كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”:
تسابق بعض التيارات السياسية الزمن، وتحرق المراحل مستعجلة سحب سلاح المقاومة تحت شعار “حصر السلاح بيد الدولة وتمكينها من بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية”، معتبرة أن الفرصة اليوم متاحة لا بل ذهبية بعد العدوان الاسرائيلي وفي ظل الوصاية الأميركية على لبنان لإستكمال الإنقضاض على المقاومة ومشروعها وتجريدها من سلاحها والانتهاء منه ومن تأثيره إلى الأبد.
ولعل ما قاله رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في ريسيتال معراب لمناسبة الذكرى الخمسين لإنطلاق الحرب الاهلية، بأننا “قطعنا مسافة الألف ميل ولن نضيع الفرصة في الميل الأخير” يظهر إستعجال القوات وسعيها الدؤوب من أجل تحقيق حلمها في سحب سلاح المقاومة بأسرع وقت ممكن مهما كانت الظروف والمعطيات ومهما كانت النتائج والتداعيات على لبنان، وذلك خوفا من متغيرات إقليمية ودولية قد تطرأ وتساهم في تبديل الأولويات في المنطقة ومن ضمنها لبنان، خصوصا مع التقدم الحاصل في المفاوضات الأميركية الإيرانية حول الملف النووي.
يشكل موقف القوات الذي يعتبر أن بسط سيادة الدولة على أراضيها يكون بنزع سلاح المقاومة فقط بغض النظر عن الاحتلال الاسرائيلي الذي يتمدد يوما بعد يوم ويحاول فرض مناطق عازلة تمهيدا لعملية إستيطانية جديدة، صدى واسعا لمواقف بعض الدول الراعية لإتفاق وقف إطلاق النار، حيث يبدو واضحا أن من كل العناوين المتشعبة المطروحة داخليا، المطلوب عنوان واحد منها هو سحب السلاح وإنهاء المقاومة، وأن كل الاتصالات واللقاءات والمواقف والتصريحات الجارية اليوم تدور في هذا الفلك أو تسعى إلى تحقيق هذا الهدف.
ولا شك أن هذه المواقف من شأنها أن تضع لبنان على فوهة من التوترات، كونها تستقوي بالخارج على شريحة واسعة من اللبنانيين وتعتمد منطق التشفي ولغة الاستفزاز معها ولا تراعي الخسائر الكبرى التي تعرضت لها نتيجة هذا العدوان الاسرائيلي المستمر رغم إتفاق وقف إطلاق النار الذي تضربه إسرائيل بعرض الحائط من دون حسيب أو رقيب.
في هذا الاطار، يشكل موقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون صمام أمان في هذه المرحلة، خصوصا أنه يتعاطى مع تداعيات العدوان الاسرائيلي ومع ملف السلاح بمنطق الرئيس الحكم بين اللبنانيين والذي يقف على مسافة واحدة من الجميع واضعا مصلحة لبنان فوق كل المصالح الأخرى.
يدرك الرئيس عون خطورة التعاطي الارتجالي أو الانتقامي مع سلاح المقاومة على السلم الأهلي حيث أكد مرات عدة أنه يشكل خطا أحمرا بالنسبة له ولن يتهاون به، لذلك فإن عون يضع نصب عينيه ثابتتين أساسيتين الأولى تجاه الدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار وتؤكد أن سحب سلاح المقاومة هو شأن داخلي ويأتي في المرتبة الثانية بعد الانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعتداءات وترسيم الحدود وتنفيذ القرار ١٧٠١، والثانية تجاه الداخل اللبناني وتؤكد أن سحب سلاح المقاومة يحتاج إلى هدوء والى حوار حول وظيفته المستقبلية في تشكيل الاستراتيجية الدفاعية لحماية الأمن الوطني.
هاتان الثابتتان اللتان يتمسك بهما رئيس الجمهورية، تقلقان من يستعجل سحب السلاح ويمارس كل أنواع الضغوط لتحقيق ذلك، متناسيا قاعدة: “من إستعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه”!..