Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر July 28, 2017
A A A
“صراع ديوك” في البيت الأبيض… “الأمور خرجت عن السيطرة”
الكاتب: جورج عيسى - النهار

تتكاثف غيوم الفوضى فوق البيت الأبيض بشكل يوحي بأنّ الأمور تسلك مساراً انحداريّاً بحسب مسؤولين أميركيّين. فقد دخل مستشارو الرئيس الاميركي دونالد ترامب في “صراع ديوك” عنيف، وكأنّ شبح التحقيقات الذي يطارد الرئيس الأميركي والمقرّبين منه لعلاقة انتخابيّة محتملة مع مسؤولين روس، لا يكفي.

يوم الاثنين الماضي، وصف ترامب وزير عدله جيف سيشنز المشكوك ببقائه في منصبه بـ “المحاصَر”. كما وجّه انتقاداته أيضاً ضدّ القائم بأعمال مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي “أف بي آي” أندرو مكابي. هاجم ترامب وزير العدل لأنّه لم يقم بإقالة الأخير بسبب عدم جدّيّته في فتح التحقيق حيال بريد منافسته السابقة هيلاري كلينتون بحسب رؤية الرئيس الأميركي. وكانت مجلّة “فورين بوليسي” الأميركيّة قد وصفت تصرّفات ترامب تجاه وزارة العدل ب “الاعتداء”، خصوصاً أنّ ترامب يسعى للتخلّص من سيشنز كتمهيد للتخلّص لاحقاً من المحقّق الخاص في ملفّ التدخل الروسي بالانتخابات الأميركيّة روبرت مولر.

“شيزوفريني لعين مرتاب”
الشكّ الذي يخيّم فوق رؤوس مسؤولين كثر في الإدارة الحاليّة يتزامن مع خلافات داخليّة متزايدة بين المقرّبين من ترامب. فإذا كان الأخير قد حوّل حسابه على “تويتر” إلى منصّة لمهاجمة كلّ من يشكّك بولائه لمصالحه الخاصّة، فإنّ أحد المقرّبين منه حوّل ظنونه إلى حفل علنيّ من الشتائم السوقيّة. فما حدث أنّ مدير الاتصالات الجديد في البيت البيض أنطوني سكاراموتشي والذي تعيّن في هذا المنصب منذ أسبوع فقط، هاجم بعنف كبير الموظّفين في البيت الأبيض رينس بريبوس قائلاً: “إنّه شيزوفريني لعين (مصاب ب) جنون الارتياب فاقد لصوابه”.

بدأت القصّة حين كشفت مجلّة “بوليتيكو” تصريحاً ماليّاً لسكاراموتشي يظهر ثروته وراتبه في في مصرف “أكسبورت إمبورت”. وسارع الرجل إلى موقعه عبر “تويتر” ليلمّح إلى أنّ بريبوس هو المسؤول عن التسريب الذي أظهر أنّ سكاراموتشي ثريّ للغاية. وقد هدّد بأنّه سيلجأ لل “أف بي آي” ووزارة العدل لمعاقبة المسرّبين، قبل أن يعود ويحذف التغريدة. وقالت مراسلة المجلّة لورين ووليرت لقناة “أم أس أن بي سي” إنّ ما حصل لم يكن تسريباً بل كانت معلومات متوفّرة علناً بناء على الطلب بعد ثلاثين يوماً تلي التوقيع على التصريح.

سأقتل جميع المسرّبين
ليل الأربعاء، وفي مبادرة منه ليتحدّث هاتفيّاً مع راين ليزا، صحافيّ من مجلّة “نيويوركر” الأميركيّة، أراد سكاراموتشي معرفة من سرّب قصّة تناوله العشاء في البيت الأبيض مع ترامب إضافة إلى إعلاميّ ومسؤول من قناة “فوكس نيوز” الأميركيّة. وسأل سكاراموتشي المراسل عمّن سرّب إليه هذا الخبر قبل أن يقترح أيضاً بأنّه بريبوس. وعندما رفض الصحافيّ الإفصاح عن هذا الأمر هدّده بأنّه سيطرد كلّ فريق عمله خلال الأسبوعين المقبلين لأنّه طلب منهم ألّا يتحدّثوا عن الأمر، في محاولة لابتزاز الصحافي كي يكشف هويّة مصدره.

