Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر December 1, 2017
A A A
“شراء الحرية” من تهم الفساد.. صفقة لصالح الاقتصاد السعودي
الكاتب: إسماعيل عزام - موقع DW

دفع الأمير متعب مليار دولار بغية شراء حريته، وفي الأغلب لن يكون الأخير بين الشخصيات السعودية الموقوفة في قضايا فساد، التي سيُفرج عنها بالطريقة ذاتها، فهل تتحقق “مكافحة الفساد” عبر هذه التسويات المالية؟
*

اتخذت حملة “مكافحة الفساد” التي أعلنتها السلطات السعودية منعطفاً جديداً مع تواتر أنباء عن الإفراج عن الأمير متعب بن عبد الله، بعد احتجازه لأكثر من ثلاثة أسابيع، مقابل شراء حريته بأكثر من مليار دولار حسب ما نقلته وكالة أنباء رويترز. الأمير المحتجز كان من ضمن أكثر من 208 أمير ورجل أعمال موقوفين، تعتقد السعودية في توّرطهم في اختلاسات مالية، وقامت بناءً على ذلك باعتقالهم واحتجازهم.

تثير الطريقة السعودية في التعامل مع المشتبه بهم في قضايا فساد مالي الكثير من الأسئلة، إذ من المعروف أن هذا التعامل يبقى من اختصاص السلطات القضائية التي تكون مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية بشكل يعكس استقلال المؤسسة القضائية، بيدَ أن الأمر اختلف في السعودية، إذ ترّأس ولي العهد محمد بن سلمان اللجنة العليا لمحاربة الفساد التي أوقفت الشخصيات المذكورة، كما أنه وعوض أن تجري المحاكمات ضمن مسار قضائي، لم يتم لحد الآن إعلان توقيت للمحاكمة، كما لم يتسن إتاحة الفرصة للمعتقلين للدفاع عن أنفسهم

كما أن تصريح ولي العهد لصحيفة نيويورك تايمز “إن الموقوفين موافقون على تسويات يسلمون بموجبها أموالا للدولة مقابل الإفراج عنهم”، يزيد من ضبابية المشهد في السعودية، زد على ذلك السرعة في الإفراج عن أمير متهم بقضايا فساد، دون إطلاع الرأي العام على تفاصيل اعتقاله والتهم التفصيلية الموجهة إليه وكيفية الإفراج عنه باستثناء ما صرّح به مسؤول سعودي لرويترز من وجود تسوية مالية أقرّ بموجبها الأمير متعب بـ”الفساد المالي”، ممّا يفتح النقاش: هل نحن أمام محاربة حقيقية للفساد؟ وما هو أثر هذه “التسويات المالية” في الاقتصاد السعودي؟

مئة مليار دولار مسترجعة
اهتمت الصحافة السعودية كثيراً بمقال توماس فريدمان، الصحافي في جريدة نيويورك تايمز، الصادرة يوم 23 تشرين الثاني الجاري، وفيه كتب فريدمان أن مسار الإصلاح الأكثر أهمية في الشرق الأوسط يوجد حاليا في السعودية، وأن السعودية تسير حالياً في ربيعها العربي الخاص، مشيرًا أنه على العكس مما جرى من فشل للربيع العربي في البلدان التي شهدته باستثناء تونس، فإن الربيع السعودي يبدأ من الأعلى نحو الأسفل. وتابع فريدمان أنه إذا نجح هذا المسار، فإنه لن يؤثر فقط على السعودية بل على العالم الإسلامي.

لكن علي الدبيسي، رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، يرى في تصريحات لـDW عربية أن هناك “تضليلاً” للرأي العام المحلي وللمجتمع الدولي في مكافحة الفساد، وأن هناك “تسويقاَ” لهذا الموضوع كما جرى مع مكافحة الإرهاب، فما يجري في السعودية حاليا “بعيد تماما عن أسلوب مكافحة الفساد الذي يسلتزم بيئة قانونية وممارسات جادة”، يقول الدبيسي، مردفاً: “لا ترغب الدولة السعودية خلق قانون واضح في هذا الإطار، لأن من شأن هذا القانون أن يجعل الجميع متساوون أمامه، وسيطبق على الملك وعلى ولي العهد”.

وممّا نقله فريدمان في مقاله، أن جميع من تحدث إليهم السعوديين يدعمون بشكل هائل مبادرة مكافحة الفساد، وأن الغالبية الصامتة من السعوديين تضرّرت من ظلم عدد من الأمراء والمليارديرات. وتابع فريدمان أن محمد بن سلمان أخبره أن الموقوفين وُوجهوا بالوثائق، فوافق 95 بالمئة منهم على القيام بتسوية مالية، وواحد بالمئة فقط من استطاعوا إثبات نظافتهم، بينما الأربعة بالمئة المتبقين يقولون إنهم غير فاسدين ويريدون مساراً قضائياً. وحسب قول سلمان لفريدمان، فالنيابة العامة السعودية مستقلة، ولا يمكن له التدخل في عملها، كما أن النيابة العامة، وفق تصريحات سلمان، تقدر المبالغ الإجمالية للتسوية المالية بمئة مليار دولار.

