Beirut weather 15.41 ° C
تاريخ النشر May 30, 2021
A A A
صناعة الألبسة اللبنانية تنتعش.. والمصارف تخنقها
الكاتب: إيمان العبد - المدن

بلد “الموضة المستوردة من الخارج” واستعراضها، مقولة كانت تختصر تباهي اللبنانيين بأزيائهم، فيما كان حال قطاع صناعة الألبسة الوطنية مأزوم دوماً! ولكن الأزمة الاقتصادية والمالية الطاحنة، التي حطت رحالها في بلد الموضة-الاستعراض، منذ بداية عام 2019، هبطت بنسبة استيراد الألبسة هبوطاً كبيراً، فأقفلت كثرة من متاجرها الكبرى والصغيرة. وما يمكن ملاحظته اليوم أن ألبسة الصناعة الوطنية، بدأت تغزو الأسواق اللبنانية، ليس الشعبية وحسب بل تلك التي تقصدها الفئات الوسطى أيضاً.
تهرّب ضريبي
وحسب تقرير لوزارة الصناعة عام 2018، كان لبنان يستورد الألبسة من بلدين أساسيين هما الصين وتركيا. وتشير أرقام الوزارة إلى أنه كان هناك 73 مصنعاً للألبسة الوطنية في لبنان فقط. ولكن لا أرقام عن عدد المصانع عام 2020 و2021، أي منذ بداية الأزمة. وقطاع صناعة الألبسة الوطنية واجه الكثير من الصعوبات، أبرزها الإعفاءات الضريبية الجمركية على الألبسة المستعملة المستوردة (البالة).
لكن التجار عمدوا إلى استيراد ألبسة جديدة من الخارج، لتسجل لدى الكشف عليها في المرفأ في خانة الألبسة المستعملة المستوردة، لإعفائها من الرسوم الجمركية. وهذا أثر سلباً وبقوة على صناعة الألبسة الوطنية، قبل الأزمة الاقتصادية عام 2019.
انتعاش الألبسة المحلية
ولكن مع بداية ارتفاع سعر صرف الدولار، انخفض الاستيراد انخفاضاً مخيفاً، وحصل ارتفاع جنوني في أسعار الألبسة المستوردة من الخارج. لذا، لجأ تجار الألبسة وأصحاب المحال التجارية إلى خياطة الألبسة محلياً.
وفي حديث “المدن” مع نائب جمعية الصناعيين الوطنيين، جورج نصراوي، أوضح أن الأزمة الاقتصادية هوت بالاستيراد من الخارج، وغيرت نمط اللبنانيين الاستهلاكي. وهذا أعاد النشاط إلى معامل الألبسة والخياطة اللبنانية، ونشّط قطاع صناعة الأحذية المحلية.
لكن لا أرقام واضحة عن عدد مصانع خياطة الألبسة الوطنية في السنتين الأخيرتين. وحسب نصراوي فإن عدداً لا بأس به من معامل الألبسة فتح أبوابه وعاد إلى العمل، بعدما أقفلت في السنوات الماضية. وذلك بسبب تدني كلفة الانتاج وكلفة اليد العاملة، خصوصاً أن الحد المتوسط للأجور صار يعادل حوالى 170 دولار فقط. إضافة إلى أن معامل جديدة بدأت تنشأ من الصفر. وهذا يؤكد ضخ استثمارات جديدة في قطاع صناعة الألبسة. وعلى الرغم من صغرها فهي تعتبر بادرة خير، وتسد حاجة السوق المحلية من هذه السلع، وتشغل أيدي عاملة تعاني من البطالة. ولفت نصراوي إلى أن فرص العمل التي توفرها هذه المصانع لليد العاملة اللبنانية مهمة، ولو كانت أجورها قليلة نسبياً.
