Beirut weather 29.65 ° C 3 Jul 2025 - 12:44:15
تاريخ النشر June 16, 2025
A A A
صواريخ إيران تحيي الأمل الغزّي: للقطاع اليتيم… آباء
الكاتب: يوسف فارس

كتب يوسف فارس في “الأخبار”

لا تكسر الصواريخ الإيرانية التي تمرّ في سماء غزة رتابة المشهد الذي تصنعه الطائرات الحربية الإسرائيلية فحسب، إنّما تشيع أيضاً حالة جديدة من الطمأنينة، بعدما أيقن الأهالي الذين يقاسون حرباً مستمرة بلا أفقِ نهاية منذ 20 شهراً، أنهم تُركوا لمصيرٍ لا تتدخّل إرادة الأرض ولا معجزات السماء لتغييره. وفي ساعات المساء، حين يشقّ وابل الصواريخ العابر الظلام، ويضيء السماء، تبدأ حالة احتفالية عفوية، لتضجّ خيام النازحين وما تبقّى من الأبنية بالتهليل والتكبير والفرح. وبعدما عادت شبكات الإنترنت إلى العمل، إثر عزلة قسرية استمرّت أربعة أيام، صارت مشاهد الدمار التي يخلفها القصف الإيراني حديث الشارع.

يصنع الأهالي مقارنات بين الأبنية المدمّرة في شمال القطاع وجنوبه، وبين الخراب في تل أبيب: إحدى البنايات التي انقضّ عليها صاروخ فرط صوتي، تتشابه بعد تدميرها الجزئي مع برج شهير في غزة. «برج شوا حصري نسخة تل أبيب»، يعلّق أحد النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، فيما يتحدّث آخر عن مشاهد انتشال القتلى من تحت الأنقاض، قائلاً: «هذا الانتقام والخراب في عمق دولة الإبادة، يطفئ غضب الرحمن».

في المجتمع الذي أعادت الحرب تشكيله، ثمّة الكثير من الآراء المتباينة حول جدوى المقاومة وضريبة رفض الإملاءات الإسرائيلية والأميركية، إلى حدّ يمكن القول معه إنّ التكلفة التي دفعها المجتمع ولا يزال، قد أنتجت اتجاهاً مفرطاً في الواقعية حدّ التشاؤم، يرى أننا دخلنا في الزمن الإسرائيلي الذي لا فكاك منه. وقد وجد هؤلاء في الضربة الإسرائيلية الأولى لإيران، فجر الجمعة الماضي، التي قضى فيها العديد من قادة «حرس الثورة» والعلماء النوويين، دليلاً يدعّم إحباطهم. غير أنهم أنفسهم باتوا يهلّلون للفعل العسكري المؤثّر، ويتفاخرون بقدرة الجمهورية الإسلامية على امتصاص الضربة.

وفي هذا الإطار، يقول غسان معين، في حديثه إلى «الأخبار»، إنّ «الطغيان الإسرائيلي والدعم المطلق من العالم كله، وتجارب سابقة فقدت فيها فلسطين أهم دعائم صمودها، من أمثال السيد حسن نصر الله وقادة حزب الله، كسرتنا من الداخل». ويضيف: «نحن بشر، ومعنوياتنا تتأثّر بكل تلك الضربات، وقد تُدخل الوهن في نفوسنا، لكنّنا بعدما شاهدنا الردود المؤثّرة والعناد الإيراني، دبّت فينا الحياة مجدّداً. شعرنا أنّ لغزة اليتيمة آباء، يواصلون النهج ويرفضون الظلم».

أما الأكثر أهمية ممّا تقدّم، فهو سقوط سردية «المسرحية» التي داوم الإعلام العربي التقليدي على ترديدها، طيلة أربعة عقود، من قِبل جوقة من الصحافيين والكتّاب والإسلاميين. هؤلاء، وجدوا أنفسهم في حالة إنكار قصوى للواقع «الصارخ»، فلم يجدوا سوى التحوّل إلى معزوفة أنها حرب «ليست من أجلنا». على أنّ أصواتاً كهذه، بكلّ تأكيد، لا يسمعها النازحون ولا الجائعون، الذين يعبّرون عن الصدى الوطني الفطري.

وإزاء ذلك، يقول أبو رامي حسين، وهو نازح من مخيم جباليا إلى حي الشيخ رضوان: «سينكر المرجفون كل حقيقة، إيران التي قدّمت قادتها من قاسم سليماني إلى حسين سلامي وعلي شمخاني، شهداء على يد العدو الإسرائيلي أقرب إلى غزة وفلسطين من كل اللّحى الكاذبة»، لافتاً إلى أنّ «هذه الحرب الفاضحة والكاشفة، لم تبقِ على أحد ستراً مغطّى إلا فضحته: الجيل الذي عايش الحرب، يقارن اليوم بين مَن يقصف إسرائيل وبين مَن يدافع عن سمائها بكل وقاحة في الأردن. لا شيء يمكن التّعمية عليه بعد اليوم».

وعلى صعيد الميدان، لم يلجم انشغال جيش الاحتلال بأكبر الحروب وأهمها آلة القتل، إذ يسجّل بشكل يومي استشهاد ما لا يقل عن 30 مواطناً أثناء محاولاتهم الحصول على المساعدات من مراكز التسليم الأميركية التي أضحت مصائد للموت. لكنّ الاختلاف هو تراجع حدّة حضور سلاح الجو؛ إذ تغيب الطائرات المسيّرة لساعات طويلة، مع تراجع ملحوظ في وتيرة الاستهدافات من الطيران الحربي. ومع ذلك، يواصل جيش العدو المحافظة على إخلاء أكثر من 75% من مساحة القطاع بوصفها مواقع قتال خطيرة.