محاربة فساد حقيقية؟
لا يتفاءل علي الدبيسي كثيرا، ويقول “لم يتم اعتماد معايير الجدارة والكفاءة في أعضاء اللجنة العليا لمكافحة الفساد، ولم تكن هناك تنافسية في اختيارهم، كما لم يتم الكشف عن ذممهم المالية أمام الرأي العام كما جرى في عهد الملك عبد الله مع هيئة النزاهة”. ويتابع الدبيسي أن أيّ تسوية يتحدث عنها ولي العهد يجب أن تكون لصالح موارد الشعب وليس بين أطراف العائلة الملكية أو بين الأثرياء، مشيراً إلى أن حالة الأمير مُتعب تثير الكثير من الأسئلة: “من اطلع على أرصدته المالية؟ وهل هناك طرف محايد اطلع على قضيته؟ لماذا هو وليس غيره؟ ولماذا احتجز أصلا هو وبقية الموقوفين في فندق؟ ألّا يكون الاعتقال في السجون؟”

وعما إذا كان الاقتصاد السعودي سيتفيد من هذه الأموال المسترجعة من الموقوفين؟ يجيب الدبيسي أن الأمر يتعلّق بـ”الفتات”، وأن مستحقات الدولة أكبر من ذلك. كما أنه “لا يصح أن تغلق صنبور المياه لأجل منع التسرب ثم تترك المياه تتسرب من منافذ أخرى” يتحدث الدبيسي الذي تساءل كثيراً عن جدوى المشاريع الاقتصادية للمملكة، التي تقول السلطات إنها ستستمر فيها الأموال المنهوبة، فضيف DW يرى أن مشروع “نيوم” مثلا يشبه كثيرا مشروع صناعة سيارة دون التوّفر على الصناعات الأوّلية اللازمة لذلك، وفق قوله.

غير أن الدكتور محمد آل عباس، مساعد وكيل جامعة الملك خالد، يرى في مقال له تحت عنوان “محاربة الفساد في المملكة .. جهد سنوات وليست تسوية سياسية” بجريدة الاقتصادية التي تصدر من الرياض، أن موضوع مكافحة الفساد يأتي استكمالا لـ”إصلاحات اقتصادية”، بدأت بعد تولي الملك سلمان مقاليد الأمور، فالرؤية الحالية للقيادة السعودية في محاربة الفساد “جاءت من عمق اقتصادي بحت، إذ لا يمكن لنا الاستدامة ولا الصمود ضمن أقوى اقتصادات العالم ونحن لم نحارب الفساد كما ينبغي، ولن نحقق قفزات حقيقية في جذب الاستثمارات العالمية طالما هناك شعور عالمي بعدم الارتياح نحو آلية مكافحة الفساد في المملكة وأنها لم تصل إلى الطبقات العليا منه”.

ويتابع آل عباس في مقاله أنه رغم الأهمية النسبية لمبلغ مئة مليار دولار، المنتظر استردادها، فالرسالة الأساسية أكبر: “محاربة الفساد في المملكة أصبحت ثقافة حقيقية”، ويردف” هناك اليوم من الإجراءات الكفيلة بالوصول إلى أي مُفسد يستغل السلطة والصلاحيات الممنوحة له من أجل مصالح شخصية انحرفت بعيدا عن المصلحة العامة”. ويضيف الكاتب أن من نتائج هذه الإجراءات زيادة كفاءة الإنفاق، وارتفاع وتيرة الاستثمار الأجنبي.

“نحتاج إلى دولة مؤسسات”
من جهته يرى الكاتب الصحفي جمال خاشقجي في تصريحات لـDW عربية هذه التسويات المالية بمنظار آخر: “إذا تواضعت طموحاتنا، نقول نرضى بما حصل. لكن موقفي أن هذه التطوّرات قتل للنفس التواقة إلى ضمانات في المستقبل حتى لا يتكرر ما حصل”. الضمانات حسب خاشقجي تظهر في الشفافية وفي حيادية القانون وفي إنصاف القضاء، أي في دولة قانون ودولة مؤسسات وفق تعبير المتحدث الذي رأى أنه إذا وصف فريدمان ما يجري في السعودية بأنه ثورة، فهي “ثورة رجل واحد يفعل بعضا مما نتمناه وليس كل ما نتمناه”.

ويوّضح خاشقجي فكرته أكثر: “ولي العهد فتح بابا لن يغلق.. باباً لتغييرات ثورية في السعودية تخصّ مكافحة الفساد والعلاقة بين الشعب والمؤسسة الملكية. هو يستطيع التحكم ببعض المجريات، لكنه لا يستطيع التحكم بالنهايات، فصحيح أن الفساد لا يمكن أن يعود كما كان سابقاً، ومن ذلك القطع مع الحماية التي كانت للأمراء بحيث كانوا يثقون أن لا أحد سيطالهم، لكن طموح الشعب أكبر، فهو يريد حياةً أفضل في كل الميادين. أما حفلةُ الحرب على الفساد التي تعيشها الصحافة السعودية فستنتهي وسيبدأ المواطن السعودي في التساؤل أكثر”.

ويضع خاشقجي أمرين ضرورين لمرافقة ما يعتبرها تطوّرات جد سريعة تعيشها المملكة، أوّلا: نقاش حر مفتوح في المجتمع وفي الصحافة يناقش ما يجري بحرية بدل التصفيق، خاصة مناقشة تصريحات الشيوخ المعروفين وقضايا التطرف. وثانيا المشاركة والمحاسبة والمساءلة، ليس تحديدا الديمقراطية، يستدرك، إذ المهم هو التخلص من سلطة الفرد الواحد.