Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر November 29, 2016
A A A
علامات الزمن الرديء
الكاتب: امين قمورية - النهار

أراهن انه من الآن والى أن يتسلّم ترامب مهمات منصبه رئيساً، لن يبقى لادارته المقبلة اي صديق في العالم سوى المعتوهين والمخبولين والعنصريين وغلاة التطرف اليميني والحقد الطبقي والاستعمار الجديد وأصحاب النظريات الفارغة عن تفوق العنصر الابيض. فمنذ ان خاض غمار حملته الانتخابية لم يوفر أحداً من حقده وشر لغته السوقية. عبر بالقول والممارسة عن كرهه للنساء والملونين والمسلمين والمهاجرين وذوي الحاجات الخاصة، ولم يوفر في حملته الصاخبة لا الفلسطينيين ولا السوريين والايرانيين والخليجيين ولا المكسيكيين واللاتينيين ولا الآسيويين. وكلما نطق حرفاً اتسعت لائحة المكروهين لنزيل جديد، حتى صار في امكان المتضررين رفع شعار : يا منبوذي العالم اتحدوا.
آخر “لياقات” الرئيس المنتخب، ضربه عرض الحائط حرمة الموت لدى الكوبيين الذين جعلتهم الثورة أحراراً في جزيرة كانت منسية ومسبية في الكاريبي، بعدما حولتها الموجات الاستعمارية المتعاقبة ومنها الاستعمار الاميركي، محطة انتظار للعبيد قبل ان تجعلها لاحقاً سوقاً للدعارة وكازينو للقمار، إذ انهال على زعيمهم الراحل فيديل كاسترو بالسباب والشتائم، ووصفه بأنه كان “ديكتاتوراً وحشياً قمع شعبه”، وأن إرثه يتمثل في “كتائب الإعدام والسرقة والمعاناة”!
لم نكن ننتظر من السيد ترامب ان يصف الراحل بأنه “اسطورة” كما فعل غيره، ولا ان يشيد بالانجازات الكوبية على الأقل في مجال المساواة بين الرجال والنساء والغاء الفروقات العنصرية وتوفير العلم المجاني والرعاية الصحية لملايين الكوبيين واعادة الاعتبار الى أميركا اللاتينية، ولا ان يضيء على فكره الاشتراكي وتطلعاته الى عالم جديد أفضل، بل كان عليه على الاقل ان يصمت، فالرجل الذي رحل نقيضه تماماً ولن يستطيع بقدراته العقلية المحدودة ان يدرك سر سحره أبداً.
ترامب عاش ويعيش من أجل ترامب. لكن كاسترو عاش ومات من أجل كوبا. والسجل الاميركي في مجال حقوق الانسان الذي ينطلق من ابادة الهنود الحمر والذي تجلى في هيروشيما وناغازاكي ونراه عاريا عندنا في فلسطين والعراق وسوريا، لن يكون ميزان العدالة والحقيقة. واذا كانت الديموقراطية التي تتغنى بها أميركا تختصر بتغيير المقيمين في البيت الابيض كل أربع أو ثماني سنوات، فماذا عن عنصرية اللون التي لا تزال متجذرة على رغم اعتلاء اسود سدة الرئاسة الاميركية؟ وماذا عن ازدياد الفقراء فقراً والأغنياء غنى؟ وماذا عن مكانة المرأة وحقوقها بعدما فضح ترامب سترها؟ ماذا عن الانسانية في ظل تسييد الظلم؟
حكاية كاسترو وقيمه ستظل مثار جدل لا ينتهي، لكنها على الاقل تركت لنا الأمل. اذ ستظل العدالة واستعادة الحقوق والتمرّد على الظلم عناوين لثورات آتية. ولكن من علامات الزمن الرديء ان تحاكم أفكار كاسترو، وقت ينصّب ترامب رئيسا لأكبر دولة في العالم.