Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر December 31, 2022
A A A
عهد عون جاء من فراغ ورحل في الفراغ وأبرز تجلّياته التعطيل الحكومي
الكاتب: سابين عويس - النهار

بانقضاء سنة وحلول سنة جديدة، محطة ضرورية لقراءة ما حمله العام 2022 وما يخلفه بدوره لسنة لا تحمل في طياتها إلا آفاقًا غامضة، قاتمة، وسط مرحلة تبدو طويلة من الشلل والتعطيل والفراغ على كل مستويات المؤسسات الدستورية. ولعل ابرز ما يمكن توصيفه للعام المنقضي يُختصر بكلمة واحدة هي التعطيل، وبنتيجة واحدة كذلك هي الانهيار.

لم يكن العام 2022 بأدائه السيىء ونتائجه الكارثية إلا نتاجاً طبيعياً لممارسات امتدت على مدى الأعوام الستة للعهد العوني الذي جاء من رحم فراغ على مستوى الرئاسة الاولى لمدة قاربت العامين ونصف العام، شهدت خلالها البلاد تعطيلاً ممنهجاً وضاغطاً لايصال الجنرال ميشال عون الى قصر بعبدا، ولم يسلم هو نفسه من تجرع كأس التعطيل، بعدما عقدت بعض القوى التقليدية الفاعلة في المنظومة السياسية للدولة العميقة العزم على منع الرئيس “القوي” من تحقيق أي انجاز. فكانت لعبة تقاذف المسؤوليات هي الغالبة، ما حال دون تحقيق أي تقدم أو انجاز أي خطوة اصلاحية تساعد البلاد على الخروج من كبوتها نحو التعافي.

من 25 أيار 2014 وحتى 31 تشرين الاول 2016، عاش لبنان في الفراغ الرئاسي، وتسلمت حكومة الرئيس تمام سلام صلاحيات الرئاسة من دون ان تقدّم أي تنازل يتيح للفريق المعطل تحقيق انتصار او مكسب بفعل ديبلوماسية صامتة اعتمدها سلام كان ثمنها انكفاؤه عن رئاسة الحكومة تلافيا لتكرار تجربة هي الأسوأ ربما بفعل تشبّث الوزراء بقيادة الوزير جبران باسيل بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية.

وقع الفراغ مجدداً على قصر بعبدا بعدما اضطر ميشال عون الى مغادرته من دون تسليم مفاتيحه لرئيس منتخب جديد. وتكررت بذلك تجربة الفراغ وانما بفارق أهم وأخطر هو ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كانت في وضع تصريف الاعمال، خلافاً لحال حكومة سلام التي كانت كاملة الصلاحيات.

منذ العام 2016 وحتى العام 2022 الذي يطوي آخر صفحاته، كانت العين دائمآ على الوضع الحكومي المهتز والمتأرجح بين الشلل والتعطيل، تكليفاً وتأليفاً وتنفيذاً.

ولم يشهد العهد العوني أكثر من اربع حكومات على مدى ستة اعوام، فيما بلغ التعطيل مداه الأقصى بتسجيل نسبة 43،5 في المئة من مجموع ايام الولاية الرئاسية منها الفترة الاطول التي امتدت نحو عام مع حكومة تصريف الاعمال برئاسة حسان دياب!

فحكومة العهد الاولى وُلدت بسرعة قياسية لم تتجاوز شهرا ونصف شهر، (18 كانون الاول 2016)، بعدما كانت ثمرة التسوية السياسية التي افضت الى انتخاب عون رئيسًا للجمهورية وسعد الحريري رئيسا للحكومة. وابرز انجازاتها اقرار اول موازنة بعد 12 عاماً واقرار قانون جديد للانتخابات، فضلاً عن اقرار سلسلة الرتب والرواتب. اما على المستوى الامني، فكانت معركة فجر الجرود في وجه الارهاب من الامور التي سجلها العهد في عامه الاول.

لم تطل فترة السماح حتى عادت البلاد لتدور في فلك التعطيل. فبعد استقالة مفاجئة للحريري من السعودية وعودته الى لبنان، جاءت استقالة حكومة الحريري نتيجة الانتخابات النيابية في ايار من العام 2018. ورغم تكليف الحريري مجددًا تشكيل الحكومة، فقد امتد التعطيل لمدة ثمانية اشهر قبل ان تولد الحكومة الثانية في عهد عون برئاسة الحريري نفسه (31 كانون الثاني 2019) بعدما حصل رئيس “التيارالوطني الحر” جبران باسيل عبر تكتل “لبنان القوي” على 11 وزيراً فيها، أي الثلث المعطل، وهو عملياً العنوان الرئيسي لمعركة التعطيل، والسبب في تأخير ولادة الحكومة الحريرية.

لم يكن في الامكان التحدث عن انجازات في العامين الثاني والثالث من العهد بما ان فترة طويلة منهما انقضت في محاولة تأليف حكومة، هي عملياً السلطة التنفيذية او الذراع التنفيذية للانجازات. لكن ما امكن تسجيله مع تلك البداية العونية في السلطة، هو استمرار توالد الازمات بدءا من كارثة سلسلة الرتب والرواتب، التي اقرت في بداية العهد، مروراً بالانتخابات الفرعية والتعيينات وملف الكهرباء وتوسع دائرة الفساد التي عجز عون، ورغم الشعارات الرنانة التي اطلقها في بداية عهده، عن كبحها او منع الحلقات القريبة منه من الدخول فيها.

