتا كمرحلة انتقالية لدورة او دورتين فيصبح بذلك حضور المرأة طبيعيا وبديهيا، وهنا ايضا ندعو لاعتماد الكوتا في الأحزاب اللبنانية لأنه في النهاية اذا تحققت الكوتا الحزبية تلقائيا تتحقق الكوتا النيابية او الوزاية على غرار التجربة الألمانية المضيئة حيث في العام ١٩٨٠  فرض “حزب الخضر” الكوتا النسائية فاعتمدتها الدولة الألمانية محرجة بالمعنى الايجابي فدخلت المرأة من خلال الكوتا المرأة الى المجلس النيابي واعتقد ان تجربة المستشارة الألمانية انجيلا مريكل في ألمانيا بصرف النظر عن تقييمنا او توصيفنا السياسي، اعتبر ان تجربتها بحق دولتها كانت ناجحة”.

سوريا والوجود السوري في لبنان

ومن ازمة الدولة والهوية في لبنان الى سوريا التي كانت الهدف الأول لما يسمّى الربيع العربي عبر “خارطة طريق مموهة ومضللة للوصول الى الداخل السوري وكسر سوريا، وعندما تنكسر سوريا ينكسر العالم العربي وتضيع هويتنا وربما هذا المطلوب”.

 

 

 

“في الموضوع السوري، لا اريد ان اقول لجوء ولا نزوح ولا اريد ان اتكلم بالحس الانساني او الوجداني والى ما هنالك لاننا نعيش حالة انفصام في لبنان، اذ اننا عندما كنا نحذّر من العدد الهائل لإخوتنا السوريين في لبنان اتهموننا بانعدام الحس الانساني لدينا، بينما نراهم الآن يتصدرون المشهد ويتناولون ازمة النزوح السوري”.

معادلة واضحة تفرضها يمّين. “اي سوري وصل من مناطق ملتهبة مجاورة للبنان من حقه علينا ان نستقبله لانه له علينا، فسوريا لها على كل العرب حينما احتضنت كل العرب. في المقابل اي نازح سوري اتى من مناطق لم يصل اليها العدوان ولا عاشت الأزمة، هنا يطرح الف علامة استفهام. اي نازح سوري وصل من مناطق تستوجب ان يمر بخطوط نار لكي يصل على لبنان، ايضا هنا من حقنا ومن حق سوريا ان تتساءل عن هذا الموضوع”.  ولا بد من التطرق الى مسؤولية الدولة في حلّ اشكالية الوجود السوري. “هذا الموضوع يحلّ بكل بساطة عندما تتشاور الدولة اللبنانية مع الدولة السورية. نحن مجبرون ببعضنا سواء اتفقنا ام اختلفنا، اذ اننا عندما نتكلم بمنطق الدولة لا ننطلق من منطق الأطراف بل علينا ان نتحاور من دولة الى اخرى ولا تربطنا اي علاقة بدولة على حدودنا الا الدولة السورية وانا اعتقد ان سوريا لم تقصّر يوما لا وزاريا ولا مؤسساتيا ولا امنيا، لأنه لو كان هناك تنسيق في الموضوع الامني اللبناني السوري لكنا ايضا وفّرنا على جيشنا وعلى مقاومتنا وعلى شعبنا الكثير وهنا احيي جيشنا المتشر على حدودنا اكان بقاعا ام ما يعانيه اليوم بأحداث مخيم عين الحلوة”.

والى فلسطين البوصلة والقضية يحطّ فكر يمّين. بالنسبة اليها، ” لما كان من ازمة ولا اي شكل من اشكال الأزمة لولا تنبّه العرب الى القضية الأم واعني بذلك القضية الفلسطينية. لو امنّا حق العودة لأهلنا الفلسطينيين لما كنا نتكلم اليوم لا بأزمة مصرية ولا ليبية ولا سورية ولا يمنية ولا بحرينية ولا ازمة هوية عربية، ولكن بعنا القضية بالجملة والمفرّق. اذا تطرقنا بالموضوع الفلسطيني نتهم اننا نتكلم بلغة عتيقة اي ان عدوّنا تمكّن منّا لأن كل هدفه هو ان ينسينا القضية الفلسطينية، ولكن نحن ابناء فكر المقاومة من سليمان فرنجية الجد الى الامام موسيى الصدر لا، لم ولن ننسى القضية الفلسطينية، هي بوصلتنا عنها ندافع ليس حبا بها فقط وهذا امر طبيعي، ولكن من حبنا بأرضنا. كيف يمكن ان نخلّص ارضنا ووطننا وان نحرره من كل الازمات الاقتصادية والامنية والازمات التي تستولد ازمات اذا لم نعيد الحق لأصحابه، وكنا نؤمن انها القضية الام”.

” لو كل هذا الرصاص الذي اطلق من هنا وهناك في هذا الربيع الملوّث، لو اطلق ١٠٪ منه باتجاه الاراضي المحتلة لحررنا ارضنا وفلسطين ولأعدناها لأهلها. فلسطين ليست لأهلها فقط، بل فلسطين لكل من يتنشق عروبة ويخاف على هويته. هناك الكثير من يهوذا لكننا في زمن الصوم الكبير، والاحد المقبل عيد القيامة فعلينا جميعا ان ننهي جلجلتنا، ان ندحرج الحجر ونعلن القيامة لكي ننتصر لأرضنا ارض الديانات السماوية”.