Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر October 7, 2024
A A A
طوفان الأقصى في عامه الأول.. إسرائيل تغطي فشلها الميداني بالمجازر والتدمير!
الكاتب: غسان ريفي

كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”

في مثل هذا اليوم من العام الماضي إستفاق العالم أجمع على إهتزاز “حكومة الكون” التي تتحكم بكل مفاصل وتحركات وإقتصادات ونفوذ وتسليح الدول، وتُحرك رؤساءها بالاتجاهات التي تريد، وذلك بفعل عملية عسكرية جهادية بطولية غير مسبوقة لكتائب شهداء الأقصى في حركة المقاومة الاسلامية “حماس” في العمق الاسرائيلي تمثلت بإقتحام الجدار وخوض حرب شوارع مع الجيش الصهيوني وقتل عدد كبير من جنوده وضباطه والعودة بعد نحو ثماني ساعات ب غلّة وفيرة من الأسرى الاسرائيليين من عسكريين ومدنيين.

جنّ جنون إسرائيل وجنّ العالم بأسره معها، وتدفق رؤساء الدول الى فلسطين المحتلة للتعبير عن الحزن والاستنكار ل”غزوة حماس”، في الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل برد عسكري غير طبيعي على قطاع غزة إستمر سنة كاملة وإنتقل الى جنوب لبنان وبقاعه وضاحية بيروت من دون أن يكون في الأفق أية حلول في ظل غطرسة وهمجية ووحشية صهيونية تسيطر على الأجواء قصفا وتدميرا وقتلا للمدنيين، وتتعرض لكل أنواع الفشل والاخفاق في الميدان.

شكلت “غزوة حماس” أكبر هزيمة عسكرية لإسرائيل منذ تأسيس الكيان الغاصب، وأظهرت ضعف الاستخبارات الصهيونية وفشل منظومتها الأمنية والعسكرية في تأمين حمايته وحماية مستوطنية، وأدت الى فقدان الثقة بها، وأسست لهجرة عكسية الى الدول التي يتحدر منها الاسرائيليون بعدما فقدوا الأمن والأمان والاستقرار في أرض فلسطين.

ولعل من أهم نتائج طوفان الأقصى قبل عام هي أنها أعطت المواطن العربي أملا في إمكانية مواجهة هذا الكيان الغاصب وتحقيق الانتصار عليه، خصوصا بعد تحرير لبنان في العام ٢٠٠٠ وإنتصار تموز ٢٠٠٦، لذلك كان الهدف الأساسي هو قتل هذه الفكرة في مهدها وإنتزاعها من خلال عدوان إسرائيلي وحشي يختزن كل أنواع جرائم الحرب وضد الانسانية، وهو لم يوفر طفلا أو شيخا أو إمرأة أو أبنية سكنية ومستشفيات ومدارس ومراكز إيواء ودور أيتام وعجزة وحتى المساجد والكنائس.

وجد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن رأسه مستهدف وأنه سوف يواجه محاكمة قاسية بفعل مسؤوليته عن أكبر هزيمة تلحق بإسرائيل في تاريخها، معطوفة على ملفات الهدر والفساد وإنقلاب الرأي العام داخل المجتمع الاسرائيلي عليه والمطالبة بإسقاطه وإجراء إنتخابات مبكرة.

لذلك سارع نتنياهو الى إعلان الحرب على حماس وقطاع غزة وتحديد أهدافها على وقع نشوة كبرى وفرها الدعم الدولي والعالمي والذي تُرجم بوصول الطائرات الرئاسية من كل أنحاء العالم الى تل أبيب وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي جو بايدن الذي دخل فورا في هذه الحرب، شريكا وممولا ومسلِحا وموجها وداعما ومديرا.

عام مضى على أطول حرب تخوضها إسرائيل مع المقاومة الفلسطينية والمقاومة الاسلامية في لبنان التي أعلنت عن فتح جبهة إسناد غزة في الثامن من أكتوبر، ولعل طول أمد هذه الحرب يعود الى أسباب عدة أبرزها:

أولا: فشل نتنياهو في تحقيق أهداف الحرب التي أعلنها على قطاع غزة، لجهة القضاء على حماس، وإستعادة الأسرى الاسرائيليين بالقوة وتشريد الفلسطينيين من شمال القطاع.

ثانيا: فشل نتنياهو بعد ذلك، في تحقيق أهداف العدوان على لبنان، لجهة إعادة المستوطنين الى منطقة شمال فلسطين بأمان، والدخول الى الأراضي اللبنانية وإحتلال الشريط الحدودي لاجبار حزب الله على التراجع الى ما بعد شمال الليطاني.

ثالثا: فشل نتنياهو في تقديم أي إنجاز عسكري فعلي للمجتمع الاسرائيلي وفي إرضاء المعارضة وأهالي الأسرى والاستعاضة عن ذلك بجرائم إرهابية تمثلت بالاغتيالات التي طالت أركان المقاومة داخل قطاع غزة وفي لبنان بدعم تكنولوجي أميركي بريطاني ألماني، وبتوفير بنك معلومات عالمي حول كيفية الوصول الى كل مستهدف من الشهداء القادة وعلى رأسهم سيد المقاومة الشهيد حسن نصرالله.

