Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر May 8, 2018
A A A
صدمة تدني نسبة الاقتراع أصابت فقط مهندسي الدعاية!
الكاتب: رؤوف شحوري - الأنوار

هزّة ما بعد ٦ أيار جاءت أضخم من هزّة ما قبله. بالغت القيادات السياسية في رفع سقف الدعاية الانتخابية الى درجة أوحت لكثيرين بأن الاقبال الشعبي على الاقتراع سيكون كثيفا واستثنائيا ويسجل أرقاما قياسية غير مسبوقة. هذا قبل السادس من أيار. ومع بزوغ فجر السابع من أيار جاءت الهزّة المعاكسة وشكّلت المفاجأة الصادمة، بعزوف غالبية من الناخبين عن الانتخاب، ولم تحرّك فيهم ساكنا سخونة الدعاية الانتخابية، وكل ما حملته من اثارة وتحريض! قلّة قليلة من المتابعين وحدها نفذت الى عمق الوجدان الشعبي وتوقعت – على العكس – ان يكون الاقبال متدنيا، كما حصل فعلا مع الاعلان شبه الرسمي على نسبة الاقتراع العام على ساحة الوطن الانتخابي. وكنّا في الأنوار بين من توقع هذه النتيجة في مقال بعنوان الطريق المسدود بالانتقائية… من الطائف الى النسبي قبل نحو شهر ينقص أياما قبل موعد الانتخاب في السادس من أيار أي بتاريخ ١١/٤/٢٠١٨. واعادة قراءة هذا المقال تظهر وكأنه كتب بعد اعلان نتائج هذه الانتخابات. وجاء في المقال:

بعيدا عن أجواء الحماوة الانتخابية المفتعلة والمصطنعة، فان النفاذ الى عمق الوجدان الشعبي، يكشف حقائق صادمة ستسطع بوهجها خلال إجراء الانتخابات وبعد ظهور نتائجها. ومن معالمها الأولى حالة البرود الداخلي لدى الغالبية الصامتة من الناس الناخبين وغيرهم، من الحالة العامة المسيطرة على البلاد. وقد فشلت الغالبية الساحقة من المرشحين وزعماء اللوائح في تحريك جمر الأمل في نفوس الناس، والدخول الى وجدانهم وضمائرهم. والشعارات الانتخابية في أكثريتها الغالبة كانت سطحية ومكررة ومعلوكة على مدى دورات عديدة سابقة، وتدلّ على العقم في الابتكار، وعلى الخواء في التفكير، وعلى الوهن في الارادة. وتواجه هذه الغالبية الصامتة هذا الواقع المفجع بنوع من الاستسلام، وكأن لسان حالها يقول: فالج لا تعالج!

تغيير قانون الانتخاب من الأكثري الى النسبي كان نقلة نوعية في الظاهر، وخطوة الى الوراء في المضمون. وليس العيب في القوانين وانما في أشخاص من يسنّ القوانين، ويفرغها من محتواها وأهدافها. وما حدث لقانون الانتخاب النسبي هو نفسه ما حدث لدستور الطائف والميثاق الذي سبقه. والانتقائية في التخطيط والتنفيذ هي التي تقود الى انحراف المسيرة، والابتعاد عن جوهر ما تمّ الاتفاق والتوافق عليه. وكان الهدف الأسمى لاتفاق الطائف ليس فقط انهاء الحرب الداخلية، وانما الأهم هو وضع خريطة طريق للتخلص من الأسباب التي قادت الى تلك الحرب، وفي الطليعة جرثومة الطائفية والمذهبية. والانتقائية قادت الى تعميق الجذور الطائفية بعد الطائف، وهذا ما يحدث للقانون النسبي الهجين الذي شوّهته الانتقائية، ويغرق الجميع في الأتون الطائفي مجددا!
***

قد تحدث تغييرات جانبية في مجلس النواب المنتخب الجديد، ولكن المضمون المشكو منه تاريخيا يبقى هو نفسه، وكذلك الأمر بالنسبة للحكومة الجديدة التي ستنبثق عنه. وسنعود تاليا الى الدوامة نفسها من أزمات الكهرباء والمياه والنفايات والاحتكارات واختناقات الصحة والمستشفيات والدواء، والتعليم، والانسداد الاقتصادي والانهيارات المتوقعة تحت وطأة الدين العام والهدر والفساد، وغير ذلك الكثير. والنظام المعيوب الذي يعيد انتاج نفسه بوسائل عبقرية وملتبسة، ليس من المأمول فيه ان يتولى اصلاح نفسه بنفسه! وعلى الأرجح ان مستوى الاقبال على الانتخاب سيكون متدنيا على صعيد لبنان ككل، وان الصدام المقبل على المستوى الداخلي سيكون أشبه بانفجار اجتماعي وشعبي في وجه النظام وأهله!