Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر April 30, 2025
A A A
غزة تختنق: مساعدات لا تصل وأبواب لا تُفتح
الكاتب: المحامي عمر زين - اللواء

تعكس قضية تعفّن المساعدات وتكدّسها في المخازن دون أن تصل إلى سكان قطاع غزة أزمة إنسانية عميقة تتفاقم يوماً بعد يوم، وتؤثر بشكل مباشر على حياة المدنيين المحاصرين في ظل الحصار المفروض والقيود الصارمة التي تعيق دخول الإمدادات الأساسية. هذه الظاهرة ليست مجرد خلل إداري أو لوجستي، بل تعبير صارخ عن فشل جماعي في التعامل مع أزمة إنسانية تمسّ كرامة الإنسان وحقه في البقاء.
إن استمرار تكدّس المساعدات وتعفّنها لا يؤدي فقط إلى إهدار موارد كانت قادرة على تخفيف المعاناة، بل يفاقم من الواقع المعيشي الصعب الذي يرزح تحته سكان غزة، خصوصاً في ظل النقص الحاد في الغذاء والماء والدواء. فهذه المساعدات، التي يفترض أن تكون شريان حياة للمدنيين، أصبحت رمزاً للتقاعس الدولي وللعجز عن تخطّي العقبات السياسية التي تحول دون وصولها إلى مستحقيها.

وتزداد خطورة الوضع عندما نُدرك أن تعفّن المساعدات، خاصة الغذائية والطبية منها، لا يقتصر أثره على الفقدان المادي فحسب، بل يشكّل تهديداً مباشراً للصحة العامة. ففي قطاع يعاني فيه النظام الصحي من انهيار شبه كامل ونقص فادح في المستلزمات الطبية، يصبح فقدان هذه الإمدادات الحيوية ضربة قاسية قد تؤدي إلى تفشي الأمراض وانتشار الأوبئة، ما يفاقم من معاناة السكان ويهدّد حياة الآلاف.
ومن جانب آخر، فإن استمرار هذا المشهد ينعكس سلباً على ثقة الفلسطينيين في المنظمات الدولية والهيئات الإنسانية، إذ يرسّخ لديهم شعوراً بالإهمال والتخلّي، ويعزز الإحساس بأن معاناتهم تُستخدم كورقة في الصراعات السياسية. هذا التآكل في الثقة لا يضعف فقط الروح المعنوية لدى السكان، بل يهدّد مستقبل التعاون الإنساني ويقوّض جهود الدعم والإغاثة على المدى الطويل.
وفي ضوء هذه الصورة القاتمة، تتكشف دلالات أعمق ترتبط بعجز المجتمع الدولي عن تجاوز العقبات السياسية والأمنية التي تعيق إيصال المساعدات. فهناك فشل واضح في خلق آليات إنسانية محايدة تتجاوز الصراعات وتضع حياة الإنسان فوق أي اعتبار سياسي. هذا الفشل يُظهر الحاجة الماسّة لإعادة النظر في طريقة إدارة الأزمات الإنسانية في مناطق النزاع، وفي مقدمتها غزة.
ولا يمكن كذلك إغفال الجانب القانوني والأخلاقي، إذ يشكّل منع المساعدات أو تأخيرها انتهاكاً صارخاً للحقوق الأساسية للإنسان، وعلى رأسها الحق في الغذاء والرعاية الصحية. هذا الإهمال في إيصال المساعدات لا يعكس فقط خللاً إدارياً، بل يُعد خرقاً للمعايير الدولية التي تفرض على الأطراف الفاعلة ضمان وصول الدعم الإنساني إلى من هم في أمسّ الحاجة إليه.
ويُضاف إلى ذلك أن تعثّر وصول المساعدات قد يكون نتيجة مشكلات تنظيمية داخلية وسوء تخطيط من قبل بعض الجهات المعنية بعمليات الإغاثة. وقد تتداخل في ذلك عدة عوامل، منها نقص التنسيق، وضعف التواصل بين المنظمات الإنسانية، أو حتى القيود المفروضة من الجهات المسيطرة على المعابر. هذه العوامل مجتمعة تُظهر غياب خطة شاملة وفعّالة لمواجهة الكوارث الإنسانية في الوقت المناسب.
وفي مواجهة هذا الواقع، يصبح من الضروري العمل على تعزيز التنسيق بين المنظمات الإنسانية والسلطات المحلية والدولية، من خلال إنشاء آليات واضحة وشفافة تضمن وصول المساعدات في الوقت المناسب وبطريقة عادلة. كما ينبغي الضغط السياسي والدبلوماسي على الأطراف التي تتحكم في المعابر، وخاصة إسرائيل، للسماح بتدفق المساعدات دون عراقيل.
كذلك، لا بد من تعزيز قدرة المساعدات الإنسانية على التكيّف مع الأزمات الطارئة، من خلال ضمان تخزينها بشكل يحفظ صلاحيتها، ووجود خطط بديلة تسهّل توزيعها عند الحاجة. ويترافق ذلك مع أهمية إشراك المجتمع المحلي في غزة في عمليات توزيع المساعدات، إذ يمكن لذلك أن يسهم في تجاوز العديد من العقبات، ويوفر حلولاً فعّالة تنبع من واقع الأزمة.
وفي نهاية المطاف، فإن استمرار تكدّس المساعدات وتعفّنها بعيداً عن متناول المحتاجين يشكّل صورة موجعة للفشل الدولي في حماية حقوق الإنسان في أوقات الأزمات. هذه المأساة الإنسانية تتطلب تحركاً عاجلاً وجادّاً يعيد الاعتبار للقيم الإنسانية، ويضع حدّاً لمعاناة المدنيين الذين يدفعون ثمن الصمت والتقاعس. فتح المعابر، وتفعيل التنسيق، والضغط السياسي، وإشراك المجتمعات المحلية ليست مجرد خطوات إصلاحية، بل واجب أخلاقي لا يقبل التأجيل.