Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر September 13, 2024
A A A
غزة تتحدّى بصمودها نتنياهو والضفة تكسر بجبروتها سموتريتش وبن غفير
الكاتب: د. مصطفى يوسف اللداوي

 

كتب د. مصطفى يوسف اللداوي في “اللواء”

العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وعلى شمال وجنوب الضفة الغربية، والمعتدي هو العدو نفسه، والمعتدى عليه هو الشعب الفلسطيني، والمتحالف معه هو الغرب نفسه والولايات المتحدة الأميركية، والغاية من العدوانين هنا وهناك، كسر إرادة الشعب الفلسطيني وتيئيسه، ودفعه للخضوع والاستسلام، والقبول بالذل والهوان، والرضى بالعيش تحت الاحتلال، والعمل تحت إدارته وإرادته خدماً له وحراساً على مصالحه، والتخلّي عن أحلامهم في الدولة والعودة والعلم والوطن، والاكتفاء بإداراتٍ محليةٍ، وهيئات حكمٍ عائليةٍ، لا طموح لها ولا غايةً عندها.
ولإن كانت هزيمة المقاومة في قطاع غزة، وتفكيك صفوفها وسحب سلاحها وتدمير أنفاقها، وطرد قادتها وترحيل أهلها، واستعادة الأسرى الإسرائيليين واستنقاذهم بالقوة، مجاناً دون مقابل، هو حلم نتنياهو المستحيل وغايته الصعبة، التي عمل عليها منذ عام تقريبا دون جدوى، ولم يحقق خلالها شيئاً من أهدافه، ولم ينجز شيئاً من وعوده، بل على العكس مما أراد، فقد ساخت أقدام جيشه في رمال غزة، وغرق وحكومته في أوحالها، ولم يستطع أن يخرج منها أو ينهي مهامه فيها، رغم حجم الدمار الذي سببه، وعشرات آلاف الشهداء والجرحى الذين سقطوا نتيجة حمم صواريخه ونيران دباباته.

فإن تهويد القدس والضفة الغربية، وتوسيع المستوطنات وزيادة عددها، وتشريع بؤرها وتشجيع المستوطنين على بناء جديدها، واستجلاب المزيد من السكان إليها، والتضييق على الفلسطينيين وحصارهم، وهدم بيوتهم وطردهم من بلداتهم، ومصادرة أرضهم وحرمانهم من ممتلكاتهم، وحرق سياراتهم وتخريب مرافقهم، وإتلاف محاصيلهم وتجريف أشجارهم، هو حلم الوزيرين المتطرفين الأهوجين الأحمقين بن غفير وسموتريتش، اللذين يعملان ليل نهار لبسط السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية، وإعلانها جزءاً من الدولة العبرية، والاحتفال بإعلان دولة «يهودا والسامرة»، واستعادة أمجاد اليهود الغابرين قبل ثلاثة آلاف عامٍ، بزعمهم أنها كانت لهم وكانوا هم أصحابها.
لكن الأول الحالم بتحقيق أهدافه ما زال عاجزاً أمام صمود أهل غزة وثبات مقاومتهم، الذين يصرّون رغم الجراح والآلام، والقتل والخراب والدمار على بقائهم، ويتحدّون ولو بدمائهم جبروته وعدوانه، ويرسلون له يومياً رسائل بالدم والنار، أننا ها هنا باقون، لن نترك أرضنا، ولن نتخلّى عن بلادنا، ولن نعيد نكبتنا، ولن نكرر نكستنا، وسنبقى نقبض على الجمر ولو حرق أيدينا، والتاريخ على مثل مقاومتنا شاهد، والميدان بعمليات وإنجازات مقاومتنا ينطق، والصورة تفضح والحقيقة تكشف، وعداد قتلاه لا يتوقف، وسجلات مستشفياته على جرحاه تشهد، ومصحاته لا تتوقف عن استقبال مرضى جنوده المصدومين المرعوبين.

