Beirut weather 19.1 ° C
تاريخ النشر June 18, 2017
A A A
طبول الحرب تُقرع على أسوار الرقّة السورية!
الكاتب: علي الحسيني - الأفكار

بدأت منتصف الاسبوع الماضي معركة الرقة وذلك بعد فترة طويلة من الأخذ والرد بين الولايات المتحدة الاميركية وتركيا على خلفية اعتماد الأولى على قوات (سوريا الديموقراطية) الفصيل الكردي المقاتل الذي يعتبر بأن معركته اليوم في الرقة، هي تتويجاً للمعركة الاستراتيجية التي حصلت في كوباني والتي كانت بالنسبة للأكراد نهاية حلم تنظيم داعش في السيطرة على سوريا أو بداية النهاية. لكن للرقة أهمية خاصة اليوم، إذ انها تُعتبر عاصمة (الخلافة) لداعش وآخر مستقر له على الأراضي السورية.

انطلاق المعركة الكبرى
انطلقت المعركة ضد داعش في ميدان الحرب الكبرى في مدينة عمرها آلاف السنين اسمها الرقة. مدينة تحوّلت منذ العام 2014 إلى ابرز معاقل للإرهاب في المنطقة بعد سيطرة تنظيم داعش عليها بشكل مُحكم ومُطبق، فعاث فيها قتلاً ورعباً وفساداً وجعلها عبرة لكل من يُفكر بالقضاء على فكر التنظيم أو المساس بأيديولوجيته وتركيبته. ومن المعروف أن الرقة وفي شهر آذار العام 2013 اي بعد عامين على اندلاع الحرب في سوريا تحت اسم الربيع العربي، تمكن مقاتلو المعارضة من السيطرة عليها لتكون أول مركز محافظة في سوريا يخرج عن سلطة النظام. واعتقل مقاتلو المعارضة المحافظ وسيطروا على مقر المخابرات العسكرية بالمدينة، كما تم تدمير تمثال الرئيس الراحل حافظ الأسد. لتعود بعدها وتندلع معارك عنيفة بين داعش ومقاتلي المعارضة وبينهم النصرة وانتهت بسيطرة الدواعش على كامل مدينة الرقة. وفي حزيران 2014، أعلن داعش إقامة (دولة الخلافة) انطلاقاً من الأراضي الواسعة التي سيطر عليها في العراق وسوريا.

تابع داعش اجرامه بدعم دولي وبحلول آب العام 2014، سيطر بشكل كامل على محافظة الرقة بعد انتزاع مطار الطبقة من قوات النظام. ليلجأ بعدها إلى الإعدامات الجماعية وقطع الرؤوس وعمليات الاغتصاب والسبي والخطف والتطهير العرقي والرجم وغيرها من الممارسات الوحشية في الرقة، ففرض سيطرته ونشر الرعب بين الناس. كما حرص داعش على استخدام كل التقنيات الحديثة لتصوير فظاعاته على أشرطة فيديو ونشرها على مواقع التواصل بهدف بث الرعب في قلوب الناس. وخلال السنوات الثلاث الماضية تحت تسلط وقهر داعش، عانى سكان الرقة من قواعد صارمة واعتداءات وحشية منعتهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، فبات التعليم خلف الأبواب الموصدة وحتى علاقات الحب اصبحت سرية وبعيدة عن أعين عناصر التنظيم المتشددين.