المحطة الاقسى في المسيرة العونية الرئاسية مع السلطة التنفيذية تجلت في حكومة حسان دياب التي جاءت بعد تكليفين للحريري والسفير السابق للبنان في المانيا مصطفى اديب. ذلك ان اخطر ما أقدمت عليه حكومة دياب تجلى في اعلان التخلف عن سداد لبنان ديونه السيادية في مطلع آذار 2019 وذلك بعد نحو شهرين ونصف شهر على تأليفها في 19 كانون الاول 2019.

يسجل لحكومة دياب انها اكثر الحكومات التي عمّرت في تصريف الاعمال الذي امتد لعام، وقد بدأ لبنان يراكم التراجعات في مساره المالي والاقتصادي بعدما بدأت الازمات المالية والنقدية تنفجر على وقع شح السيولة وانكشاف ازمة المصارف وتعثّرها. ولم تنجح حكومة نجيب ميقاتي التي تولت السلطة في ايلول 2021 حتى 20 ايار 2022 موعد الانتخابات النيابية التي ادت حكماً الى استقالة الحكومة وتحولها الى تصريف الاعمال، في كسر لعنة الحكم التي اسقطت لبنان في هاوية الافلاس والفشل والانهيار.

نحو نصف الولاية الرئاسية انقضى في التعطيل والشلل، والوضع مستمر على هذه الحال حتى بعد انتهاء الولاية الرئاسية في نهاية تشرين الاول الماضي. فتصريف الاعمال لا يزال المتحكم بالمشهد والقابض على عمل السلطة التنفيذية، فيما الفضاء مفتوح واسعاً امام سياسات التخبط والهدر والفساد والمضاربة.

ليس في الافق ما يشي بأن الانهيارات المتتالية التي شهدها لبنان اخيراً ستنتهي قريباً. فالفراغ مستمر والشلل مستعصٍ في ظل عدم توافر أي ارادة سياسية لدى اي من القوى الحاكمة، فيما الازمات تتوالد والعجز عن الحلول، رغم وجودها، يكبر.

منذ اندلاع انتفاضة السابع عشر من تشرين قبل 3 اعوام، ولبنان دخل النفق المظلم من دون اي افق للمستقبل. الحكومة معطلة وستبقى كذلك والشلل مستفحل وسيستمر، وشؤون الدولة والناس متوقفة في ظل تعطل مؤسسات الدولة وانهيارها بالكامل.

لا يكفي ان يوقّع لبنان على ترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل، وقد لا يكفي البرنامج المرتقب مع صندوق النقد الدولي، او خطة التعافي الحكومية او التعاميم العشوائية الصادرة عن المصرف المركزي من اجل مواجهة المضاربات الحاصلة على الليرة او تنظيم سوق الصرف، لإخراج لبنان من مستنقع ازماته. فالازمة الحكومية على خلفية عدم جواز انعقاد مجلس وزراء لحكومة تصريف اعمال في ظل الشغورالرئاسي تفاقم التأزم وتضيّق فرص التعافي.

كما ان تعذر التوافق على الرئيس يعوق الحل للازمة الحكومية، فيما المواجهة بين رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ورئيس تكتل “لبنان القوي” جبران باسيل ترتفع حدتها وسط تشبث كل طرف بموقفه واحقية هذا الموقف حيث يعتبر باسيل ان اجتماع الحكومة او حتى توقيع المراسيم الصادرة عن الجلسة الاخيرة في ظل تصريف الاعمال تعتبر مخالفة للدستور، فيما ينظر ميقاتي الى الازمة على انها سياسية وليست دستورية.

لم ينجح اللقاء الذي جمع الرجلين قبل فترة في معالجة التشنج وان كانت مسألة توقيع وزير الدفاع على مرسومي المساعدات والتمديد للقيادات الامنية باتت منتهية لتبرز مشكلة التعديلات التي يقترحها ميقاتي على المرسوم. وهذا يعني ان المعالجات ستتم على القطعة وضمن تسويات لم تتضح بعد مقايضاتها، وليس اكيدا انها ستنسحب على اي جلسات مقبلة محتملة يعتزم ميقاتي الدعوة اليها بعد الاعياد. وقد بدأ التشنج ينعكس بوضوح على المشهد الحكومي حيث قرر الفريقان الذهاب بالتصعيد والتحدي الى اقصى حد، ضاربين عرض الحائط ما يتركه الامر من انعكاسات سلبية وسط تخبط المواطنين بمشاكل وازمات لا طائل منها. واذ يستمد ميقاتي قوته من اتفاقه مع رئيس المجلس نبيه بري، يبدو باسيل مرتاحًا الى وضعه الذي يستند فيه الى شد العصب المسيحي والزام القوى المسيحية الاخرى الالتحاق به!

اذاً، تطل 2023 محملة بكل اثقال العام السلف وكل تراكمات سياسات النكد والمكابرة التي لا تنبىء بأي خير!