Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر March 14, 2024
A A A
«فتنة» المساعدات الأميركية: الاقتتال… على الفتات
الكاتب: يوسف فارس - الأخبار

تدرك الدول التي تلقي المساعدات من الجوّ، أن ما تقوم به ليس سوى خطوة تغسل بها عجزها، وأن كل تكلفة الوقود الذي استهلكته طائرات الشحن العملاقة من طراز «سي 130»، على مدار الأسبوعين الماضيين، قد تكفي لإغراق الـ 500 ألف إنسان المحاصرين في شمال وادي غزة، بالطحين والمؤن التي تسدّ حاجتهم لأسابيع.المشهد يمكن اختصاره بالآتي: تحوم في سماء محافظة شمال قطاع غزة طائرة من تلك، تفتح مقصورتها، وتلقي من 4 إلى ثماني مظلات في كل مرة. تعرف تلك الشحنات طريقها إلى المنطقة الغربية من شمال القطاع. هناك، يجد الآلاف من الأهالي الذين تقطعت بهم سبل البحث عن الرزق، أن انتظار ما يُلقى من السماء أقل مخاطرة من مبيت الليالي الطوال على مفترقي النابلسي والكويت، في انتظار شاحنات الطحين، التي لا تدخل واحدة منها إلا وقد غسلت بدماء المئات من الشبان. تهبط مظلة واحدة أو أربع مظلات في المنطقة، فتبدأ الحرب. الآلاف من الشبان والرجال والأطفال، يتنازعون على شحنة لا يتجاوز عدد الطرود الغذائية فيها الـ 50 طرداً. خمسون طرداً وخمسة آلاف يد، الجميع جائع، الجميع خرج من بيته في صباح اليوم الباكر، آملاً أن يعود إلى عائلته ظافراً بأي شيء يمكن أن يصلح فطوراً أو سحوراً. وأمام صراع البقاء هذا، سيكون من المنطق أن يقتتل الأهل، وتتشكل عصابات قبلية تحدّد لها مناطق نفوذ، تمنع الآخرين من الخروج منها محمّلين بأيّ كيلو طحين أو معلبات.

مشكلة هذه الطريقة، تتجاوز ما تنتجه من شكل مهين، إلى إثارة الخلافات والإشكاليات العائلية، حيث يعتبر الجميع – والجميع محقّ -، بأن كل ما يلقى من السماء هو حقٌّ له، في ظل تكاثر الأولاد الجائعين، وشحّ البضائع في الأسواق.
خلال الأيام الماضية، اندلعت العشرات من الإشكاليات: شبّان اعتدوا على آخرين بالسلاح الأبيض، واقتتل آخرون بالأيادي والحجارة. وبناءً عليه، نشطت الجاهات العائلية لإصلاح ذات البين، ولتطويق الصدامات ومنعها من التوسع. وفي السياق، يقول مصدر في «لجنة الطوارئ» في مخيم جباليا، إنه «منذ أن بدأت الطائرات العربية والأميركية بإلقاء المساعدات من الجو، تزايدت الإشكاليات العائلية على نحو كبير». وأضاف الرجل، في حديثه إلى «الأخبار»: «سجّلنا إصابة أكثر من 200 نازح في المنطقة التي نسكنها في محافظة شمال غزة، نتيجة الاقتتال بالأيدي، أو بالسلاح الأبيض (..) الكل يريد أن يحصل على القليل، وما يلقى أقل من أعداد المئات الذين ينتظرون، الجميع جائع، هذه الطريقة خبيثة، ويراد منها الوصول إلى هذه المرحلة الخطيرة من الاقتتال الأهلي».
أما الجزء الطريف في المشهد، فيتصل بنوعية ما يلقى من الجو: مثلاً، تلقي الطائرات الأميركية ظروفاً تحتوي على عدة أصناف من الأغذية، مرفقة بعدد أكبر من مادة النايلون المغلفة بها. واحد من تلك الأكياس، لا يقتنع من يظفر بواحدٍ منها بأنه يمكن أن يشبع طفلاً من أطفاله، فيعرضه للبيع في السوق. ساقني الفضول إلى معرفة سبب الكره الشديد لها، فاشتريت واحداً منها، ووجدت أنه يحتوي على قليل من اللحم المصنع، و100 غرام من المعكرونة عديمة الطعم، والقليل من المربى، والقليل من البسكويت. ستقضي وقتاً طويلاً وأنت تحاول فتح مغلف بعد آخر، ستذوق ما أرسله الأميركيون، وما تشير الكتابات إلى أنه مخصص لأكل الجنود. هكذا، ستعي بعدما تفرغ ممّا أكلت، لماذا هُزم الجيش الأميركي في حروبه كلها.