Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر April 15, 2018
A A A
عن البوسطة والمظلَّة
الكاتب: الياس الديري - النهار

ما أكثر المناسبات التي تجعل الذاكرة اللبنانيّة دائمة الجهوزيّة والاستنفار، وأحياناً محفوفة بتفاصيلها الغائبة لا المصوَّرة، وبعض أسرارها التي ليس من السهل الوصول إليها بأكثر من الاشارة. وربّما ليس في الإمكان الحصول حتى على مؤشَّرات واحتمالات.

حادث بوسطة عين الرمانة يفضح نفسه بكل ملابساته. ويعترف تلقائيّاً أنه صُنع بأيدي محترفين، ووليد عقول شرّيرة تتقن ترتيب الفتن والمآسي، بل كل ما ينتمي إلى عائلة الإجرام والتخريب والتدمير بصلة. وباتقان يمنع أجدر الخبراء من الإمساك بأيّ طرف خيط مهما كان رفيعاً.

المطلوب من حادث، أو من مجزرة 13 نيسان 1975، هو ما حصل تماماً لحظة الانفجار وما تلاه، وما لا تزال ذيوله تفرِّخ على كعوبها أزمات مصحوبة بمسلسلات من الحروب الصغيرة… وكل ما من شأنه إبقاء لبنان خارج حزام الاستقرار والأمان.

تلك الجريمة الوحشيَّة قتلت في طريقها وبذيولها وطناً كان موضع إعجاب وانبهار الدول والشعوب القريبة كما البعيدة. في لحظة تُشبه لمح البصر انتزع من لبنان كل ما ادّخره من تقدّم ونجاحٍ في شتّى الميادين. زَرَع شيطان التفريق وهدّام أحلام السعادة فتنة مزّقت في لحظات صيغة العيش المشترك التي تنصهر تحت مظلَّتها ثماني عشرة طائفة.

لقد انفجر ذلك اللبنان، وفرطت مميّزاته، وتحقَّقت خطّة المجرمين. دخل اللبنانيّون من حيث لا يدري معظمهم في جحيم أبشع من فظائع الحروب العادية. خلال ساعات معدودات انقلبت الجنّة جحيماً. اغتيل ذلك الوطن الصغير الذي كانت النُخَبُ في مختلف الميادين ومن شتّى البلدان تقصده ملهوفة ومنبهرة سلفاً.

لا موجب هنا، وفي هذه المرحلة الدقيقة، للتذكير بأن ذيول تلك البوسطة وتلك المجزرة لا تزال ترفد بعضهم بالتحريض والوسائل الكفيلة بتعكير الأجواء كلّما لاح في الأفق طيف متغيِّرات إيجابيَّة…

ولكن، ولكن على رغم كل ما حدث وحصل وصار طوال أربعين عاماً، وما لا يزال حاضراً للتفجير والتخريب إذا ما أُتيحت له الفرصة، فإن المظلّة الدوليَّة ثابتة في المرصاد. وعلى عينك يا فاجر. وبكل ما لديها من وسائل الحماية والدراية، وبصوت مسموع.

لهذه الأسباب، ولكون وجود الصيغة “حيّة” ولو صوريّاً يشكِّل ضمانة إقليميَّة إضافيّة، بل يمتدُ إلى أبعد، كان قرار عدم التفريط بالوطن الصغير الواقف دائماً على شوار.

لكنَّ كثيرين من اللبنانيّين وسواهم ما زالوا في حيرة من أمرهم: ما هو السرُّ الفعلي العملي الواقعي الذي حمى لبنان من الانفراط أو الانقسام، أو الشرذمة، خلال فورة حروب قذرة استمرّت 15 عاماً… تبعتها حقبة مستمرّة حتّى هذه اللحظة، شهد اللبنانيّون خلالها كل أنواع الأزمات السياسيّة والفراغات الدستوريّة.

ومع ذلك ما زالوا يتصرَّفون كما لو أنّهم في جزيرة لا يكتشفها أيّ كريستوف كولومبس جديد. بل كأنّه خارج المنطقة، وبعيداً بعيداً من سوريا وما حولها وبعدها.

هل هي المظلَّة، وما الدوافع والمغانم؟

سمعت ذات يوم خبيراً يؤكِّد لأصدقاء أنّه لو فرط لبنان خلال مسلسل التجارب الخطيرة التي مرَّ بها لاهتزّت المنطقة بأسرها، أو تغيَّرت خريطة الشرق الأوسط…