Beirut weather 16.41 ° C
تاريخ النشر July 22, 2016
A A A
عندما يتحول الطبيب “غول مال”
الكاتب: طارق ترشيشي - الجمهورية

بين اقوالنا الشعبية، مقولة – دعاء: “الله لا يبلينا لا بحاكم ولا بحكيم”. والحكيم هنا يقصد به الطبيب، لا الحكيم صاحب الحكمة العقلانية والبصيرة. لقد تلوث كثير من المهن في لبنان بلوثة الفساد والغش والاستلشاق والاهمال، وبات تكديس الثروات هو الهدف لدى كثيرين من اصحاب المهن، لكن أن يتلوث بعض الاطباء بلوثة المال، ويبتعدوا عن الانسانية العالية التي انفطروا عليها ودفعتهم إلى التخصص في الطب فذلك قمة التعبير عن مقولة البعض أنّ “المال مفسدة”.

بعض الاطباء في بلادنا تحولوا “غيلان مال” مع الاسف، وصارت ممارساتهم لمهنتهم اشبه بالكماليات، منهم من نخرته “سوسة” السياسة والسلطة وراح يلهث وراء منصب رسمي، وزير او نائب، او جاء من ينخره بهذه السوسة ويدعمه ليعين وزيراً او نائباً. وحتى لا نظلم الجميع فإن البعض ممن “تلوث” بالسياسة والسلطة لم يتخل عن تطبيب المرضى.

بين اطبائنا اليوم من اعماهم المال وبات مريضهم مكتسباً خبرتهم يطبب نفسه من دون استشارتهم لكثرة المعاناة مع المرض وزيارة العيادات والمستشفيات. إلى درجة أن بعض المرضى صاروا يذكرون اطباءهم بعلاج او بفحوص اعتادوا طلبها لهم لمتابعة وضع المرض، بل انّ بعض الاطباء يخطئون في تحديد العلاج فيأتيهم التصحيح عاجلاً من مرضاهم.

وبين اطبائنا “العظماء” و”المشهورين” من اصبح يترك مريضه للممرضين أو لاطبائه المساعدين “الأغرار” ولا يكلف نفسه عناء مسك يده او استعمال سماعته، ولا يكلفها أيضا عناء سماع شكوى المريض واسئلته.

فيما يأسرنا الاطباء في الغرب وغير الغرب بتسمّرهم عند أسرّة مرضاهم مستمعين الى ما لديهم لوقت طويل من دون كلل او ملل، “وعلى قلبهم احلى من العسل”. يأسرنا هؤلاء بروحهم الانسانية العالية، وباهتمامهم بأدنى تفاصيل حالات مرضاهم… فيما اطباؤنا يتحدثون الى مريضهم من “رؤوس شفاهم” وكأنهم يقفون امام “جيفة” يتحينون لحظة الإبتعاد عنها.

ايها القيمون على المستشفيات إحذروا الخراب الآتي على يد اطباء غيلان مال… وايها المواطنون خافوا على مرضاكم واحذروا اخطاء من أغشى المال اعينهم.. واحذروا الشهرة الطبية المزيفة التي نالها هؤلاء بجهود مساعديهم الأغرار والممرضين، فالتنظير لـ”الكبار” و”الثمار” للكبار، أما الصغار من الاطباء فلا ينالون جزاء ولا شكورا، ولهم في الآخرة عند الله الأجر والثواب.

لم يعد كثير من أطبائنا يكلف نفسه عناء زيارة مريض في منزله يصعب عليه الانتقال الى العيادة او المستشفى، ناسيا انه ومستشفاه نالوا من علاجه الطويل مئات الالوف، وربما الملايين من الدولارات، حتى سماعة الهاتف لا يرفعونها لسؤاله عما هو فيه لانها تثقل ايديهم الناعمة “المهفهفة”.

هل حصل ان طبيباً طلب من مريضه ان يكتب له تقريراً عن حالته بعد علاج تلقاه؟ نعم حصل ويحصل مع الأسف! لأن هذا الطبيب لا يكلف نفسه عناء سؤال المعالجين، وإن انامله الناعمة لم تعد تقوى على حمل الـ”ستيلو” أو الطباعة على الكومبيوتر…

مرضانا اليوم يدخلون الى المستشفيات، كدخول السيارات الى كاراجات الصيانة، تسلّم سيارتك لـ”المعلم” صاحب الكاراج فيسلمها الى العمال ولا “يضع يده” فيها، والنتيجة تكون غالباً إصلاح في مكان وخراب في آخر…

حرام ان يصيب مهنة الطب الانسانية هذا “الوباء”، فمن كدس المال وبدأ يفقد إنسانيته لا يحق له أن يبقى طبيباً، ومن يتكل على الدواء لتغطية فشله عليه أن لا يكون شريكاً أو مسوقاً لأدوية شركات الأدوية، بل عليه ان لا يحول مرضاه فئران تجارب، يُجرّب فيهم الادوية لحساب شركاتها، فيوهن اجسادهم و”يعِلّها” أكثر.. علما ان الطبيب الفاشل هو من يكثر التجارب لإفتقاده القدرة على التشخيص السديد..

الطب مهنة انسانية وكسب المال فيها ينبغي أن يكون نتيجة وليست هدفاً.. فيا مرضى لبنان، إحذروا من ان يتسلمكم غيلان المال من أهل الطب الذين يبهرونكم بشهرتهم، وتضرعوا الى الله العلي القدير دوماً لكي لا يبليكم بـ”حكيم” مثلما تتضرّعوا اليه لكي لا يبليكم بحاكم ظالم…