Beirut weather 22.99 ° C
تاريخ النشر April 23, 2025
A A A
عن قداسته الذي أعاد للايمان بعضاً من ذهب أفُل
الكاتب: ڤيرا يمّين - موقع المرده

بابا الفقراء والبسطاء والمساكين، بابا الطيبة والعمق والفلسفة الطالعة من معاناة الشعوب. اعتمد الخشب خشبة وصليباً ونعشاً ليُعيد للإيمان بعضاً من ذهبٍ أفُل مع الأيام ولأسبابٍ متعددة تتحمّل الكنيسة بعضاً منها.
معه الكنيسة عادت أمّاً حاضنة لكلّ أولادها لا سيما الخطأة منهم، أمّ تحضن من غير أن تسأل عن اسم أو عرق أو ميل أو مذهب أو طائفة أو معتقد. سار على درب الإنسانية ومنح شرقنا المصلوب كبير عاطفة واهتمام، نفح في العراق روحاً وفي البحرين ومصر والمغرب وفي الإمارات وقّع وثيقة مع “أخيه” شيخ الأزهر وفتَح قلبه وساحة الڤاتيكان للصلاة للبنان وعانق غزّة في أوجاعها وفي ساحة القديس بطرس يسوع الطفل ملفوفاً بكوفية وحوله زيتون فلسطين.
حبّ قداسة البابا لمنطقتنا لم نشهد له مثيلاً وكنّا دائماً نشعر ببعض غربة أو صقيع مع حاضرة الڤاتيكان التي باتت حاضرة معنا في زياراته او صلواته او رسائله.
وليس صدفة أن يختم حياته في يوم القيامة الموحّد السنة بين الكنيستين الشرقية والغربية، وليس صدفة أن تكون آخر صلواته للبنان وسوريا والعراق وفلسطين.
قداسته الذي كان مدركاً أنّ تفريغ المنطقة من المسيحيين هو قطع حبل السرّة مع أرض المهد فينسلخ التاريخ عن التاريخ وتفنى الحقيقة وتسقط همزة الوصل في مستنقع عدم المعرفة.
مواقف قداسته كانت أشبه بماء يروي ظمأ وكانت مقارباته مقاربات على كثير من عمق ولكن بكثير من رقة، وأوضحُها واقع غزة وقد دعا الى إجراء دراسة متأنيّة للوضع على أنّه إبادة لافتا الى أنّ الحاصل ليس حرباً بل إرهاب. وفي البال دائماً اتصالاته مع الرعية عبر تقنية ال video call وقد كان اتصاله طِيباً مريميا طالعا من مبخرة إيمانه بكنيسته وبالأرض المقدسة.
الڤاتيكان ليس دولة قرار ولكنها أرض حضور وهيبة ووقار -ولو اهتزت في فترات معيّنة بسبب أفعال البعض او ارتكاباتهم- والبابا فرنسيس أعاد ترميم صورتها بالمحبة والتواضع والبساطة هو الذي سكن في شقة عادية فلا حمل صولجاناً مذهّباً ولا وضع تاجاً مرصّعاً ولا جلس على كرسي من ذهب بل حمل اسم فرنسيس الأسيزي الذي ترك كلّ مغريات الدنيا وتخلّى عن ثروته للفقراء والمعوزين.
أقواله حكم ودروس كقوله امام الامم المتحدة:
“التعطش الأناني واللامحدود الى السلطة والرخاء المادي يؤدي الى اساءة استخدام الموارد الطبيعية المتاحة وإقصاء الضعفاء والمحرومين”
الى أقوال عدّة ومنها:
“إنّ العداء والتطرف والعنف لا تنبع من قلب ديني بل هي خيانة للدين”.
“الحرب هزيمة، كلّ حرب هزيمة”
“من النفاق أن تسمّي نفسك مسيحياً ثم تُبعد لاجئاً أو شخصاً جائعاً أو عطشاناً وتطرد شخصاً يحتاج مساعدتك”.
“النضال من أجل حقوق المرأة نضال مستمر والمجتمع الذي لا يستطيع السماح للمرأة بأدوار أكبر لا يتقدّم”.
“أفضّل كنيسة مصابة ومتألمة وفي الشوارع على كنيسة مريضة بسبب انغلاقها وتمسكها بأمنها”
وتكرّ السبحة والحديث يطول عن بابا بسيط يبكي ويضحك، يمازح ويتألّم، ينام ويحلم كأيّ شخص آخر ولكنّه حين يصلّي يصبح وكأنّه شعب في رجل، يصرخ بأعماقه يتأمل برجاء، ينبذ الكراهية ويتناول المحبة برشانا على مذبح الانسانية.
قد لا يكون هذا الأرجنتيني عاشق الكرة قد حقّق كلّ أهدافه لكنّه اختار الزهد ملعبه والمحبة شباكه والكرة الأرضية همّه، هذه الكرة التي باتت تعاني من جفاف وضمور في الإنسانية ما يهدّدها أكثر من العوامل الطبيعية والحروب والكوارث.
سلامٌ لك يا حبّاً مسكوباً في خوابي الإيمان، وهل يجيء يوم نصبّه في كؤوس السلام؟ صلّ لنا يا أبانا.