واليوم تعيش الرقة التي يبلغ عدد سكانها اكثر من 400 ألف نسمة من بينهم مئة على الأقل نزحوا من حلب، في وضع صعب في ظل سيطرة داعش، فعدا عن العذابات والقهر النفسي الذي يُمارس بحق الناس، ثمة غياب واضح لكل المقومات التي يُمكن ان تواكب العصر وأن تتماشى مع الزمن الحديث. وعلى سبيل المثال، فقد قطع داعش خدمة الانترنت عن المنازل والمحال وأبقاها ضمن مقاه معدودة تابعة له تُعلم الاطفال كيفية خوض الحروب من خلال لعب الكترونية تنطق بلسان مذهبي وطائفي وتُحرض على قتل كل شخص لا يحمل فكر التنظيم ولا يقتدي بتعاليمه الدينية والحياتية. كما الغى داعش الدراسة بالمنهج الحكومي، فمنع تعليم الفيزياء والكيمياء واقتصرت مدارسه على تدريس الشريعة، وتركز حصص الحساب على الرصاص والقنابل والسلاح. ويقول أحد الأساتذة السابقين في الرقة، رافضاً الكشف عن اسمه، بات درس الرياضيات عبارة عن عمليات حسابية لتعداد البنادق والمسدسات والقنابل والسيارات المفخخة. كما توجد مادة يطلق عليها العقيدة تشرح العمليات الانتحارية وطرقها ونتائجها من رضا الله والحوريات في الجنة.

ومن المعروف أن العديد من الاهالي في الرقة، رفضوا ارسال أبنائهم إلى مدارس داعش بهدف حمايتهم من الافكار المتطرفة وخوفاً من لإرسالهم الى الجبهات او تنفيذ عمليات انتحارية. واستعاضوا عن هذه المدارس بأخرى تُدرس في المنازل سراً خلف الابواب الموصدة خوفاً من معرفة الارهابيين، خصوصاً وأن كشف هذه الامور سوف تؤدي حتماً إلى عمليات إعدام وقطع الرؤوس كونها تخالف الشريعة الاسلامية بحسب مفهوم داعش.

هل ينتهي حلم داعش؟
ما زال التنظيم الاجرامي يقاتل من أجل بقائه في كل من الرقة والموصل، ففي حين تعتبر التحليلات السياسية العربية بأن القضاء عسكرياً على <داعش> في المحافظتين سوف يؤدي إلى زواله من الوجود بشكل كامل كون وجوده يتكل فقط على الجانب التسليحي، يرى محللون عرب بأن هذه النظرة تبقى ضعيفة خصوصاً وأن داعش تحول في الفترة الاخيرة إلى فكر ومدرسة في العديد من المجتمع الاسلامي وتحديداً المتطرف مثل الباكستان او أفغانستان وفي بعض المناطق في البلدان العربية. فما يحصل في مصر من عمليات قتل بحق الاقباط وبحق الجيش والشرطة، وما يحصل أيضاً من عمليات دهس وقتل في أوروبا، وما حصل منذ ايام في طهران وهي المرة الاولى التي تصل فيها يد الارهاب الى عقر دار الايرانيين، هو خير دليل على أن داعش أصبح يمثل خطراً فكرياً أشد من خطره العسكري. كما لا بد من التأكيد على ان ما يجري اليوم بين الدول العربية والذي تخلله قطع العلاقات مع دولة قطر، هو ناتج عن الاتهامات المتبادلة بين هذه الدول بين داعم للإرهاب، وبين مطالب بإنهائه وضربه بكافة الطرق ولو على حساب خزائن هذه الدول.

الاتكال على الاميركي
انطلاق معركة الرقّة بمواكبة جويّة من طيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، يعني انطلاق المرحلة الميدانية الأخيرة من الحرب على الحيّز الجغرافي للإرهاب، والتعويل على ذلك لمتابعة استهداف مناخاته فكرياً ووظائفياً، جاء بعد أن تمدد الارهاب الى داخل الدول العربية وبدأ يأكل من أمنها ومن خوف مواطنيها على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. ومن هنا يبدو ان الدول العربية التي تنضوي في الحلف الاميركي بقيادة دونالد ترامب، قررت ان تخوض المعركة ضد داعش بكل ثقلها المادي والمعنوي تحت عنوان الاستئصال الكامل من الجذور لا التقسيط المريح.

