Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر February 9, 2018
A A A
عودة «الترويكا» إلى حكم لبنان
الكاتب: د. فوزي زيدان - اللواء

عاش لبنان في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي أياماً عصيبة بسبب فيديو مسرّب تناول فيه الوزير جبران باسيل رئيس مجلس النواب نبيه برّي بعبارات مشينة لا تليق بقيادي طامح للوصول إلى أعلى مركز سياسي في الدولة. وكادت ردة فعل أنصار برّي العنيفة، من نزولهم إلى الشارع وانتشارهم في مختلف المناطق اللبنانية وإقفالهم الطرق واستخدامهم الكلام المسيء والتعابير المقذعة في حق باسيل وحق رئيس الجمهورية ميشال عون وعائلته، وإطلاق الرصاص على المكتب الرئيس لـ«التيار الوطني الحر»، وما قابلها في شارع باسيل من غضب وتجييش للعواطف والغرائز، تزيد من ضراوة الأزمة السياسية الناتجة عن مرسوم الأقدمية لضباط دورة 1994، وتهدد الاستقرارالأمني والسٍلم الأهلي.

شهد لبنان في الماضي فلتاناً كلامياً من سياسيين أكثر بشاعة وحدة من كلام باسيل، ولم تصل الأمور إلى الشارع، بل بقيت محصورة في التراشق الإعلامي المحدود بين المتنازعين لم تصل إلى شدّ العصب الطائفي. وأذكر في هذه المناسبة ما تعرّض له الرئيس الشهيد رفيق الحريري من حلفاء الوصاية السورية من خطابات مهينة واتهامات بالخيانة، ونعت الوزير طلال أرسلان له بـ»بركيل قريطم». وكان الشهيد أكبر منهم بكثير إذ لم يردّ عليهم وتركهم يتمادون في افتراءاتهم لثقته الكبيرة في نفسه، كما طلب من أنصاره التزام الصمت والهدوء كأبلغ تعبير عن رقيّهم.

أتى هجوم باسيل على برّي مناسبة للأخير ليعبّر عن امتعاضه في ما يعتقده إهمالاً تجاهه من رئيسي الجمهورية والحكومة، وذلكبتركه العنان لشارعه ليثبت لهما رسوخ زعامته في طائفته وأنه رقم صعب في المعادلة اللبنانية. أراد برّي أيضاً تثبيت حق الطائفة الشيعية في التوقيع الثالث بصفتها طائفة رئيسة، ما يعني تثبيت موقع وزارة المال للشيعة وتثبيت توقيع وزير المال الشيعي على كل المراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء. كما أراد إعادة العمل بالترويكا بحيث يكون هو الركن الثالث فيها، وبكلام آخر فهو يطالب بأن يكون شريكاً في السلطة التنفيذية كما كان في عهد الوصاية، الأمر الذي يتعارض مع فصل السلطات كونه رئيساً لمجلس النواب المنوط به تشريع القوانين ومحاسبة الحكومة. والهالة التي صنعها برّي لنفسه جعلته يتصرف كحاكم مطلق لمجلس النواب، بيده فتح أبواب المجلس وإقفالها، وحجز مشاريع قوانين لا يستسيغها في أدراج مكتبه، وتعيين المئات من حركة «أمل» التي يترأسها في كادر شرطة المجلس، حتى أصبحت شرطة المجلس بمثابة فصيل من فصائل الحركة.

زعامة الرئيس برّي في طائفته ناتجة عن الخدمات الجلى التي يقدّمها لها، فالجنوب أصبح من أكثر المناطق اللبنانية إنماءً، وإدارات الدولة ومؤسّساتها العامة أضحت تعجّ بالأجراء المتعاقدين من أبنائها، بعضهم دخل الملاك والبعض الآخر في طريقه إلى الدخول من خلال الاضطرابات والقلاقل وتعطيل العمل في المواقع التي يشغلها. وحدّث ولا حرج عن الجامعة اللبنانية التي تقع واقعياً في عهدة الحركة وتحت سلطتها. والأهم من كل ذلك أنّ برّي يحمي جماعته إن كانوا موظفين في الإدارات العامة أو كانوا خارجها. وباختصار إنّ كل خدمات برّي إلى جماعته تأتي من الدولة، فهو يعرف تماماً كيف يحصل على ما يريد، وكيف يحمي من يريد.

عبّر الوزير باسيل في الفيديو المسرّب عمّا يجول في داخله من عدم انسجام إن لم يكن كراهية تجاه الرئيس برّي، والسبب الرئيس لتباعد الرجلين يعود إلى السلطة التي يريد باسيل أن يكون هو المتقدم فيها، خصوصاً بعد وصول عمه إلى رئاسة الجمهورية التي لم يكن لبرّي فضل فيها، بينما يريد برّي أن يحتفظ بنفوذه القوي في الدولة وأن يبقى المشرف على أعمالها.

استغل باسيل ردات فعل الشارع الشيعي الغوغائية في شد العصب المسيحي وفي زيادة شعبيته في مناطقه، الأمر الذي دفعه إلى التشيث برفض الاعتذار من برّي على ما ورد منه بالصوت والصورة من نعت للأخير بـ«البلطجي» وبوجوب «تكسير رأسه». وباعتقادي أن التأزم سيزداد شدة مع اقتراب الانتخابات النيابية، التي يريد باسيل أن يحصل فيها مع حلفائه على أكثرية نيابية تخوله الإمساك بمؤسّسات الدولة وتقرّبه من كرسي الرئاسة الأولى.
في المقابل استطاع برّي بالتحالف الوثيق مع «حزب الله» رصّ صفوف الطائفة الشيعية وراءه، من خلال تحويله الإهانة الشخصية، وكان باستطاعته الردّ عليها بإهانة أكبر منها، إلى إهانة للموقع الدستوري الأول للطائفة. وسيستخدم الحليفان هذه الواقعة في الانتخابات من أجل الحصول على مجمل المقاعد الشيعية، وبالتالي الحصول مع حلفائهما في فريق الممانعة على الثلث المعطل في مجلس النواب.

انتهى الكباش الرئاسي في اجتماع بعبدا الأخير بين الرؤساء الثلاثة بـ«تبويس اللحى»، واعتماد حلّ لمرسوم الأقدمية على الطريقة اللبنانية،والأهم .. عودة الترويكا إلى حكم لبنان.

ختاماً، ما حصل في الأيام الماضية كان مسيئاً جداً لسمعة الدولة ولاستقرارها السياسي والأمني.