Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر June 10, 2016
A A A
عودة إلى حاجات طرابلس والشمال
الكاتب: مروان اسكندر - النهار

قرأت للدكتورة نهلا الشهال ان نسبة الفقراء في طرابلس هي الأعلى لفئة المحرومين في اي مدينة على شواطئ البحر المتوسط استناداً الى إحصاءات برنامج الامم المتحدة للتنمية. ان هذه النتيجة تدمي القلب. فالطاقات الشابة في طرابلس واعدة ومضيئة لكن فرص الانجاز لم تحظ بالدعم المطلوب، علما بان أقطاب طرابلس في مجالات الانجاز العملي تميزوا بأعمالهم خارج لبنان كما هو الامر بالنسبة الى المهتمين سياسيًا بتأمين استقرار المدينة.
لقد استمعت بعد زلزال انتصار لائحة اللواء أشرف ريفي في الانتخابات البلدية والاختيارية الى روبير فاضل في حديث تلفزيوني. قال بصراحة إن المشاريع الاجتماعية والانمائية لم تحظ بالدعم المطلوب من القادرين وهو الذي بنى على نشاط والده، المرحوم موريس فاضل الذي مثل طرابلس في مجلس النواب قبله، منافذ تسويقية باتت تعتبر رائدة في التنظيم والانجاز سواء في بيروت أو في ضبية، اضافة الى مواقع اختصاصية وسط بيروت على سبيل المثال.
عبر روبير فاضل عن خيبته من تردد اصحاب الانجاز عن تحقيق مشاريع درست بكلفة 300 الف دولار ساهم في جزء ملحوظ منها، ولم ينفذ من هذه المشاريع ما يسهم في انعاش اقتصاد طرابلس ومحيطها وتحسين الوضع الاجتماعي والبيئي والاقتصادي في المدينة وجوارها.
بالتأكيد ليست لدي جردة كالتي وفرتها الدراسة، انما هنالك ملاحظات واضحة تستدعي الانتباه والعمل السريع، نلخص بعضها في ما يلي.
لقد بينت في مقال سابق بعض ما يمكن انجازه وركزت على ضرورة تطوير مرفأ طرابلس، ذلك ان التطوير يساهم في تخفيف الضغط عن مرفأ بيروت. وشاء مدير المرفأ ان يبين ان اعمال التطوير قد انجزت بنسبة كبيرة، وان التشغيل يسير بشكل حسن وان هو أقر بان ثمة تأخيراً في وجود مفتشين من الجمارك يستطيعون التعجيل في العمليات وتالياً تنشيط الحركة، وهو اعتبر ان هنالك من يؤخرون هذا الوجود لانهم يركزون اهتمامهم على مرفأ بيروت. والحقيقة ان مرفأ طرابلس مرشح لنشاط كبير وخصوصاً اذا استقرت الاوضاع في سوريا.
اضافة الى المرفأ، هنالك مصفاة تكرير النفط التي توقفت عن العمل منذ سنوات وكانت طاقتها تشكل ضعفي طاقة مصفاة الزهراني، وكلتا المصفاتين حتى لو كانتا تعملان بطاقتهما النظرية لا تكفيان لتغطية حاجات السوق اللبنانية، ذلك ان طاقتهما معًا كانت توازي 50 الف برميل يومياً أي ما يعادل 2,5 مليوني طن من المشتقات سنويًا وهذه الكميات لا تمثل سوى نسبة 40 في المئة من حجم الاستهلاك الكلي من المشتقات.
وتوسيع مصفاة طرابلس لتبلغ 100 الف برميل يومياً أمر ممكن، ولو كانت ثمة نيات صافية لتحولت المصفاة الى شركة مختلطة، حصة الدولة منها توازي قيمة الاراضي التي تخصص للمصفاة، كما قيمة الخزانات التي هي قيد الاستعمال وربما الخط البحري اذا كان لا يزال صالحًا للاستعمال، وبقية الرسملة المطلوبة يمكن طرحها في السوق والطلب من القادرين تغطية 25 في المئة من مجمل قيمة الاسهم وتطرح بقية الاسهم للاكتتاب من الجمهور اللبناني سواء من أهل طرابلس أو اللبنانيين عموماً.