تلك كانت غزة العزّة، التي أحسنت الرد وأبدعت في الصمود، فأعيت نتنياهو ومن معه من القادة والجنود، أما أهلنا في القدس والضفة الغربية، بكل مدنها وبلداتها ومخيماتها، شمالاً وجنوباً ووسطاً، حيث جبل النار نابلس، وخزان الرجال الخليل، ومدرسة المقاومة جنين، وعرائن المقاتلين وكتائبها في طوباس وطولكرم، وأحرار الثورة في سلفيت وبيت لحم، والجمر المتقد تحت الرماد في رام الله، والنار المقدسة في القدس، فلا أظن إلّا أنهم سيلطمون بن غفير وسموتريتش على وجهيهما، وسيرغمونهما على الاستيقاظ من غفوتهما وعدم الانجرار وراء أحلاهما، وعدم المغامرة بمخططاتهما، فالضفة الغربية ليست قطعة زبدٍ يقطعونها ليأكلوها بسكينٍ، ولا قطعة جبنٍ يقتسمونها على طاولةٍ كما يريدون، بل هي كتلةُ نارٍ تلتهب، وبركان ثورةٍ ينفجر، ومقاومةٌ تتقد، وسيعلم الأغران السفيهان أن حسابهما كان خاطئاً، وأن رهانهما كان فاشلاً.
كما سيعلم قادة العدو وجيشه، وحكومته ورئيسها، أنهم أخطأوا إذ قدموهما، وورّطوا كيانهم إذ جعلوهما جزءاً من حكومتهم، وطرفاً في ائتلافهم، فهذان الأهوجان وإن كان نتنياهو سيدهما وأسوأ منهما، قد أوردا كيانهم موارد الهلاك، وأدخلوا جيشهم في مواجهةٍ مع شعبٍ كان يتوق للثورة والانتفاضة، وكان يعمل لنصرة غزة ونجدتها، ولكنه الآن في مواجهةٍ سافرةٍ مع عدوٍ يستهدفهم، ويريد استئصالهم من أرضهم وطردهم من بلادهم، ويتطلع إلى السيطرة على ممتلكاتهم والاستيلاء على خيراتهم، وقد ظن أنه محصنٌ قويٌ، وأنه محميٌ قادر، وأنه بما فعل في غزة قد أرهبهم وأرعبهم، فلن يقوى أهلها على مواجهتهم ومقاومتهم، والتصدي لهم وقتالهم.
لكن أهلنا وكل شعبنا من عمق الجراح ومن قلب المحنة والابتلاء يقولون، هذه الأرض أرضنا، وهذه البلاد بلادنا، وما أصابنا لن يكسرنا، ولن يفت في عضدنا، ولن يقضي على مقاومتنا، ولن يجبرنا على التسليم والاستسلام، أو الخضوع والخنوع، وسيكون من بيننا من يفشل مشاريعهم، ويحبط خططهم، وسيدرك نتنياهو ولو بعد حين، أنه خسر إذ قامر، وخاب إذ راهن، فهذه الأرض المشبعة بدماء أهلها، والمسكونة بشهدائها، والمروية بدماء أهلها، لا يطأطئ رجالها رؤوسهم، ولا يحنون قاماتهم، ولا يخفتون أصواتهم، ولا تضعف إرادتهم أو تلين عريكتهم، وقسماً يقولون أن هذه الأرض لن تكون إلّا لهم، ولن يسكنها غيرهم.
سينتصر الفلسطينيون وإن طال الزمن، وستخرج غزة من تحت الركام وآثار الدمار مرفوعة الرأس عزيزة، وستردّ لها الضفة الغربية والقدس التحية، بمثلها أو أفضل منها قوية، ومعاً سيصدّون العدو وسيسقطون أعلامه، وسيبدّدون أحلامه، وسيفشلون مخططاته، وسيفككون كيانه، وسيقوّضون بنيانه، ومعاً سيقودون الأهوجين ورئيسهما إلى منبر الإعلان عن الهزيمة والخسارة، وإعلان الاعتزال والاستقالة، ولعن أنفسهما والندامة.