Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر October 8, 2024
A A A
طوفان الأقصى يؤجّج شمعته الأولى في لبنان
الكاتب: د. نسيم الخوري

كتب د. نسيم الخوري في “اللواء”:
أمس الإثنين صار عمر «طوفان الأقصى» عاماَ كاملاً إذ بدأت غزّة هجوماً نوعيّاً ومنسّقاً ومُفاجئاً شنّته حركة حماس على إسرائيل صباح السبت 7 تشرين الأّول/أكتوبر 2023 وذلك بإطلاق ما يتجاوز الـ300 صاروخ من قطاع غزّة التي تسيطر عليه حماس باتّجاه إسرائيل. وفي اليوم التالي 8 أكتوبر وجدت قوّات الإحتلال الإسرائيلي نفسها غارقة في مستنقع جنوبي لبنان أعني شمالي فلسطين المحتلة حيث أدارت إسرائيل وجهها نحو الشمال مقابل العمليات المركّزة أو الجبهة الأكثر والأشدّ إيلاماً التي يديرها حزب لله تحت عنوان «المساندة» التي أربكت إسرائيل ودفعتها إلى تشتيت قواتها بين جبهتين في الشمال اللبناني وغزّة الأمر الذي أوصلنا إلى تحويل المعارك نحو جبهة الشمال في حروبٍ عنيفة على الضاحية الجنوبية وقرى الجنوب والعاصمة بيروت التي اتّخذت سبق أن اتّخذت تسمية بيروت الكبرى وصولاً إلى بلاد بعلبك والهرمل والبقاع ومعظم مدن وقرى وبلدات الجنوب اللبناني. هذه المقدمة الحاملة للملامح التأريخية المختصرة، تجعلني أقفز نحو جهات لبنان وشوارعه وساحاته وسطوحه ومدارسه ومستشفياته ومهجريه الذين فرّوا كما الطيور يحوقهم الموت قتلاً، ويرفع حبري الأصابع المئة عاجزاً قطعاَ لا عن الإحاطة بل على الإلمام الطفيف بالكوارث التي حلّت وتحلّ بلبنان الحبيب واللبنانيين قتلاً لمعظم قيادات حزب لله وقصفاً بل تدميراً ممنهجاً مدروساً لأحياء الضاحية التي كان بعضها يكاد يُذكرني بضواحي مدن باريس أو دبي أو غيرها من المدن الحديثة. وها أنني أنقل لكم خبراً أمامي يقول بأنّ 40000 قنبلة زنة الواحدة منها 1000 كيلو وصلت وسوف تصل في القريب العاجل لاستخدامها في لبنان وفلسطين وهو نوع من القنابل سبق استعماله في الـ2006 بسبب احتوائه على مادة اليورانيوم حيث كانت النتيجة أن زادت اعداد الإصابات بالسرطان في لبنان من 10 آلاف إصابة قبل الـ2006 إلى حدود الـ50000 باعتبار أن هذه المادة تسمّم الهواء والتراب. ماذا بعد؟ راح اللبنانيون تحت هول المفاجآت يتابعون الكوارث عبر وسائل الإعلام، والغريب أن أعداد الصحافيات والصحافيين والمحلّلات والمحللين راحوا يشغلون الشاشات 24/24 كما الـ«واتس أب» ووسائل التواصل الإجتماعي داعين الناس إلى حدود التوسّل أحياناً لمشاهدتهم أو متابعتهم واللحاق بهم نحو الإذاعات والشاشات في الوقت المحدّد ولو كان في منتصف الليل، ناهيك عن جيوش الخبراء والخبيرات والمخبرين والمخرّبات والمُخرّبين الذي لا يمكن تصور تعدادهم أو معرفتهم. كلنا يُدرك أنّ الخبير صاحب خبر أو صاحب خبرة لكنّه قد يكون للأسف كاذباً مبخّراً وقد يكون مخرّباً وقد يكون رابخاً من بعيد في أحضانٍ كثيرة لتزويده بالأخبار والأموال. بانت المعارك قاسية مدمّرة وهي تستمر وفق حراك عربي ودولي سخيف وثقيل لا يُسمن من دماء وخرائب وقتلى وجرحى. ولطالما لفتني كما لفت الجميع وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض بل الفارس المتواضع ماليء العيون بتواضعه عبر مهماته الشاقة وتحضيره لمستشفيات لبنان كلّها لمعالجة الجرحى والمصابين وإطلاعه الرأي العام اللبناني والعالمي بهدوء وعلمية وانضباط وحزن على النتائج الكارثية التي تحصل ولا من سماع من الغياب الإنساني المعيب للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومعظم دول العرب والعالم الذي يبدو في حالة عجز رهيب ومرعب لكأنّ طوفان القصف بالصواريخ الهائلة ترقد تحت لحاف كلمات من السرّ لربما تناهت لبعض المرجعيات المحلية والعربية والإقليمية والدولية تحديداً ولله أعلم ويا للغرابة الهائلة. أذهلني شخصياً السكون العارم والناس شبه عراة يملأون الداون تاون أعني ساحات البرج والساحات