Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر October 23, 2017
A A A
فورد لـ”النهار”: الأسد يتفوّق في الحرب
الكاتب: هشام ملحم - النهار

يمكن اعتبار تحرير مدينة الرقة السورية من أسر “الدولة الاسلامية” (داعش)، بعد ثلاثة أشهر من تحرير مدينة الموصل العراقية، بمثابة هزيمة فعلية لـ”الخلافة” المنبثقة من التنظيم الجهادي بمعنى الكيان الذي كان يستخدم قوات عسكرية منظمة ويدير مناطق ومدناً كبيرة في البلدين.

لكن هذا الانجاز لا يعني هزيمة “الدولة الاسلامية” بصفتها تنظيماً ارهابياً له عالمه تحت – الارضي في مسرح واسع يمتد من اليمن حتى المغرب العربي، كان ولا يزال قادراً على تنظيم هجمات ارهابية وتنفيذها، أو يوحي بها الى أفراد غير منتظمين في صفوفه، في الشرق الاوسط وأوروبا.

ردود الفعل الاولية الاميركية، وتلك الصادرة عن حلفاء الولايات المتحدة على الارض والمنضوين تحت لواء “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) التي تشكل “وحدات حماية الشعب” الكردية المرتبطة بـ”حزب العمال الكردستاني” (الذي تصنفه تركيا واميركا تنظيماً ارهابياً) والقوة الضاربة فيها التي حررت الرقة، تظهر أن هؤلاء يعتبرون أنفسهم منتصرين في معركة مضنية وطويلة. وهذا صحيح بالمعنى الضيق.

لكن ردود الاطراف الآخرين الفاعلين على الارض في شرق سوريا، أي قوات الجيش السوري وحلفاؤه في الميليشيات الشيعية التي تديرها ايران، الى الجيش الروسي، توحي بأن هناك احتمالاً كبيراً أن ينجح الائتلاف الثلاثي: السوري – الايراني – الروسي في المستقبل المنظور في استعادة السيطرة على الرقة ودير الزور بما في ذلك حقول النفط، إما بالقوة وإما بالتفاهم بين النظام في دمشق و”وحدات حماية الشعب” الكردية، التي تدرك انها لا تستطيع البقاء في الرقة، وإنما يمكنها استخدام تحريرها للمدينة ورقة تعزز موقعها التفاوضي.

وفي الرقة كما في كركوك، لا تزال ايران مرشحة لأن تكون الطرف المنتصر بعد انسحاب القوات الخاصة الاميركية، وعودة “وحدات حماية الشعب” الكردية الى مناطقها.

المشاهد الاولية للرقة مروعة، كما المشاهد الذي اكتشفها العالم بعد تحرير الموصل : أرض يباب تمتد الى الافق البعيد، وأهرام متفاوتة الحجم من الركام والاطلال، لا عشب ولا ماء ولا انسان فيها. يمكن ان نقول ان مشاهد مماثلة دفعت المؤرخ الروماني تاسيتوس (توفي سنة 120 ميلادية) لاطلاق جملته الشهيرة: خلقوا صحراء وسمّوها سلاماَ.

“لا خيارات جيدة” في العراق
تدمير “الخلافة” في “عاصمتها” الرقة، تزامن مع استعادة الحكومة العراقية سيطرتها على مدينة كركوك في عملية عسكرية للجيش العراقي، كانت رأس الحربة فيها الميليشيات الشيعية التي تسيطر عليها ايران والمعروفة بـ”الحشد الشعبي”.

وجاء “سقوط” كركوك في ايدي القوى المهاجمة في سياق تسوية توصل اليها رئيس “فيلق القدس” الايراني الجنرال قاسم سليماني مع بافل طالباني نجل الرئيس الراحل جلال طالباني خلال لقاء سبق العملية، ولا تزال التهكنات تدور حول طبيعة التسوية التي دفعت قوات البشمركة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني الى الانسحاب من المدينة من دون قتال، وان تحدثت التقارير والتكهنات عن صفقة شملت مزيجاً من المكافآت والتهديدات.

