Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر February 11, 2018
A A A
فرع الضمان الصحي ومشاكله
الكاتب: مروان اسكندر - النهار

منذ بضعة أيام أظهر تقرير عن طوابير المنتظرين لتحصيل نسبة من تكاليفهم العلاجية تستحق للمضمونين في فرع المرض والامومة والضمان الصحي، والبعض كانوا ينتظرون ساعات لتحصيل مستحقات قد تكون على مستوى 100 الف ليرة أو الف دولار، وهؤلاء المضمونون المتعلقون بالصبر اصبحوا مهددين بعدم توافر المدفوعات لان الموارد غير كافية.

معلوم ان الاشتراكات تجبى من المضمونين العاملين في مختلف النشاطات المسجلين في سجلات المستفيدين مع افراد عائلاتهم من عطاءات فرع المرض والامومة، واضافة الى اشتراكات ارباب العمل والعمال فرض القانون اسهامًا في توسيع حلقة الضمان الاجتماعي الصحي على الحكومة. وهذا الاسهام لم يتحقق بعد منذ سنوات والاستحقاقات على الحكومة بمليارات الليرات اللبنانية.

المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي اختصاصي بالمعلوماتية وهندسة برامجها، وقد صرح بوضوح في مقابلة تلفزيونية اعقبت تصريحات لمضمونين في قاعات الانتظار بان فرع المرضى والامومة سيصبح عاجزًا عن تسديد موجباته ما لم تبادر الحكومة الى تسديد تقديماتها المستحقة له (نسبة 25%). ومعلوم ان عدد المشمولين بهذا الفرع هو الاكبر بين جميع فئات المضمونين لان شمولية البرنامج تغطي المضمون وعائلته اي الزوجة والاولاد، وفي حالات معينة الاهل العاجزين عن كفاية حاجاتهم.

تنبيه المدير العام للضمان الاجتماعي الى خطورة الوضع يعبر عن شجاعة معنوية، لكنه يعلم ان موازنة فرع الضمان الصحي تعاني عجزاً يتفاقم منذ سنوات، وان نسبة كبيرة من المدفوعات تقتطع من أموال فرع نهاية الخدمة – الذي قد يعاني بدوره عجزاً في وقت قريب اذا لم تنجز دراسة اكتوارية مستفيضة عن أوضاع هذا الفرع. والحقيقة ان هذا الاقتطاع الذي كان ولا يزال يسمى موقتاً، مخالف لنصوص قانون انشاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

عام 2005 قرر رئيس الوزراء فؤاد السنيورة تأليف لجنة لصياغة دراسة وتقديم تقرير عن الاصلاحات المطلوبة لنظام الضمان الاجتماعي في فروعه المختلفة، وشملت اللجنة كاتب المقال، والاكتواري المميز انطوان واكيم صاحب الخبرة الطويلة في شؤون الضمان وان يكن في القطاع الخاص، والدكتور كمال حمدان الاقتصادي المعني الى حد بعيد بمواضيع ارتفاع تكاليف المعيشة والحقوق العمالية، واستفادت المجموعة من خبرة مهندس خريج الجامعة الاميركية الاستاذ عادل عليق الذي حاز خبرة في ادارة المستشفيات وكان مستشارًا لوزير العمل والشؤون الاجتماعية في حينه السيد طراد حماده.

انجزت اللجنة المكلفة دراسة الموضوع ووضعت تقريرًا مستفيضًا يبين ضرورة تعديل قانون انشاء الصندوق الوطني، وضرورة التفكير في مشروع لضمان الشيخوخة وتعديل نظام التصويت على القرارات التي تتخذ في مجلس الادارة، وكان قانون انشاء الصندوق ينص على ان مخالفة عضوين من اعضاء المجلس يوقف اتخاذ قرار بتنفيذ اي عمل او مشروع تطويري الخ… ولا يزال الوضع كذلك.

قبل نهاية عام 2005 اصبح اعضاء اللجنة – باستثناء الدكتور كمال حمدان –أعضاء في مجلس ادارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وأضيف اليهم خبير في التكنولوجيا الحديثة وبرامج المعلوماتية الاستاذ اكرم نجار.

