Beirut weather 16.41 ° C
تاريخ النشر September 24, 2016
A A A
“شانتال ووسام”… نموذج نجاح لذوي الاحتياجات الخاصة
الكاتب: ريتا الدويهي - موقع المرده

1-1

لم يبلغ العشرة أشهر عندما فقد حاسة السمع فجأة وبين ليلة وضحاها، محيراً الاطباء عن سبب حدوث ذلك. هذه المشكلة أثمرت انجازات نوعية في حياة وسام قسطنطين، الذي بدأ تحصيله العلمي في مدرسة “الأمير” في مغدوشة، لينتقل في سن التاسعة الى مدرسة مخصصة لـ “الصم” في عين عار، حيث مكث فيها حتى الشهادة المتوسطة التي اجتازها بتفوق. تابع هذا الشاب مسيرته حتى حصل على الشهادة الثانونة من “ثانوية خاصة للصم” في بعبدا، أنشأت بفضل حماسته والحاحه على تحقيق أحلام ذوي الاحتياجات الخاصة.
“تحدّي التعلّم والحلم بالطبّ زاداني حماسة وثقة، رغم العقبة الاساسية التي واجهتني عندما لم توافق أي جامعة على طلبي باعتبار أنني لن أتمكن من التفاهم مع المرضى، ولن أستطيع استيعاب الدروس”، يروي وسام ويكمل “لم استسلم، بل عملت جاهداً حتى اقنعت الادارة عبر اجتيازي امتحان الدخول لفرع Medical Laboratory بتفوق أدهشهم، لتمر أعوام التخصص بنجاح باهر، بل وطموحي لم يتوقف هنا اذ حصلت على شهادة الماجستير ايضاً. اما سبب اختياري مجال الطب فيعود لمحبتي بمساعدة الناس عموماً والصم خصوصاً، اذ يعانون احياناً من مشاكل تكون خطيرة على صحتهم اثر عدم فهمهم جيداً اثناء التواصل مع الطبيب، وفي السابق لم نكن نرى أطباءً لا يسمعون في العالم اما الآن فقد اصبح يوجد ستة. وبعد الجامعة، وجدت عملاً في مختبر داخل مستشفى، ثم تركته بحثاً عن الافضل، ولكن كانت مفاجأة حزينة لي بسبب تردد اصحاب العمل عندما يلتقون بشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة وخصوصا الصم، لا بل والمضحك انهم يسألون “شو بدك تعمل اذا رن الهاتف؟ في 10 موظفين معي حدا يرد عني، ولي بدو يتواصل معي يحكيني email”.
وسام هو أوّل أصمّ في لبنان والشرق الأوسط الذي حصل على شهادة جامعيّة من جامعة للسامعين، وأيضاً هو رياضي بامتياز ولاعب كرة سلة محترف، فبالاضافة لحيويته وحبه للحياة، ساهم دعم عائلته المميزة له في نجاحه، وهو اليوم يتحضر ليكمل دراسته ويحصل على الدكتوراه، كما يدعو دوماً لدمجهم في المدارس العادية، من خلال مساعدتهم عبر وزارة الشؤون الإجتماعية بدفع مبالغ معينة، قائلاً “أنا بفضل تجاربي أثبت نفسي كأي شاب، وأدعو جميع الذين يعانون من حالات خاصة العمل على التقدم وكسب رهانات الحياة… فهذا حقنا”، كما تمنى أن تتحسن أوضاعهم من خلال دمجهم في سوق العمل والاستفادة من خبراتهم الخلاقة كي لا يفقدهم المجتمع اللبناني ويربح خبراتهم المجتمع الاجنبي.

النجاح عينه انسحب على زميلته “شانتال كون”، وردة تنبض حياةً وايجابية، تابعت تحصيلها العلمي ببراعة، وحازت على شهادة في الـ graphic design من مهنية تعمل على الدمج، حيث تفوقت على ثلاثين طالباً. تكللت مسيرتها المهنية بتجارب أدهشت المجتمع عبر ابداعها الخلاق بالتصميم في مجال الـ “الغرافيك”. تقول شانتال “صنعت من لغة الاشارة و”تمتمة الشفاه” التي أصبحت اليوم لغة عالمية، موهبة كافية لأثبت حضوري في مجتمع يحاول تهميش الحلقة الأضعف “بنظره”، وضرب أحلامنا بعرض الحائط، حيث يهربون لدى سماعهم بـ ذوي الاحتياجات الخاصة مقدمين لنا أعذاراً غيبة، نحن مثلنا مثلكم استمعوا الينا قبل تهميشنا، لدينا قدرات قد لا يملكها أي شخص عادي”. وتابعت: “ها أنا اليوم امرأة حققت بارادتها القوية وشغفها بالتألق، حلم نعومة الاظافر، أنا اعمل بشركة، كما اني أسعى جاهدة لتطوير نفسي أكثر، لأنني طالما حملت بداخلي طموحاً لم يحده المستحيل فكان إصراري وعزيمتي قصةً جعلتني متميزة للحصول على شهادة في السوق وأن أقود سيارتي الخاصة أسوة بغيري”.

تختصر قصة “شانتال ووسام” حكايات آلاف الاشخاص في مجتمعات تؤمن بحقوق الانسان، ولكن يتعرض الكثير من هذه الفئة للتهميش والتمييز على أساس فروقات لغوية وثقافية واقتصادية في جميع قارات العالم، دون ان يدرك البعض ان رقي المجتمعات وتقدمها يقاس بمدى اهتمامها وعنايتها بذوي الاحتياجات الخاصة، لذا خصص الاتحاد العالمي للصم، وهو منظمة دولية، الأسبوع الأخير من ايلول من كل عام للاحتفال بإنجازات مجتمع الصم وثقافتهم الغنية، وللتذكير بالظلم الواقع على هذه الفئة في جميع أنحاء العالم، كما ان هذا الاسبوع هو بمثابة انذار للمسؤولين من اجل العمل على تنمية مهاراتهم المختلفة، والاستفادة من ذوي الخبرات، وعدم النظر إليهم من زاوية العجز، كذلك تسيهل دمجهم في المجتمع بعد القيام بتعليمهم وتدريبهم، والامر هنا يقع على عاتق المجتمع والدولة ومسؤوليتهما ممثلة بالمؤسسات الرسمية، لذلك فإن توفير التأهيل الاجتماعي والنفسي والمهني يصبح عملية مهمة، من أجل مساعدتهم على التكيّف مع من حولهم، ليصبحوا أعضاءاً مشاركين في البناء، والتأهيل يزيد من ثقتهم في ذاتهم، وتقبل الآخرين لهم في المدارس والجامعات وسوق العمل… فالصم مثل الجميع والأغلبية منهم تنجح وتتطور أكثر من اي شخص عادي بفضل ارادتها القوية على اثبات الذات والمواجهة”.