هذا التطور صعق الكرد، وأدى الى تشفي اعدائهم بهم، وصدم من تبقى من اصدقائهم الذين لم يتخلوا عنهم بعد قرار اجراء الاستفتاء، الذي يرى حتى اصدقاء الكرد انه اتخذ اعتباطاً، وقبل تمتين الوحدة الوطنية، وحسم الخلاف على شرعية سلطة الرئيس مسعود البارزاني من خلال اجراء انتخابات نيابية جديدة. ويقول السفير الاميركي السابق روبرت فورد الذي عمل في سوريا والعراق: “لقد جازف مسعود البارزاني عندما أصر على الاستفتاء من غير ان يتوقع طبيعة ومدى الضغوط والتهديدات التي سيتعرض لها من ايران وتركيا والحكومة العراقية”. ويضيف في حوار مع “النهار”، ان “أوراق البارزاني ضعيفة، ولم يلعبها بالحكمة المتوقعة منه”.

ويرى فورد انه “لم يعد للولايات المتحدة خيارات جيدة في العراق” نظراً الى النفوذ الايراني المتجذر في البلاد، والذي يقيد قدرة رئيس الوزراء حيدر العبادي على “التصرف وطنياً عراقياً، كما يرغب في رأيي، لانه يتعرض لضغوط ضخمة من ايران عبر وحدات الحشد الشعبي الشيعية”. ويلاحظ أن “الاتجاه الذي يسير فيه السياسيون الشيعة في العراق، سلبي جداً” .

الاسد يتفوق وان لم ينتصر بعد
ويشير فورد الى ان الهاجس الاميركي لهزيمة “الخلافة” الاسلامية دفع واشنطن (خلال ولايتي أوباما وترامب) الى “مساعدة أي طرف يمكن ان يساعدنا في محاربة الدولة الاسلامية وتنظيم القاعدة، وهكذا قدمنا المساعدات العسكرية لهذا الفريق وذاك من دون أي تفكير عميق في ما سيحصل في المستقبل”. ويستشهد في هذا السياق بالعرض الاستفزازي في ساحة النعيم وسط مدينة الرقة الذي أجرته عناصر نسائية تابعة لـ”حزب العمال الكردستاني”، أمام صورة ضخمة لقائد الحزب عبدالله اوج آلان. ويقول: “نحن نراقب الانهيار التدريجي لعلاقاتنا بتركيا، لان دعمنا لوحدات حماية الشعب، وهي النسخة السورية لحزب العمال الكردستاني، جاء على حساب علاقتنا بتركيا”.

ويرجح فورد بروز تناقضات داخلية في “قسد”، واحتمال توصّل “قوات حماية الشعب” الى تفاهم مع نظام الاسد، على مستقبل دير الزور، لكنه يتوقع ان ينجح الاسد لاحقاً في استعادة السيطرة على آبار النفط في دير الزور والحسكة بعد هزيمة “داعش”، وان تساعد روسيا على تحقيق هذا الهدف. و”في نهاية المطاف سيأكل الأسد قوات حماية الشعب الكردية بدعم من روسيا وايران، واذا بقي الاميركيون في شرق سوريا، وهذا في رأيي خطأ كبير، فان الاسد سوف ينتظر بعض الشيء، قبل ان ينقض عليهم”. ويخلص الى ان “الاسد سيسيطر على معظم الاراضي السورية التي خسرها النظام، لكن ذلك لا يعني انه انتصر بشكل حاسم”. ويشدد على انه كانت ثمة أكثر من فرصة لاميركا خلال الحرب في سوريا للتأثير بشكل أكثر فاعلية على ما يجري على الارض، و”لكن بعد ست سنوات من بدء النزاع ، علينا ان نعترف بأنه لم يعد للولايات المتحدة أي نفوذ جدي في سوريا”.
*

منظر عام للدمار في مدينة الرقة السورية السبت. (أ ف ب)