Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر September 15, 2019
A A A
غور الاردن ووعود نتنياهو الانتخابية المتهورة
الكاتب: العالم

أعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في العاشر من سبتمبر/ أيلول الجاري، عزمه على ضم غور الأردن وشمال البحر الميت، إذا فاز في الانتخابات العامة المقرّرة يوم الثلاثاء المقبل، مطالبا ناخبيه بمنحه تفويضا يمكّنه من فرض السيادة الإسرائيلية هناك.

ويبدو أن ما كانت وعودا انتخابية لجذب الناخب الإسرائيلي لم تعد مجرد أحلام انتخابية، بل بات أفق تحقيقها سهل المنال مع سياسات الإدارة الأميركية الحالية تجاه ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لتضيع الحدود الفاصلة بين الدعاية والنوايا السياسية الحقيقية.

ذهب نتنياهو إلى أن “صفقة القرن” توفر فرصة تاريخية لم تتوفر لإسرائيل منذ حرب 1967، وقد لا تتوفر خلال خمسين عاما مقبلة، وتباهى أنه، بفضل علاقته الشخصية مع الرئيس دونالد ترامب، سوف يتمكن من ضم جميع المستوطنات في قلب “الوطن”. ولكن دعوات السيطرة على أراضي الفلسطينيين ليست جديدة في الساحة السياسية الإسرائيلية، حتى بالنسبة لنتنياهو نفسه، فقد أعلن قبل يومين من انتخابات إبريل/ نيسان الماضي، والتي انتهت بفشله في تشكيل الحكومة، عزمه على ضم جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ولم يذكر تفاصيل ولا جدولا زمنيا، ولم يتخذ أي إجراء.

مساحة غور الأردن 2400 كيلومتر، أي حوالي 30% من مساحة الضفة الغربية. يسكنه، وفق إحصاءات العام 2016، نحو 65 ألف فلسطيني و11 ألف مستوطن. وطالما أعلنت إسرائيل رغبتها في الحفاظ على سيطرتها العسكرية هناك، في ظل أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين، باعتبارها، كما يرى نتنياهو، رصيدا استراتيجيا أساسيا، وحاجزا أمنيا طبيعيا لا يمكن التفريط فيه. وللمنطقة أيضا إمكانات هائلة للمشاريع الزراعية والطاقة، من بين استخدامات أخرى، ويجذب البحر الميت السياح، ويتم فيها استخراج الملح والمعادن، وهي سلة الخبز المستقبلية للفلسطينيين، حال قيام دولتهم. حوالي 90% من غور (وادي) الأردن، والمنطقة المحيطة بشمال البحر الميت، حددت في اتفاقيات السلام الفلسطينية الإسرائيلية جزءا مما يعرف بالمنطقة ج، ما يعني أنها تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية الكاملة. ويدعي نتنياهو أنه يريد أن يمنح إسرائيل “حدودا آمنة ودائمة” إلى الشرق، لأول مرة في تاريخها، مستغلا استعداد إدارة ترامب للاعتراف بضم جزئي على الأقل للضفة الغربية، كما أكد السفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، في يونيو/ حزيران الماضي.

يمضي نتنياهو في حملته الانتخابية في طريق وعر، حاملا حجرا ثقيلا من تهم بالفساد. ويبدو أن إعلان الضم قد يساعده في تدعيم أوراق اعتماده لدى اليمين الإسرائيلي الذي باتت لديه خيارات أخرى غير حزب الليكود. سخر منافسوه السياسيون من بيانه حول الضم، فوصفه وزير الدفاع السابق، أفيغدور ليبرمان، مغردا عبر “تويتر”، بأنه إعلان “دراماتيكي”. ووصفته وزيرة العدل السابقة، أيليت شاكيد، بـ “المناورة السياسية الرخيصة”. أما المرشح الجنرال بيني غانتس فاتهم نتنياهو بإلحاق الضرر بالعلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، والتي وصفها بالعميقة والحيوية، والمستندة إلى المصالح المشتركة، لا إلى صفقات انتخابية، وتلبية حاجات على المدى القصير.

ولم تضع صحيفة يديعوت أحرنوت المسألة في إطار الصفقات الانتخابية، بل كشفت أن نية نتنياهو كانت إعلان فرض السيادة الإسرائيلية رسميا على الأغوار وشمالي البحر الميت، لكنه تراجع عن ذلك، بعد أن علم من المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، أن الدستور لا يمنح حكومة تصريف الأعمال في إسرائيل الحق في اتخاذ قرار من هذا النوع، وقبل أسبوع من الانتخابات العامة، وبعد أن واجه فتور الإدارة الأميركية حيال الفكرة، والتي أطلعها مسبقا على مضمون خطابه، ليسارع البيت الأبيض إلى تأكيد أنه “لم يحدث أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة في هذا الوقت”. لذلك، اكتفى نتنياهو بتعهدات انتخابية، متمسكا بالتنسيق مع الإدارة الأميركية بشأن هذه الخطوة، وتأجيل إجراءات الضم، منتظرا خطة السلام التي اقترحها الرئيس دونالد ترامب، المقرر صدورها بعد أيام من الانتخابات الإسرائيلية، احتراما للرئيس ترامب، كما زعم.

رحب المستوطنون والجماعات المؤيدة للاستيطان بفكرة الضم، ولكنهم شككوا بجدية نتنياهو. وفي كل حال، أعاد إعلان نتنياهو العلاقة مع الفلسطينيين إلى مركز الصدارة في الحملة

الانتخابية، بعد أن تراجعت القضية إلى حد كبير عن السياسة الانتخابية الإسرائيلية، بسبب ندرة فرص السلام، في نظر ناخبين إسرائيليين كثيرين، ولكن بطريقة تضع حقوق الفلسطينيين كبش فداء على مذبح المعركة الانتخابية الإسرائيلية. ورأت أوساط سياسية وأكاديمية إسرائيلية في الشروع بإجراءات الضم إعادة تشكيل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتقويضا لحل الدولتين، ونسفا لأسس العملية السلمية التي قامت عليه. وسيكون ذلك، مع انسداد الأفق أمام الفلسطينيين، في نهاية المطاف، كارثيا على إسرائيل، إذ قد تجد السلطة الفلسطينية ذريعة كافية لوقف التنسيق الأمني الفعلي معها، أو تنهار تحت ضغط فوضى عارمة في الضفة الغربية تمتد إلى غزة، تضطر معها إسرائيل إلى إرسال قواتها إلى الأراضي التي كانت تسيطر عليها تلك السلطة بموجب اتفاقات أوسلو.

وحتى لو اعترف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، أو أجزاء منها، فإنه سيكون غالبا اعترافا قصير الأجل، فاحتمالات كبيرة في أن يسحب رئيس ديمقراطي قادم خلفا لترامب ذلك الاعتراف. من جهة أخرى، أظهرت نتائج استطلاعات نيات التصويت في إسرائيل تراجع نتنياهو، في ظل منافسة شديدة من أفيغدور ليبرمان، رئيس تكتل “إسرائيل بيتنا”، ومن رئيس هيئة الأركان السابق بيني غانتس، وتحالفه الوسطي “أزرق أبيض”. وقد يجد ناخبون إسرائيليون أن إطلاق الصواريخ من غزة، وسماع دوي صفارات الإنذار في أسدود، حيث كان نتنياهو يمضي في خطابه، إشارة مبكرة إلى استياء الفلسطينيين، ونذير فوضى قادمة، ودليلا على خطوات نتنياهو المتهورة، حتى لو كانت مجرد وعود انتخابية.