Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر September 18, 2019
A A A
عذر أقبح من ذنب
الكاتب: د. عامر مشموشي - اللواء

فيما كان اللبنانيون بأكثريتهم الساحقة، ومعهم المجتمع الدولي أن يضع مجلس الوزراء الذي إنعقد أمس، مشروع قانون موازنة 2020 على طاولة الجلسة كبند أساسي تعهد رئيس الحكومة ومعه وزير المالية وقبلهما رئيس الجمهورية بإنجازه ضمن المهلة الدستورية أي قبل الخامس عشر من شهر تشرين الأول المقبل، اكتفى المجلس بعرض موجز قدمه وزير المالية عن المشروع المذكور لينصرف إلى درس وإقرار البنود العادية وغير العادية المدرجة على جدول أعمال الجلسة، ومنها تعيينات في عدد من المؤسسات التي قال عنها وزير المالية انها لزوم ما لا يلزم، ويجب إلغاؤها أو إعادة النظر فيها بما يوفّر على خزينة الدولة مبالغ طائلة قد تكون وحدها كافية لخفض العجز إلى الحدود التي تتناسب مع وضع لبنان الحالي والمرهق بالديون. والمحزن المبكي ان ما من أحد من المسؤولين تجرأ وبرر الأسباب التي حالت دون البدء في مناقشة مشروع موازنة العام 2020 لكي يعطي ورقة لرئيس الحكومة الذي سيزور غداً الخميس باريس للقاء الرئيس ماكرون، والبحث معه في الخطوات المقبلة الآيلة للبدء في تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر التي يعوّل الرئيس الفرنسي أهمية عليها لإنقاذ الوضع الاقتصادي والنقدي والاجتماعي في لبنان.

ومن المؤسف أن الوضع كما بدا في جلسة أمس التي عقدها مجلس الوزراء ليس صحيحاً وقد ظهر جلياً من خلال اعتراض عدد من الوزراء على الاسلوب المعتمد في التعيينات والذي من شأنه أن يكرّس سياسة المحاصصة بين الممسكين بالسلطة على حساب المصلحة العامة وسمعة لبنان الدولية كبلد لا يقيم أي اعتبار للكفاءة في التوظيف، ويصر مسؤولوه على تقاسم المغانم وليس أي أمر آخر، وهذا الوضع الذي وصل إليه البلد نتيجة هذه السياسات من شأنه أن يُخفّف من الاهتمام الدولي به، ووجوب مساعدته للتخلص من أزماته، وما حصل بالأمس من شأنه أيضاً أن يُحرج رئيس الحكومة أمام الرئيس الفرنسي ماكرون عندما يسأله عن الإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها حكومته حتى تفي الدول بتعهداتها تجاهه في مؤتمر سيدر، فأين أصبحت مثلاً خطة إصلاح الكهرباء والخطط الاصلاحية الأخرى في معظم إدارات الدولة من التهرب والتهريب الضريبي، إلى النهب المستمر للمال العام إلى التضخم العددي في القطاع العام والذي يكلف الخزينة سنوياً عشرات الملايين من الدولارات الأميركية، وأكثر من هذا وذاك لماذا سحب موضوع المعابر غير الشرعية والشرعية عن جدول الاعمال، وما هي الحجة التي قدمها وزير الدفاع لتأجيله إلى جلسة أخرى لم يتخذ مجلس الوزراء قراراً بتمديد موعدها.

صحيح أن الدولة تتعرض هذه الأيام لضغوط كثيرة من العمالة للعدو إلى قرارات المحكمة الدولية، لكن الصحيح أيضاً ان هذه الدول غائبة تماماً عن الوعي وإن كانت تعرف أن مصيرها مهدد بالسقوط ما لم يغير المسؤولون المباشرون السياسة الحالية المتبعة، والتي تقوم على التأجيل ثم التأجيل بدلاً من أن يخصص هؤلاء المسؤولون كل وقتهم لتحقيق الإصلاحات الضرورية والبنيوية للإنقاذ ولا يجب أن ينسى اللبنانيون سؤال هؤلاء المسؤولين عن مصير الورقة الإصلاحية التي أقرها الاجتماع الموسع الذي انعقد قبل بضعة أسابيع في بعبدا، وهل اكتفى الذين أقروا هذه الورقة بتسجيل موقف عذر أقبح من ذنب؟