Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر October 30, 2019
A A A
عندئذٍ لكل حادث حديث
الكاتب: الياس الديري - النهار

استقالة الرئيس سعد الحريري قد تكون هي المؤشِّر الجديد لانطلاقة لبنانيّة جديدة، على مختلف الصعد، وخصوصاً بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي، ومجمل الحالات التي يُعاني منها لبنان.

لنذهب الآن إلى أبعد من ذلك، ريثما تنجلي العوامل التي أدّت إلى هذه الاستقالة، وما سينجم عنها. وعندئذ لكلّ حادث حديث… ولنعد إلى ما قبل الاستقالة:

لقد أدركتنا المحاذير الخطيرة، وها هي تُعلن عن نفسها. لقد استجابت لدعائكم، لمساعيكم. لبَّت طلباتكم. ألستم تسعون إليها منذ أشهر وسنين، وربّما عن قصد.

التنافس السياسي موجودبنسب مختلفة. لكن “الاتفاق” على البقرة الحلوب على أتمّ مراحله. فكلٌّ يغنّي على حصّته، لا على ليلاه، ولا على ليالي لبنان. واليأس من السياسيّين والمتنعِّمين بما جادت به الأحداث والتطوّرات والأيّام والكراسي، وما إلى ذلك من ينابيع “تهدي” بعضهم دولارات لا ليرات.

إنّما ذلك لا يمنع اللبنانيّين من رفع صوت الغضب والنقمة، وتالياً رفع الأيدي “بالعشرة” استسلاماً لواقع الحال. وعن حقيقة الوضع اللبناني. وهل يخفى الإنهيار المالي الذي يمون بكرمه على أكثر من نصف الشعب اللبناني؟ وإليه ومعه الاقتصاد، ودورة الحياة، والأكثريّة الساحقة من ذوي الدخل المحدود، ومن أولئك الذين كانوا يصونون دورة الحياة عبر ما يُسمّى “الطبقة الوسطى”.

على فَوْقَة، أين الطبقة الوسطى؟ تلاشت، تفكّكت، انهارت بدورها، ومعها انهار الكثير من الحواجز والسبل والمرافق، والمؤسّسات، والمداخيل التي كانت تُغني دورة الحياة – أو “الساعة الماليّة”.

ما الحل؟ هذا سؤال قديم. مَنْ يُبدي استعداداً للتضحية في سبيل حلٍّ يمنع وطن الثماني عشرة طائفة من السقوط في ورقة نقديّة لم يعد لها مكان، ولا تأثير؟ الدولار هو اليوم سيِّد الموقف. والعملة الوحيدة في التداول. وثلاثة أرباع اللبنانيّين لا يملكون عملة من هذا النوع، فإلى أين المصير؟ ومَنْ لهؤلاء الناس؟ مَنْ يسعفهم؟ من أين يأتيهم الإسعاف؟ مَنْ يُبالي بهم؟ المسؤولون؟ هو هو هو…

لا مؤشِّرات لحلول صالحة، لحلول إنقاذيّة، لحلول مدعومة من المسؤولين، والمرتاحين، والمُمَلْينين. وما بينهم من أحدٍ مستعدٍّ لتقديم أيّة مساعدة، أي تنازل، أيّة تضحية، أي تساهل ازاء أيّ منصب أو كرسي، أو رافد، من أجل هذا اللبنان اليتيم. من أجل هؤلاء اللبنانيّين الذين وجدوا أنفسهم وقد استفردتهم الحاجة، وتفرَّق عنهم المسؤولون والمعنيّون والقادرون.

أتسمعُ وترى وتُتابع حركة شباب وشابات الانتفاضة – الثورة؟ لم يبقَ سوى هؤلاء.

لبنانيّو المغتربات قبل لبنانيّي “الوطن المخطوف” ينبِّهون المقيمين والمُنتفضين الثائرين الغاضبين إلى أنّ المُنتفعين يُخطّطون لوضع العصي في دواليبهم. فهم خائفون على النعائم والمغانم، ومُستعدّون للتضحية بكل الثورات دون تردّد دفاعاً عن مصالحهم.

من هنا هبَّت “شعوب” المُغتربات، دعماً وتأييداً لآخر خرطوشة في حوزة لبنان “الشعب المشرّد”، ولكن الغاضب والمصرّ على بلوغ الهدف الوطني الأساسي: هل يُنقذ لبنان من قبضة الفساد والفاسدين؟

نختم المقال “القديم” والمقدّمة “المُستجدّة” بالتمنّي أن تكون الحكومة الجديدة هي خاتمة الأحزان وفاتحة آفاق الانطلاقة الجديدة وابداعاتها.