رابعا: الصمود الاسطوري للمقاومة الفلسطينية في غزة، ولرجال حزب الله في ميدان الحدود اللبنانية الفلسطينية، وعدم تمكين الجنود الصهاينة من التقدم خطوة واحدة باتجاه الأراضي اللبنانية وإلحاق الخسائر الجسيمة بهم وبآلياتهم.

خامسا: الدعم الأميركي الكامل لاسرائيل وإقتناع جو بايدن أنه يستطيع مع منافسه دونالد ترامب أن يخوضا هذه الحرب الطويلة على دماء الفلسطينيين واللبنانيين.

سادسا: المماطلة باتصالات دبلوماسية غير جدية كانت تهدف في كل مرة الى “ذر الرماد في العيون”، إضافة الى محاولات كسب الوقت من قبل نتنياهو عله يحقق هدفا واحدا من أهداف الحرب التي بالرغم من مرور عام على طوفان الأقصى ما تزال بعيدة المنال.

سابعا: إقتناع نتنياهو أن مستقبله السياسي مرتبط بهذه الحرب التي يجب أن تستمر كونها قادرة على إطالة عمره السياسي، وكفيلة بتمكينه من مواجهة معارضيه وإبقائه على رأس السلطة وإبعاد عنه كأس المحاسبة والمحاكمة، ما جعلها حربا شخصية بإمتياز.

ثامنا: فشل الأميركي والصهيوني معا في فصل جبهة الاسناد في جنوب لبنان عن جبهة غزة وعن جبهات محور المقاومة لا سيما في اليمن الذي كان له تأثيرا كبيرا جدا في الضغط من خلال العمليات العسكرية التي قام بها وأغلاقه البحر الأحمر أمام السفن التي لها علاقة بالكيان الصهيوني وكذلك العراق.

تاسعا: فشل المخطط الصهيو-أميركي بتهجير الفلسطينيين من غزة الى سيناء في مصر وفلسطينيي الضفة الى الأردن، فضلا عن الخطأ الاستراتيجي الذي إرتكبه نتنياهو بإضافة هدف جديد الى أهداف الحرب التي لم يحقق منها شيئا، وهو تغيير وجه الشرق الأوسط والذي جاء الرد الايراني الأخير والخسائر التي تلحقها المقاومة بجنود الاحتلال في الجنوب ليعيدا هذا الأخير الى حجمه الطبيعي ومن ثم الى المربع الأول من المحاسبة داخل الكيان.

بعد عام كامل من المواجهات العنيفة والحرص الاسرائيلي على قتل المدنيين سقطت فكرة الجيش الذي لا يقهر، والمجتمع الاسرائيلي الذي كان يعيش حياة طبيعية عندما كان جيشه يعتدي على الفلسطينيين أو لبنان، بات يواجه تداعيات الحرب شللا إقتصاديا وخسائر مالية وقتلى وجرحى ونزوح ودمار، وتبين بالوجه الشرعي أن إسرائيل “أوهن من بيت العنكبوت” لولا الدعم الدولي والأميركي على وجه الخصوص الذي يوفر لها كل مستلزمات القتل والتدمير مالا وسلاحا وطائرات، ويمنحها الدفاعات الجوية للدفاع عن كيانها والأمثلة على ذلك كثيرة.

وأظهرت حرب السنة أن العالم فقد إنسانيته بكل ما للكلمة من معنى، وأن القضية الفلسطينية في مكان والعرب في مكان آخر، وهم في أكثريتهم إما متآمر أو متواطئ أو جبان متخاذل أو عميل، خصوصا أن الصمت العربي الرهيب على ما ترتكبه اسرائيل بحق الفلسطينيين واللبنانيين على مدار عام كامل ليس له أي تفسير آخر.

لا شك في أن طوفان الأقصى الذي دخل عامه الأول، حوّل القضية الفلسطينية من قضية عربية منسية، الى قضية البشرية جمعاء، وأكد أنها قضية لا تموت طالما أن أجيال وأفواج المقاومة تبذل الدماء على طريق القدس، وتواجه العدو الصهيوني الذي لا يفهم سوى لغة القوة ومنطق المقاومة التي كلما ظن البعض أن جذوتها قد إنطفأت تعود لتشتعل من جديد وبزخم أكبر.

واذا كان جيش الأيتام الذي نتج عن العدوان الاسرائيلي على غزة بين عاميّ ٢٠٠٩ و٢٠١٤ نجح في تحقيق إنجاز ٧ أكتوبر، فإن التحرير قد يكون على يد جيش الايتام الذي شكلته إسرائيل بعدوانها على غزة بعد طوفان الأقصى والمستمر منذ سنة كاملة.

واذا كان السيد حسن نصرالله قد إرتقى شهيدا على طريق القدس، فإن دماءه ستشكل وقودا للمقاومة التي تسطر اليوم ملاحم من البطولة في التصدي للعدو الاسرائيلي وهي مستمرة الى أن يحين موعد الصلاة في المسجد الأقصى محررا..