كما وأن الولايات المتحدة ما تزال تتلقى المزيد من العروض، بالنسبة لمشاركتها بشكل مباشر في عملية تحرير مدينة من دون أن تصدر كلمة السر الخاصة حتى الساعة مع تعويلها الكامل على دعمها لقوات سوريا الديموقراطية ذات الأغلبية الكردية. لكن هذا الأمر لا يلغي الخلافات التي لا تزال قائمة بين كافة الوكلاء، الراغبين في حجز موقع لهم في هذه المعركة الاستراتيجية، نظراً للتداعيات الكبيرة التي ستتركها على المشهد السوري العام. وفي هذا السياق، يشبّه البعض الواقع الذي يحيط في هذه المعركة بذلك الذي كان قائماً قبل انطلاق عمليات تحرير مدينة الموصل العراقية، بسبب تعدد اللاعبيين الاقليميين والدوليين، بالإضافة إلى ان وجود رغبة لدى كافة حلفاء الولايات المتحدة في تقديم أوراق اعتمادهم إلى الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، في حين أن روسيا تسعى إلى ابرام تسوية مع واشنطن تستطيع من خلالها الدخول على الخط، بعد أن بات واضحاً أن الرقة من حصة واشنطن في تقاسم منطق النفوذ بين القوتين العظميين.

وعلى هذا الصعيد، تبرز قوات سوريا الديموقراطية التي تعتبر أن الأولوية لها من أجل الدخول إلى المدينة، حيث تخوض معركة حصارها من الناحية الشمالية، بالرغم من الإعتراضات التي تبديها الحكومة التركية التي تعتبر هذه القوات من أبرز أعدائها، تحت عنوان ضرورة أن تكون الفصائل المشاركة في تحرير الرقة عربية ساعية من خلال ذلك تكرار تجربة عملية درع الفرات في ريف حلب الشمالي بعد السيطرة على مدينة الباب الاستراتيجية. أما من وجهة نظر أنقرة التي كانت توجه الكثير من الانتقادات إلى الإدارة الأميركية السابقة، فهناك فرصة لإطلاق مرحلة جديدة في العلاقة مع واشنطن بعد تسلم ترامب زمام الأمور، عبر تخليه عن القوات الكرديّة مقابل أن تتولى هي تغطية النقص الذي سينتج عن ذلك، في حين أن الولايات المتحدة تدرك جيداً أن مثل هذا الخيار يعني خسارتها الحليف الأقوى على الساحة السورية، بعد سنوات من التعاون المتعدد والتنسيق الكامل، وهو الأمر الذي تنتظره روسيا بفارغ الصبر لتقدم نفسها كبديل إلى تلك القوات.

التحالف: معركة الرقة طويلة
في بيان له، قال التحالف الدولي ضد داعش إن معركة انتزاع السيطرة على مدينة الرقة ستكون طويلة وصعبة لكنها ستوجه ضربة حاسمة للفكرة التي يقوم عليها التنظيم، وقد بدأت قوات سوريا الديموقراطية اليوم معركة الرقة لانتزاع المدينة من يد التنظيم. كما وانه من الصعب إقناع المقاتلين الجدد بأن داعش قضية رابحة عندما يخسرون عاصمتيهما في العراق وسوريا ولذلك فإن بعد إلحاق الهزيمة بالتنظيم في الموصل والرقة سيظل هناك الكثير من القتال الصعب، لكن هذا التحالف قوي وملتزم بالقضاء نهائياً على <داعش> في العراق وسوريا. ويعتقد التحالف أن ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف من مقاتلي التنظيم هم متحصنون بالرقة، حيث أقاموا دفاعات لمواجهة الهجوم. وبدورها أشارت واشنطن إلى أنها بدأت توزيع السلاح على وحدات حماية الشعب التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية للمساعدة في هجوم الرقة، في إطار خطة أثارت غضب تركيا التي تشعر بالقلق من تنامي نفوذ الأكراد في الشمال السوري.