مشكلة ودائع المصارف
ويواجه قطاع صناعة الألبسة اليوم كغيره من القطاعات، مشكلة كبرى مع المصارف، حسب جورج نصراوي. فأموال المودعين من الصناعيين محجوزة، وهم يحتاجونها لتغطية تكاليف الانتاج وتشغيل مصانعهم. لذا، أجبر الصناعي على تيسير أعماله بامكانات ضئيلة. وأضاف نصراوي أن المصانع لا تستطيع إنتاج كميات كبيرة من الألبسة في هذا الوضع. وهذا يمنعها من التصدير للخارج، لأن زيادة الانتاج تحتاج إلى تمويل ورأس مال كبير تحتجزه المصارف على الصناعيين.
فحسين مثلاً، وهو صاحب محل ألبسة في سوق شعبي، اختار أن يدخل في استثمار جديد في هذا الوضع: افتتاح معمل لخياطة الألبسة في بيروت. فبعد ارتفاع سعر صرف الدولار لم يستطع تأمين البضاعة لمحله. فقد ارتفع سعرها كثيراً. لجأ بداية إلى المعامل اللبنانية لتفصيل الألبسة وخياطتها لبيعها في محله بأسعار منخفضة نسبياً. ولكن نظراً لكثرة الطلب على الألبسة في هذه المعامل، تأخر تسليمها الطلبيات للمحال التجارية. ورأى حسين أن من الأربح له البدء بمشغل خياطة صغير يفصّل فيه الألبسة ويخيطها لمحله، ويبيع فائضها للمحال الأخرى، ويوسع عمله خطوة بخطوة.
ألبسة بتصاميم تركية
وفي حديثه إلى “المدن” أوضح حسين طريقة عمله: تصميم الألبسة وخياطتها لتكون شبيهة أو طبق الأصل عن التصاميم التركية، التي كانت تغزو الأسواق اللبنانية سابقاً. لأن هذا ما اعتاد عليه المستهلك اللبناني، بحسبه. وهو يركز على التصميم بدقة ليصنع ألبسة لبنانية “بنكهة تركية”.
الصعوبات التي يواجهها معمل حسين كثيرة: اليد العاملة وأجرتها. فرواتب عماله يتجاوز معدلها الحد الأدنى للأجور قليلاً. ولكن لا يمكن للعمال أن يستمروا على هذا الوضع، مع استمرار الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار. وحتى الآن ليس من بادرة حل قد تتيح له أن يرفع أجور العاملين.
وعلى الرغم من أن إنتاج الألبسة يعدّ وطنياً، لكن المواد الأولية مستوردة من الخارج وبالدولار: ماكينات الخياطة وقطعها والقماش. وأشار حسين إلى أنه لا يستطيع أن يضمن استمرار عمله في لبنان في معمله ومحله التجاري، إلى حين انفراج الأزمة الاقتصادية.
سهولة التعامل المحلي
ومن صاحب المعمل إلى أحد محال الألبسة في سوق برج البراجنة الشعبي، يوضح حسن الحسيني، وهو صاحب المحل، أنه لم يدخل إلى محله منذ سنتين تقريباً سوى قطع معدودة من الألبسة المستوردة من تركيا والصين. وهو يستعيض عنها بالألبسة الوطنية. وتحدث الحسيني عن لجوء الزبائن دائماً لشراء الألبسة الأرخص سعراً، ولو بقليل عن سواها. وهذا ما وفرته البضاعة الوطنية. فبنطلون الجينز المصنوع محليا -حسب الحسيني- يباع بحوالى 100 ألف ليرة لبنانية. أما التركي فيباع في الأسواق أقله بـ180 ألف ليرة لبنانية.
وحركة الزبائن في المحل انخفضت بعد الأزمة. ولكنها تعد مقبولة نسبياً، وتمكنه من الاستمرار في العمل. وأضاف أن تصميم القطعة الوطنية لا يمكن تمييزها عن التصاميم التركية، إلا بفارق بسيط، يمكن ألا يلاحظ. وما يشجع الحسيني على التعامل مع المصانع المحلية، هو سهولة التواصل مع التجار وتبديل البضاعة، إذا ظهرت فيها أخطاء في الخياطة والتصاميم، على عكس البضاعة المستوردة من الخارج.