Beirut weather 24.41 ° C 8 Jun 2025 - 07:53:41
تاريخ النشر February 28, 2025
A A A
غدي طيون: سيبقى “المرده” صوت الموارنة الوسطي

كتب منسق المرده في فرنسا الدكتور غدي طيون عبر صفحته على “فيسبوك”:
على مرّ التاريخ، كان للموارنة في لبنان دورٌ أساسي في بناء الدولة وصياغة هويتها السياسية، ولكن للأسف، ما وصلنا إليه اليوم لم يكن نتيجة مؤامرات خارجية فقط، بل كان أيضًا نتيجة خياراتنا الخاطئة وسلوك بعض أحزابنا التي أدّت بنا إلى عزلة سياسية وأزمات متتالية. كيف وصلنا إلى هنا؟ وكيف أضعنا ما كنا نتمتع به من وزن وطني وحضور سياسي فاعل؟
في عام 1989، قرر حزبان مارونيان، القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، الانخراط في حرب داخلية بين بعضهما البعض، حرب لم يكن لها أي مبرر سوى نزاعات شخصية وصراع على النفوذ. حربٌ دفع ثمنها المسيحيون من دمائهم ومستقبلهم. في الوقت الذي كانت الدولة تنهار، والوجود المسيحي يتراجع، كنا منهمكين في قتال بعضنا البعض، لنصل في النهاية إلى نفي وإقصاء واحتلال ووصاية دامت 15 عامًا. فهل كان يستحق الأمر كل هذه الخسائر؟
وبعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، كان لدينا فرصة لإعادة توحيد الصف المسيحي وإعادة ترتيب أولوياتنا، ولكن ما الذي حصل؟
في عام 2015، وبعد سنوات من الصراعات والاتهامات المتبادلة، قررت القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر أن يتصالحا، ولكن على أي أساس؟ على أساس إلغاء الآخرين. زعما تمثيلهما للأغلبية المارونية، متناسين أن المجتمع الماروني لم يكن يومًا حكرًا على حزبين، بل هو متنوعٌ بفكره وتوجهاته. لقد أرادوا إقناع اللبنانيين أن خلاص المسيحيين يأتي من هذا الاتفاق، لكن ماذا كانت النتيجة؟
بدلًا من أن يكون هذا الاتفاق خطوة نحو توحيد القرار المسيحي، تحول إلى أداة لتصفية الحسابات مع الأحزاب الأخرى، وإلى فرصة لتقاسم السلطة لا أكثر. ومنذ ذلك الوقت، لم نشهد سوى مزيدٍ من التهميش للمسيحيين، وإضعافٍ لدورهم الوطني، وانقساماتٍ داخل البيئة المارونية نفسها.
لقد أُنهكت الطائفة المارونية نتيجة هذه السياسات العشوائية، وبدلًا من أن تكون الأحزاب الكبرى صوت المسيحيين، تحولت إلى عبءٍ عليهم. كل معركة خاضتها هذه الأحزاب كانت تنتهي بمزيدٍ من الخسائر لنا جميعًا:
• في الحكم، فشلوا في إدارة شؤون الدولة، وأثبتوا أنهم لا يجيدون سوى الشعارات.
• في السياسة، عزّزوا عزلة الموارنة بدلاً من انفتاحهم على باقي المكونات اللبنانية.
• في التمثيل، تحولت المعارك إلى صراعات شخصية أفرغت المناصب المسيحية من أي تأثير حقيقي.
واليوم، بعد كل هذه الكوارث، يخبروننا أنهم يريدون “طيّ الصفحة”، وكأن المطلوب من الموارنة أن ينسوا ما حصل دون أي مراجعة أو محاسبة.
نحن في تيار المردة لطالما رفضنا التطرف، ولطالما كنا دعاة الاعتدال والحوار، لكننا في الوقت نفسه لا ننسى التاريخ ولا نتجاهل الأخطاء. طيّ الصفحة لا يعني محو الماضي، بل التعلم منه. أما أن يُطلب منا اليوم أن نسير وراء نفس الأشخاص الذين أوصلونا إلى هذا الواقع دون أي نقدٍ أو مراجعة، فذلك يعني أننا سنعيد إنتاج الفشل نفسه.
لكن، في الوقت ذاته، نحن مستعدون لفتح صفحة جديدة، شرط أن تكون مبنية على المصارحة وتحمل المسؤولية، لا على طمس الحقائق والهروب إلى الأمام. لم يكن الخلاف يومًا مع أي حزب ماروني خلافًا شخصيًا، ولن يكون كذلك أبدًا، لأن ما دفعناه جميعًا كان ثمنًا جماعيًا لا فرديًا. الجميع خسر في هذه المعارك، والموارنة دفعوا أثمانًا باهظة، ومن هنا، لا بد من الاعتراف بأن لا أحد انتصر، بل الجميع خسر.
نحن في تيار المردة لم ولن نتعامل مع خلافاتنا على أنها مسألة شخصية. لم نحمل يومًا الأحقاد، ولن نحملها أبدًا، لكننا في الوقت نفسه لن نسمح بتكرار الأخطاء نفسها وكأن شيئًا لم يكن. المستقبل لا يُبنى على إنكار الماضي، بل على الاعتراف به وتصحيح المسار.
لذلك، ندعو كل ماروني، وكل مسيحي، وكل لبناني، إلى التفكير جيدًا قبل أن يمنح ثقته مجددًا لمن استغلّه لعقود. المستقبل لا يُبنى على أوهام، بل على وقائع وتجارب. نحن في تيار المرده سنبقى الصوت الماروني الوسطي، صوت الموارنة الذين لا يريدون أن يكونوا معزولين عن لبنان، ولا يريدون أن يكونوا أداةً لمشاريع شخصية.
نحن هنا وسنبقى هنا. تعلمنا من الماضي، وننظر إلى المستقبل بعقلانية، ولكننا لن ننسى من كان السبب في إيصالنا إلى هذا الحال، ولن نقبل بطيّ الصفحة من دون تصحيح المسار.