أما المتحدثة باسم حملة (غضب الفرات) جيهان شيخ احمد، فقد أكدت ان 750 مقاتلاً من المكون العربي في ريف الرقة انضموا الى قوات سوريا الديموقراطية وقد تم تدريبهم وتسليحهم من قبل قوات التحالف الدولي. وكما هو معروف فإن ثلاثين الف مقاتل ينضوون في صفوف قوات سوريا الديموقراطية، ثلثاهم من المقاتلين الاكراد. وتمكنت هذه القوات منذ تأسيسها في تشرين الاول2015  من طرد المسلحين من مناطق عدة في شمال وشمال شرق سوريا. ويشكل دعم واشنطن لها مصدر قلق دائم لتركيا، اذ تصنف هذه الاخيرة وحدات حماية الشعب الكردية منظمة ارهابية. لكن تحرص واشنطن على التأكيد مراراً انها تسلح المكون العربي لقوات سوريا الديموقراطية وليس المكون الكردي.

هل تطيح الخلافات بالمعركة؟
ما زالت تصر تركيا على رفضها السماح لقوات سوريا الديموقراطية الدخول في معركة الرقة وهي تعتبرها حركة ارهابية، بل وتستهدفها بضرباتها الجوية والمدفعية، وحتى أن تركيا ترفض تقديم المساعدة في المعركة قبل أن تحصل على تعهد بعدم مشاركة الكرد. في المقابل يبدي أكراد سوريا، حذراً شديداً من أي تقدم تحققه تركيا على الأرض السورية، فهم يعتبرونها العدو الأول والخطر المحدق بمستقبلهم ومستقبل مشروعهم. ومن المؤكد، انه لا يمكن لمعركة الرقة أن تحسم من دون قوات على الأرض من أبنائها وأبناء العشائر العربية السنية فيها وحولها وهذه القوة، ليست متوافرة بعد كون كل مشاريع التدريب والتأهيل التي تجرى على عجل، لا تكفي لإثارة الطمأنينة لجهة حسم المعركة ضد داعش. أما دخول تركيا على الخط، فلا يعني شيئاً سوى نقل التركيز من الحرب على داعش إلى المواجهات المؤكدة بين الأكراد والأتراك على الأرض السورية، وهذا آخر ما تريده واشنطن، أقله في هذه المرحلة.

وفي ضوء هذه العقبات والتعقيدات، يبدو الاهتمام الأميركي – الفرنسي بمعركة الرقة، تزامناً مع معركة الموصل، ليس سوى نوعاً من حجز مسبق لمنطقة نفوذ في سوريا، وتسييجها ببعض الخطوط الحمراء، لإبعاد الخصوم عنها أو التفكير في استعادتها، على أمل أن تحين اللحظة لجعل السيطرة على هذه المنطقة، أمراً ممكنا. لكن مشروع استرداد الرقة من داعش، قد لا ينتظر طويلاً، فثمة قوى عديدة، عينها أيضاً على الموصل، وربما تمتلك القدرة على فعل ذلك، خصوصاً بعد حسمها معركة حلب. وهنا المقصود بالطبع، روسيا وحلفاؤها من جيش النظام والايرانيين والفصائل المقاتلة التي تنضوي تحت جناحهم.

تاريخ الرقة وموقعها
تقع الرقة في شمال سوريا على الضفة الشرقية لنهر الفرات على بعد حوالى 160 كم شرق مدينة حلب، وهي حالياً من اهم المدن التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية داعش وتعتبر بمنزلة عاصمة له. ومنذ اواسط السبعينيات يعتمد اقتصاد الرقة على سد الفرات وعلى الزراعة وعلى الحقول النفطية المجاورة. وقد بسط داعش سيطرته على كامل احياء المدينة بعد ان استولى على كافة مقار فصائل المعارضة في المدينة كونها تشكل له اهمية خاصة بسبب موقعها الاستراتيجي والعسكري ووجود موارد امداد لوجستية وعسكرية. ويمتلك داعش في مدينة الرقة ما يقارب 5000 مقاتل جاهزين لتنفيذ عمليات تفجيرية في العمق السوري وكان اغلبها مجهز ضد النظام.