خلال الجلسة الأولى لمجلس الادارة طالبت بان نقر اعتماد برنامج لتطبيق برامج معلوماتية لجميع فروع الصندوق وكان هنالك تأييد شبه اجماعي لتكليف المدير العام ورئيس الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور طوبيا زخيا التمهيد لتنفيذ برنامج معلوماتي متكامل. والدكتور زخيا ينتسب الى عائلة عمشيتية معروفة وكان رئيسًا لنظام الضمان الاجتماعي في منطقة الايل دو فرانس التي تشمل باريس وضواحيها وعدد المضمونين في نطاقها يبلغ 10 ملايين. وهو، اضافة الى اختصاصه في المشاكل الصحية المتصلة بنبض القلب، مطلع عل برامج المعلوماتية والمعلومات المطلوبة لتفعيل برامج تؤمن المنفعة وتحد من الهدر سواء في تكاليف المستشفيات أو شراء الادوية.

انقضت ستة أشهر على مطالبتي بالبرامج دون اي تقدم، فعاودت التشديد على ضرورة انجاز هذا البرامج وعلى اعتماد بطاقة صحية تؤمن في ذاكرتها الالكترونية كل المعلومات الصحية المتعلقة بحامل البطاقة، سواء الادوية التي يتناولها، أو العمليات الجراحية التي أجريت له، أو الامراض المستعصية التي عاناها الخ.

بادر المجتمعون الى القول بان الجهود منصبة على التعاقد مع خمس شركات لتنفيذ البرامج المطلوبة بالنسبة الى جميع الفروع، وموظفي الضمان، والاطباء المتعاقدين الخ.

مع بداية الاشهر الستة التالية تساءلت عن التقدم المتحقق، وكان البنك الدولي قد عرض تقديم منحة مقدارها مليونا دولار لانجاز البرامج، وعارض قبول المنحة ممثلو العمال فهم اعتبروا ان سلطات البنك الدولي تسعى الى معرفة خصائص الكتلة العمالية في لبنان، وهذا توجه استخباري.

على سخافة ادعاء ممثلي العمال ثابرت على طلب انجاز التعاقد مع الشركات الخمس وحينذاك ابلغت ان الصندوق يحتاج الى تعيين خمسة اختصاصيين في المعلوماتية، ليتفاعلوا مع الشركات المكلفة وضع البرامج، وقد تساءلت لماذا لم يتم تعيين اصحاب هذا الاختصاص، فكان الجواب ان على مجلس الخدمة المدنية ان يجري تقويماً للكفايات، وهذه عملية تستغرق وقتًا، كما ان التعيين يجب ان يأخذ في الاعتبار التوازن المذهبي بين المرشحين.

حيث اني أضيق بالتدين اللامنطقي، استقلت من عضوية مجلس ادارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ولا بد من القول بعد 15 سنة من الاستقالة ان المشاكل لا تزال عالقة وان المعالجات الموقتة تؤخر انجاز حسابات حقوق المضمونين وان نفقات الضمان الصحي تتجاوز التكاليف الحقيقية لاسباب متعددة أهمها استعمال غلافات الدواء أكثر من مرة للحصول على تعويض عنها، فغالبًا لا تتلف العلب التي تقدم، وتضخّم بعض فواتير عدد من المستشفيات، وهي الممارسة التي تراجعت وانحسرت نتيجة جهود نقيب اصحاب المستشفيات، وان يكن يعتبر ان استمرارية فرع المرض والامومة باتت غير مؤكدة. كما طالب منذ زمن باقرار برامج الكترونية تربط الصندوق بالمستشفيات للتأكد من صحة بنود الكلفة والاسهام في التعجيل في التعويضات للمستشفيات والمستحق منها مليارات الليرات.

المبادرة الاولى لتحقيق الامان الاجتماعي التي ارادها الرئيس شهاب عام 1964 باصدار قانون انشاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تبعثرت نتائجها وتحولت من قاعدة لتأمين العناية الصحية الى مؤسسة تغطي في الضمان الصحي 1.4 مليون لبناني، أي مبدئيًا 37 في المئة من سكان لبنان، دون انتظام ودون برامج متكاملة للمعلوماتية وافلاس مرتقب في وقت غير بعيد.