والشوارع والأرصفة في العاصمة بيروت ومعظم النواحي والمدن والقرى في الأقضية اللبنانية. هاتفت دولة الرئيس نبيه برّي طالباً كمواطنٍ أن يجمع من حوله إن أمكن في عين التينة أو حتى تحت التينة مجموعة من الشخصيات ويُطلق صرخة بأكثر من لغة عربية وفرنسية وانكليزية وروسية بصفته الممثل الوحيد أطال لله بعمره المسؤول والممثّل لكل فئات لشعب اللبناني البائس المحروق والمسروق والمسلوق والجائع والعطشان والمهجر والفقير. يُطلق صرخة بصوته بأكثر من لغة كتبت أمام أكبر عدد من إذاعات وتلفزيزنات العالم يُناشد فيها رؤساء العالم ومنظمات المجتمع الدولي بالإسم ، وكان جوابه حافلاً بالتقدير والمحبة وتابعنا أن اجتمع الرئيس بري مع رئيس حكومة تصريف الأعمال ووليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي السابق فقط، مع أنني للعلم سبق وتواصلت مع مجموعة كبيرة من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين طالباً منهم مساندتي وقد شجّعوا جميعاً وأطروا على الفكرة وقال بعضهم بأنهم سيذهبون في صباح اليوم التالي إلى عين التينة إذ راقتهم المبادرة. لو صففنا معاً نصوص فلسطين والقرارات منذ الـ1948 لأعرضنا عن قراءتها ولو أفقياً وبسرعة، خصوصاً في زمنٍ ضائع يقيّل فيه العرب والشرق ودول العالم كثيراً تحت انتظارات انتخابات رئيس أميركا المقبل، ومع ذلك كنّا وما زلنا نتابع من قبيل التجربة القسرية بحثاً عن الكلمات والخطب المعلوكة في لبنان وفلسطين عبر مطاحن الأمم المتحدة والمطاحن الدولية حيث تبرز النصوص العفنة المتكرّرة المنسوخة الفارغة من أيّ معنى أو محتوى أو تطبيق تماماً كما الأوطان التي خلقت وتستمرّ متعثّرةً كي لا تقول شيئاً قابلاً للتنفيذ. ليعذرني القارئ إن نفذ صبره الآن كي أبرّر معانى تذكيره بانتظارات تاريخية قاسية أوّلها: انتظار الأميركيين ودول العالم التي تناست حتى انهيار الإمبراطوريات عندما تشهر «حق القوّة فقط بديلاً من قوّة الحق»، لتعصف بها الأزمات البطيئة وتبدأ مخاطر الانحدار والإنهيار، وما إمبراطوريات بيزنطية واليونان والرومان وبريطانيا وحضاراتها المتعددة سوى أمثلةٍ لم تُحجز لها في القواميس أكثر من خمسة أسطر حروفها بمقياس 9 أسود . أمّا ثانيها فلتّذكير بتلك الاهتزازات والثورات التي عصفت بجذور اليمن وتونس (تنتظر التجديد لرئيسها) ومصر وسوريا وغيرها من الدول العربية المرتجفة بين فرقعة أصابع الدول الكبرى ليحطّ العالم في مستقبل هذا الغموض الكثيف والخوف الهائل الذي يزنّر لبناننا وشعوبنا وخيراتنا وأجيالنا الطرية في غياب للعدالة والمساواة وتجديد الطواقم الشابة ونقد القوانين المحلية والدولية لا الخضوع لها واحترامها فحسب بالكلام. ثالثها وهو الأهم، فكوني ساهر حتى الخامسة صباحاً، بعدما فرغت من قراءة كتاب ل حنّا خبّاز مترجم جمهورية أفلاطون، والدكتور جورج حدّاد أستاذ التاريخ في الجامعة السورية، بعنوان: «فارس الخوري، حياته وعصره»، وفيه مئات النصوص والخطب الداعية من منابر الأمم لاستقلال فلسطين ولبنان وسوريا ومصر وليبيا وتونس والمغرب ولنوقف العدّ والتعداد مستفرغين التاريخ، ونختم: سبعة وسبعون عاماً من يوليو/تموز 1947 إلى اليوم 8/اكتوبر 2024 وكأن الزمان يدور حول ثقله وأحداثه وضحاياه التي لا تعداد لها، يدور كما أحجار المطاحن الفارغة لتبدو لنا قراءة النصوص والأحداث والقرارات القديمة والجديدة معلوكة مستنسخة لا طعم لها ولا تاريخ ضاعت في خلالها فلسطين وغيرها وتعب تاريخ لبنان المتشظي والخائف بأجياله والذي يقاتل نيابة عمّن لست أدري في لبنان وفلسطين الباقية بثيابها الممزقة المدمّاة في أروقة الأمم المتحدة نصوصاً لا طعم لها عبر ألسنة رؤساء الدول المبهمة ومبادراتها الملتبسة، ونضيع معها لبنانيين اليوم ولا أقول عرباً أو مسلمين حبّة بعد حبّة في مقابر الأوطان ومستشفياتها بلا أبواب وفي المنافي نحو أرجاء الدنيا وأرصفتها.