Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر June 2, 2018
A A A
علامات الاستفهام على مرسوم التجنيس
الكاتب: روزانا بومنصف - النهار

خلال الولاية الممددة للرئيس الراحل الياس الهراوي في القسم الثاني من التسعينات، سعى بقوة الى محاولة تصحيح مرسوم التجنيس الذي صدر في عهده في العام 1994 وأثار ضجة كبيرة، لا بل اصاب عهده بعطب مسيحي كبير، وذلك من خلال ايفاد صديقه النائب الراحل اوغست باخوس الى بعض الدول العربية كسوريا والعراق من اجل استقطاب عائلات مسيحية ترغب في المجيء الى لبنان من أجل تجنيسها، وتاليا إحداث بعض التوازن في الميزان الديموغرافي الذي زاد اختلاله بفعل مرسوم التجنيس.

يومها تصدّى البطريرك التاريخي للموارنة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير لهذا المسعى من خلال اعلانه في اجتماع شهري للبطاركة والمطارنة انه لا يمكن تصحيح الخطأ الذي ارتُكب بمرسوم التجنيس بالخطأ عبر مرسوم تصحيحي آخر ما أدى الى افشال محاولة الهراوي.

وفي الايام القليلة الماضية لم يفهم اللبنانيون اسباب التكتم على اصدار مرسوم قيل إنه حق يعود لرئيس الجمهورية باعتباره عرفاً يمارسه في نهاية عهده كما جرت العادة، وان هناك بضع عشرات من رجال الاعمال الذين “اشتروا” الجنسية اللبنانية. وهو الامر الذي لم يرَ اي وزير في حكومة تصريف الاعمال حاجة الى شرح هذه الخطوة للبنانيين وما اذا كانت حصلت فعلا أم لم تحصل، فيما كان تم الاستشراس قبل شهر من اجل نيل اصوات اللبنانيين الانتخابية، علماً انه وفق المنطق التبريري الذي خرج به البعض، فإن ولاية الرئيس عون ليست في نهايتها بل في بدايتها على حد ما نُقل عن رئيس الجمهورية انتظاره ما بعد الانتخابات ليطلق الحكومة الاولى في عهده.

لكن هذا الحق لا يمكن تجاهله اياً يكن توقيته، انما ان يقتدي لبنان بالدول الغربية او سواها ممن تمنح جنسيتها للمتمولين الكبار الذين يستثمرون لديها فهو امر آخر لا يستدعي تهريب مرسوم للتجنيس اكتسب هذا الواقع من التكتم الرسمي الكلّي ما لم يضم هذا المرسوم اسماء يمكن ان ترسم حولها علامة استفهام كبيرة.
ويبدو ان بعض الجنسيات ممن تثير مخاوف اللبنانيين او حساسيتهم على نحو يناقض كل الصراخ المستمر والمتصاعد عن رفض توطين الفلسطينيين او السوريين، هو مدعاة لاخفاء كل هذه العملية في حال لم تكن هناك اسباب اخرى غير معروفة بعد، من بينها المعيار الذي اعتُمد للاختيار من اسماء موجودة لدى “المؤسسة المارونية للانتشار” او من خارجها، علماً ان مرسوما مماثلا لا يتم بين ليلة وضحاها وعلى اثر طعن نيابي في المادة 49 من الموازنة اوقف المجلس الدستوري العمل بها وكانت اثارت ضجة ومخاوف حول اهداف توطينية من افساح المجال امام تملّك الاجانب. وفي اي حال، اذا كانت خطوة المرسوم صحيحة وتشمل عددا محدودا جدا من رجال الاعمال، فهذا سبب اضافي لطمأنة اللبنانيين وشرح خلفيات الخطوة اذا كانت تندرج من ضمن القوانين على اساس انها لائحة بأسماء متمولين حازوا ثقة السلطات اللبنانية من اجل تجنيسهم وفقا لما سمّاه النائب السابق صلاح حنين الاسباب الموجبة للتجنيس، والانتقال تالياً الى تقديم حجم المبالغ التي ستعود على الخزينة اللبنانية تبعاً للاستثمارات التي سمحت بمنح هؤلاء الجنسية اللبنانية، في وقت ادى غياب الشفافية في هذا الاطار الى اثارة الشبهات ايا كان المسؤولون عن ذلك، خصوصا انه تم تمرير المرسوم في المرحلة الضائعة للتغيير الحكومي، وخصوصا ايضا ان الخطوة تمت على اثر اطاحة المادة 49. وما دام اي مسؤول لم يكلف نفسه عناء شرح هذه الخطوة وتبريراتها للبنانيين، فانه سيبقى صعباً ترسيخ الثقة بان البلد في أيدٍ امينة فعلا، وهناك مصلحة اولى للبنانيين وللبنان يتم احترامها بدلا مما يطبخ في الكواليس، علما ان التذرع بمرسوم التجنيس الذي حصل في عهد الرئيس الراحل الهراوي انطلاقا من ان مرسوم التجنيس الحالي لا يرقى الى ما تسبب به المرسوم السابق، فانما يعبّر عن عدم ادراك للمفاعيل السلبية التي عانى منها عهد الهراوي تبعاً لذلك.

اذ اياً تكن الحسابات التي بنى عليها المسؤولون المعنيون حساباتهم في هذا الشأن، تخشى مصادر سياسية ان التوقيت لهذا المرسوم يُسقط اوهاماً مبكرة ربما لدى لبنانيين كثر بان مكافحة الفساد هي اولوية عمل المرحلة المقبلة، وكذلك صدق النيات حول توطين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، ما دام شراء الجنسية اللبنانية محتمل وممكن عبر اسلوب بهذه السهولة في الاجراءات المتبعة، خصوصا انها خطوة غير معهودة في بيع الجنسية اللبنانية لمتمولين قادرين.

وفي الترجمة السياسية لهذه الخطوة، يقول سياسيون ان المعنيين بها قدموا هدايا سياسية الى طرفين اساسيين على تناقض موقع كل منهما، احدهما هو حزب القوات اللبنانية في الجهة المسيحية من المسألة، والآخر هو حزب الله في الجهة المقابلة في ظل العناوين التي يرفعها كل منهما للمرحلة المقبلة، فيما تُلقى على الشراكة السياسية بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل تهمة اتخاذ مواقف او اجراءات تلتقي اكثر ومصالح الجهتين المعنيتين. وفي الترجمة السياسية خارجياً، ومع ان دولاً عدة تعتمد هذا المبدأ، فان التساؤلات يمكن ان تكون كبيرة حول صدقية لبنان ازاء تبرّمه الهائل من اللاجئين السوريين والفلسطينيين ونقضه مبدأ عدم القدرة على تحمّل المزيد وانتظار الحل السوري لتأمين عودة اللاجئين السوريين مثلا في الوقت الذي يفسح المجال لاستيعاب مقتدرين من بينهم.

تجدر الاشارة الى الثغرة الاهم في هذا السياق والتي انفجرت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وهي انكار حق الأم اللبنانية في اعطاء الجنسية لأولادها لاعتبارات تتصل بزواجها من دول الجوار منعاً للتوطين، فيما يتم بيع الجنسية لمن يشتريها.