Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر July 2, 2019
A A A
علامات استفهام… هل يجيب لبنان ساترفيلد اليوم؟
الكاتب: روزانا بومنصف - النهار

يعود مساعد وزير الخارجية الاميركي ديفيد ساترفيلد الى بيروت اليوم بعد خمسة ايام على تثبيت تعيينه في الكونغرس الاميركي سفيراً لبلاده لدى تركيا وذلك لمتابعة المساعي التي يقوم بها من اجل تأمين المفاوضات بين لبنان واسرائيل على ترسيم الحدود بين البلدين. فهل سيتلقى الاجوبة خلال هذه الزيارة التي قد تكون الاخيرة له او ما قبل الاخيرة والتي ينتظر الحصول عليها من لبنان من اجل متابعة مهمته؟
السؤال قد يبدو غريبا، اذ حتى الآن ثمة مواقف سياسية معممة إعلاميا تفيد بان لبنان ينتظر عودة ساترفيلد بأجوبة عن اسئلة كان قد حمّله اياها. لكن معلومات ديبلوماسية افادت بان الواقع مغاير انطلاقا من ان الديبلوماسي الاميركي ترك في عهدة المسؤولين اللبنانيين، وخصوصا في عهدة الرئيس نبيه بري باعتبار انه المكلف لبنانيا نقل الموقف الرسمي الى ساترفيلد بهذا الشأن، مجموعة نقاط تحتاج الى اجوبة من اجل ان يعود ليكمل مهمته وذلك انطلاقا من زيارته الاخيرة لبيروت في 12 حزيران المنصرم. وفي ظل الصمت المطبق من جميع المعنيين حول الوساطة الاميركية ومضمونها، فان معلومات ديبلوماسية توافرت لـ”النهار” تفيد بان هذه الوساطة تدور حول شروط المفاوضات او شكلها فقط، اي اين ستكون ومَن يشارك فيها، ولا تتعلق اطلاقا بالمضمون بحيث ان مهمة ساترفيلد تركزت تحديدا على محاولة بناء عناصر ثقة بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي والتي لا يمكن استغراب عدم وجودها في العلاقات بين دولتين عدوتين. لكن الديبلوماسي الاميركي يسعى الى ان يبذل ما في وسعه، وفق ما تفيد مصادر ديبلوماسية، انطلاقا من ان مشروع ترسيم الحدود بين البلدين لم يكن مشروعا او مبادرة اميركية بل طلب من واشنطن ان تضطلع بهذا الدور انطلاقا من ان الوساطة التي كانت ترعاها القوات الدولية العاملة في الجنوب برئاسة الجنرال مايكل بيري وصلت الى حائط مسدود، ليس عبر اللجنة الثلاثية التي ترعى القوات الدولية انعقادها دوريا بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي على المستوى العسكري، بل عبر لجنة أضيق من حيث المهمات في ما يتعلق بالتفاوض حول النقاط الخلافية المتعلقة بالخط الازرق، اذ ان النقاط الاكثر قربا من البحر وليس الحدود البرية تحولت الى اشكالية لا تستطيع اللجنة المولجة علاج النقاط البرية تولّي أمرها، ما ادى الى الاستعانة بالاميركيين حين بدأ ساترفيلد التحرك قبل ما يقارب سنة ونصف سنة في هذا الموضوع. وكان الاساس المطلوب من الوساطة الاميركية تضييق الخلافات على الحدود البرية خصوصا في منطقة مسكافعام وكادت ان توصل الى النتائج المطلوبة لولا ان لبنان توجه الى الانتخابات النيابية، ثم الى تأليف حكومة جديدة، فتم تأجيل البحث حول موضوع الحدود على مدى اشهر طويلة لغياب وجود حكومة يمكن ان تقرر قبل ان يعود لبنان فيطلب من الولايات المتحدة استئناف وساطتها، على ان تشمل ايضا البحث في ترسيم الحدود البحرية. الا ان الطلب اللبناني شابته علامات استفهام من الجانب الاميركي على خلفية انه اذا لم يكن هناك موقف لبناني واضح قبل الانتخابات، فهل يمكن ان يتوافر موقف لبناني يمكن الاستناد اليه أياً يكن مَن يمثله او يتحدث به؟ من هنا كان الموقف “الموحد” حين سلّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون السفيرة الاميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد ورقة ضمّنها موقف لبنان والنقاط التي يستند اليها ما حرَّك وساطة ساترفيلد مجددا.
لا تستهين المصادر الديبلوماسية بجهود بناء الثقة بين الجانبين انطلاقا من اقتناع لدى كل منهما بان الطرف الآخر يسعى الى ان يأخذ اكثر من الجانب الآخر فيما يمثل الانخراط الاميركي عبر ديبلوماسي على مستوى عال هو ساترفيلد ويفهم لبنان ويقيم افضل العلاقات مع مسؤوليه، التزاما يعبّر عن جدية واشنطن في انهاء اشكالية حدودية يمكن ان يستفيد منها البلدان على الصعيد الاقتصادي، علما ان مسؤولا آخر انخرط في هذا المسعى ايضا هو جاريد كوشنر. ومع ان واشنطن ملتزمة إكمال ما تقوم به، خصوصا انه اخذ في الاعتبار احتمال تسلم السفير ساترفيلد مهماته في تركيا قريبا، ومن المحتمل ان تكلف واشنطن مَن يتابع وساطته، إلا ان هناك ما يثير علامات استفهام حول استغراق سنة ونصف سنة فقط من اجل تأمين الشروط الشكلية للتفاوض من دون البحث في اي مضمون. هل يعقل ان يستنفد الحديث عن شروط المفاوضات وشكلها منذ كانون الاول 2017 حتى اليوم؟ تسأل المصادر المعنية. وثمة تفهّم اميركي للضغط الذي يمكن ان يكون يتعرض له الرئيس بري نتيجة الذهاب الى التفاوض ومسؤولية الحفاظ او عدم التفريط باي نقطة من المياه اللبنانية، ولكن ثمة عناصر تفرض عدم البقاء في العام 1983 مثلا وعدم الاستفادة من الفرص لاستغلال الثروة النفطية في وقت احوج ما يكون فيه لبنان الى بعض الاوكسيجين في ظل وضع اقتصادي صعب، علما ان اسرائيل ليست سعيدة ايضا ان يتم ترسيم الحدود فيما يبقى “حزب الله” قائما في الجهة الاخرى من الحدود، لكنها وصلت الى اقتناع بانها لن تترك الحزب يخطف المستقبل والقدرات الاقتصادية، وفق ما تفيد المصادر المعنية، لكنها اضطرت الى القبول بتدوير بعض الزوايا كما في قبولها انعقاد جلسات التفاوض تحت علم الامم المتحدة، وهو امر لا يسهل على اسرائيل القبول به وفق هذه المصادر. لكن هذا لا يعني في اي لحظة ان ترسيم الحدود البحرية ارتبط او رُبط بسلاح الحزب او بنزعه، فهذا الامر لم يطرح.
هل ثمة قلق من ان يعيد لبنان التفكير في ذلك او مَن لا يريد هذا الامر في الخارج؟ تعتقد المصادر المعنية ان غالبية اللبنانيين تريد ذلك، كما انها على ثقة بان اسرائيل تريده ايضا لمصلحة امنها القومي ومصالحها الاقتصادية. يبقى ان تتوافر العناصر للانتقال الى المرحلة الاخرى وعدم البقاء في مرحلة البحث في شروط المفاوضات فحسب.