Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر December 22, 2022
A A A
عندما تنصح الديبلوماسية العربية: بادروا إلى الحوار قبل السؤال عن الخارج
الكاتب: غادة حلاوي - نداء الوطن

اعتاد لبنان أن يرهن حلوله بالخارج والإتكال عليه للخروج من أزماته. يشهد تاريخ لبنان تدخلات دول عديدة في شؤونه ومساعدته على مواجهة صعوباته الإقتصادية منها أو السياسية على حد سواء. لكنّ الزمن الأوّل تحّول. والدول الإقليمية والدولية غارقة في همومها ومشاكلها. العالم بأسره مهدّد بحرب عالمية، حروب عسكرية وسياسية إقليمية ودولية ولبنان لم يزل يتموضع على جري عادته متأملاً بجرعة مساعدة تأتيه من خلف الحدود.

عندما تسأل عن لبنان على خارطة الإهتمام العربي والدولي يأتي الجواب مدوّياً. لبنان في العيون الديبلوماسية العربية هو بلد مياوم يعيش كل يوم بيومه متناسياً حجم الأزمات من حوله. لا يخلو جواب الديبلوماسية عن المسعى العربي لإدارة حوار بين اللبنانيين حول انتخاب رئيس للجمهورية من الإستغراب، ويقابل السؤال بمثله إذ «كيف نطرح المسألة وكأن الحوار متعذر، بينما لم تجر أية محاولة للحوار بين اللبنانيين ولا طرف يتبادل الحديث مع الطرف الآخر»، معيدة بذلك الكرة إلى ملعب اللبنانيين ليبادروا إلى حوار في ما بينهم قبل السؤال عن مبادرات الخارج.

منذ فترة دخلت الديبلوماسية العربية على خط الأزمة اللبنانية وسبل معالجتها، وكانت النصيحة لكل المسؤولين بالمبادرة إلى طرح الحل لا انتظاره من الخارج. من الوجهة الديبلوماسية تبدأ أزمة لبنان في الترشيحات الرئاسية بذاتها، فترصد المصادر وجود ثلاثة أنواع من المرشحين: مرشحان إثنان جديان لم يعلنا ترشيحيهما بعد ولم يتحدث أحد معهما بهذا الشأن، ومرشحون يتمنّعون وهم راغبون، وطابور من مرشحي الخط 29 أي خط تفاوض وليس خط حدود. واقع يعكس وجود حالة غير طبيعية فمن يتدخل في دعم حوار لم يبدأ من الأصل. تغالط المصادر المراهنين على حلول خارجية بينما العالم يعاني من حروب كبيرة وبؤر توتر إقليمية ودولية، يبدو وضع لبنان قياساً معها الأكثر هدوءاً.

بتقدير المصادر الديبلوماسية أنّ الأسباب التي كانت سبباً للوقوف الى جانب لبنان انتفت. كان لبنان يتمتّع بميزتين أساسيتين هما موقعه كساحة لتبادل الرسائل بين الدول بشكل غير مباشر، ونظامه المصرفي. حين انهار بنك إنترا شهدنا أزمة في الكويت، وبدا ذلك حدثاً إقليمياً، بينما مع انهيار النظام المصرفي اليوم لم نجد من يلتفت لما حدث، في المقابل كان لبنان مركزاً أساسياً وساحة تبادل رسائل بالوكالة فصارت الصراعات تحصل بالمباشر. يعني ذلك في منطق الديبلوماسية المطلعة على سير التطورات في لبنان والخارج أن لا طلب دولياً على حل الأزمة اللبنانية، هناك أزمة إقتصادية في العالم والوضع ملتهب إقليمياً والملف النووي متعثر، وإذا لم يجد لبنان رافعة محلية فلا حل لأزمته لأن إنقاذه لم يعد حاجة دولية ولذا لا بد من أفق لبناني للحل ليبنى عليه وإلّا كيف يمكن التعاون مع حالة غير جدية ولم تبدأ بعد، أي الحوار، وليس ترحيل الإستحقاق إلى الخارج سوى ذرائع تكتيك وحجة للهروب.

الخلل الأساسي من وجهة المصادر الديبلوماسية أن لبنان أصبح بلداً مياوماً ويدار بشكل يومي. مرة ينقذه المصطافون، وأخرى يتكل على الزائرين لتمضية الأعياد ولا أفق للمعالجة محلياً، أما خارجياً، فنصيحة المصادر أنه على هذا البلد أن يقتنع أن وضعه تغيّر في تسلسل اهتمامات الدول الكبرى وفقد دوره. بدأ المؤشر على ذلك منذ مؤتمر سيدر الأخير والدول التي تقاعست عن مساندته، ومؤشر آخر هو فشل المفاوضات مع صندوق النقد وتراجعه عن السعي لمساعدته ما لم يساعد نفسه بنفسه.

وإذا كانت الأزمة العالمية اليوم هي أزمة نقص الموارد وحاجة الدول لتغطيتها من الفائض فإنّ معالجة هذه المشكلة في لبنان مستعصية. فسد الحاجات يجري عادة إما من خلال فرض ضرائب، وقد فشلت المحاولة لذلك في لبنان بدليل العجز عن إقرار الكابيتول كونترول، أو من خلال المال السياسي وهذا لم يعد متوفراً، لأن لا السعودية ترغب في المساعدة جرياً على عادتها ولا إيران قادرة على المساعدة. فالأزمة إذاً محصورة بين قادر وغير راغب في المساعدة، وآخر غير قادر وقد لا يكون راغباً من الأساس.

ضاقت الحلول بلبنان. إقتصادياً بات من الواجب الإلتزام بشروط صندوق النقد وبتوافر سلطة سياسية قادرة وإصلاحات جذرية ودون ذلك لا مجال لأي أفق حل. أما سياسياً، وعلى مستوى انتخابات رئاسة الجمهورية فيجب أن يكون التحرك داخلياً مع إسناد من الخارج وليس العكس. وما لم يحدث ذلك فلا مجال للحل خاصة أن ميزان القوى الداخلي يمنع أي طرف من فرض مرشحه. تنصح المصادر الديبلوماسية بأن على لبنان أن يتكيف مع القيادة لأن إنقاذه لم يعد ضرورة دولية، ولا بدّ من الحوار وهو آتٍ لا ريب لكن هل سيكون تلبية لقرار سياسي أم تحت وطأة الإنهيار؟ وفي النقطة الأخيرة تكمن خشية المصادر عينها من أي تطور دراماتيكي قد يحصل مستقبلاً. مثل لبنان في اتكاله على الخارج كمثل الديك الرومي الذي ارتاح لتربيته في كنف عائلة تمده بالغذاء يومياً متناسياً أن لذلك سبباً وغاية لديها، الى أن حان موعدها للإستفادة منه وذبحه لتقديمه وجبة دسمة عشية الميلاد.