ثمّ هاجم سكاراموتشي، خلال حديثه الهاتفيّ، كبير المخطّطين الاستراتيجيّين في البيت الأبيض ستيف بانون في لغة أكثر بذاءة: “أنا لست ستيف بانون، أنا لا أحاول أن … عضوي الذكريّ”. ونفى أن يكون مثل بانون يبحث عن مصلحته الشخصيّة بل هو فقط يريد خدمة بلاده. وأضاف: “سأقتل جميع المسرّبين”.

قايين وهابيل
ويبدو أنّ لسكاراموتشي نفس خصال سيّد البيت الأبيض في توجيه الاتّهام لوسائل الإعلام الأميركيّة كما بدا من خلال تغريداته على “تويتر”. فهو كتب أوّلاً أنّه يستخدم “أحياناً لغة متلوّنة” لكنّه لن يستسلم في صراعه من أجل المفكّرة السياسيّة للرئيس الأميركي. ثمّ عاد وكتب لاحقاً: “أخطأت بالوثوق بمراسل. لن يتكرّر الأمر مجدّداً”. حصل ذلك، علماً أنّ سكاراموتشي لم يطلب من المراسل عدم نشر ما دار بينهما من حديث. وعن وصفه سابقاً للعلاقة مع بريبوس بأنّها علاقة أخويّة، أوضح أنّ “بعض الإخوة مثل قايين وهابيل” خلال حديثه إلى شبكة “سي أن أن” الأميركيّة.

ضوء أخضر
لكن كيف يمكن لترامب أن يواجه صراعاً علنيّاً يزعزع صورة البيت الأبيض خصوصاً أنّ هذا الصراع بات أقرب إلى تجسيد لمجريات البرنامج الشهير “survivor” بحسب تعبير “نيويورك بوست” الأميركيّة؟

يرى البعض أنّ الرئيس الأميركي ليس على الحياد في هذا الصراع. فهو “لم يبارك فقط” جهود سكاراموتشي بل هو من “أعطى الضوء الأخضر” له كي يهاجم بريبوس، على ما كتب لاشلان ماركاي وأساوين سوبسانغ في موقع “ذا دايلي بيست” الأميركي. وقال أحد المستشارين في البيت الأبيض للموقع نفسه، إنّ ترامب أعطى الضوء الأخضر لهذا الهجوم، حتى لو تمّ علناً. وكانت ناطقة باسم وزارة العدل أبلغت “الدايلي بيست” أنّ الرجلين تحدّثا إلى بعضهما صباح الخميس بدون أن تعلم كيف انتهى اللقاء.

“معتلّ عقليّاً”
وانخرط قسم من الإعلام الأميركي في هذا الجدال، إذ وصف لورنس أودونيل، إعلاميّ في قناة “أم أس أن بي سي” سكاراموتشي بأنّه “معتلّ عقليّاً بشكل خطير”. أمّا الصحافي أرون بلايك في “ذا واشنطن بوست” الأميركيّة فكتب أنّ المرء يتوقّع هذه الكلمات من مسؤول سيغادر منصبه، لا من شخص استلم هذا المنصب للتوّ. وربّما ساهم وقوف كلّ من شون سبايسر (الناطق الرسمي السابق باسم البيت الأبيض) وبانون وبريبوس ضدّ تعيين سكاراموتشي، في دفعه إلى التصعيد ضدّهما. وقد استقال سابيسر من منصبه بعد تعيين الأخير مديراً للاتصالات وعُهد إلى هكابي ساندرز بالمهمّة.

لكنّ ذلك ليس مبرّراً لكلّ الاتّهامات والمشاكل التي أثارها مدير الاتصالات الجديد. فكما يكتب ماثيوس إغليزياس في موقع “فوكس” الأميركي، يُفترض ببريبوس أن يكون هو الرئيس المسؤول عن سكاراموتشي “في إدارة طبيعيّة”. غير أنّ السيناتور الجمهوري عن ولاية لويزيانا جون كينيدي، هو أفضل من لخّص خروج هذه الإدارة عن السياق الطبيعي لآلية الحكم. فقد أكّد لل “سي أن أن” أنّ الخلافات العلنيّة أمر لا يمكن تفاديه في كلّ الإدارات. لكن “في البيت الأبيض هذا، لقد خرجت الأمور عن السيطرة”.

***

دونالد ترامب ووزير العدل جيف سيشنز.