يسارع كثيرون الى القول إن مصفاة طرابلس لا تؤمن فرص عمل كبيرة، وهذا صحيح، انما فرص العمل للفنيين ستكون وافرة، كما ان زيادة انتاج المشتقات ستفسح في مجال استفادة العشرات من عمليات نقل المشتقات من المصفاة، والاهم من كل ذلك ان لبنان حينئذٍ يحقق وفورات كبيرة في فاتورة استيراد المشتقات توازي 500 مليون دولار سنوياً أو تفوقها. وتأخير انجاز عملية توسيع المصفاة وتطويرها والمشاركة بين القطاع العام والخاص، أمر يبين ان نية النجاح في انتشال لبنان من ضائقته الاقتصادية والاجتماعية غير متوافرة، وحينئذٍ يبدو بوضوح أكبر سبب نجاح اللواء ريفي في استقطاب أصوات المهمشين في عاصمة الشمال.
المشروع الثاني الملح تنفيذه يتمثل في تجهيز وتشغيل مطار رينيه معوض. هذا المطار اعتمده النواب قبل انعقاد جلسة انتخاب رينيه معوض للسفر الى لبنان من مختلف انحاء العالم، وتشغيله لا يستوجب وقتاً طويلاً، والتذرّع بحجة سلامة الطيران بسبب الاحداث في سوريا ليس صحيحًا، ويمكن تشغيل المطار لاستقبال الرحلات التي تنظمها شركات السياحة، كما للنقل الجوي للمنتجات المستوردة الى لبنان أو المصدرة منه.
لا يخفى ان تنشيط المطار يؤدي الى حركة كبيرة لنقل الركاب والبضائع، كما ان عمليات استقبال الطائرات وتزويدها الوقود وحاجاتها الاخرى يسهم في تأمين مئات الوظائف في المطار ومحيطه، وربما كانت هنالك فائدة من هذا النشاط تماثل ما يمكن توقعه من تنمية عمل المصفاة بعد توسيعها وتطويرها.
النشاط الثالث الذي هو منتظر منذ فترة يتمثل في انجاز العقود المتعلقة بانهاء اعمال محطة انتاج الكهرباء الثانية في البداوي بطاقة 500 ميغاوات والتي تم التعاقد في شأنها منذ عام 2013، ومن بعد توقفت بداية التنفيذ لخلاف على استحقاق الضريبة على القمية المضافة على العقد، والامر المهم هو ان انشاء المحطة في البارد يعني توافر محطتين يمكن تشغيلهما باستعمال الغاز الطبيعي، مما يؤدي الى وفورات كبيرة بدل استعمال المازوت والمحطة القائمة يمكن تشغيلها على الغاز. وهنالك فوائد بيئية كبيرة قد تسهم في تحقيق لبنان التحسينات التزامها قبل عام 2030 في مؤتمر باريس اواخر عام 2015.
السؤال الذي يطرح، اذا انجزت هذه المحطة لانتاج الكهرباء كيف يمكن توفير الغاز؟ وفي المناسبة نشير الى ان مصر تعاقدت على انجاز محطة تستفد الى استعمال الغاز بطاقة توازي 1500 ميغاوات مع شركة سيمنز التي ستمول المشروع وتنجزه خلال 18 شهرًا، ومن ثم تسوق الكهرباء وتستعيد تكاليف المشروع مع ارباحها.
لبنان لن يستطيع انجاز اتفاقات للتنقيب عن النفط والغاز قبل بضعة أشهر على رغم استشعار الرئيس بري لإلحاح المشروع، فالمجلس لن ينعقد قبل 18 تشرين الاول، وحينئذٍ يكون عليه البحث في مشروع الموازنة في المقام الاول واقرارها. وهكذا فإن الغاز لن يتوافر لنا قبل سبع سنوات من اليوم، فعلينا اذا شئنا تشغيل المحطتين على الغاز الاتفاق على استيراد الغاز المسيل.
معلوم ان انخفاض اسعار النفط، على رغم تحسنها بنسبة 65 في المئة منذ أسابيع، اسهم في انخفاض أسعار الغاز، كما قارب انجاز معامل تسييل الغاز في غرب أوستراليا الانتهاء وبدأت الولايات المتحدة تصدر الغاز المسيل بدل استيراده. ويمكن التأكيد ان قطر التي عرضت في السابق (عام 2005) انجاز معمل لاستقبال الغاز السائل في طرابلس هي اليوم في حاجة الى انجاز مشاريع كهذا، وقد انجزت مشروعين منها في بريطانيا وايطاليا.
يطول الحديث عن امكانات انجاز المشاريع في طرابلس ومحيطها ونكتفي بعرض ثلاثة مشاريع قابلة للتنفيذ، فعسى ان تكون انتخابات بلدية طرابلس اسهمت في توعية المسؤولين والمقتدرين.