Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر January 16, 2022
A A A
سياسة اللامبلاة والتطنيش لغةٌ سائدةٌ صعبة
الكاتب: فاطمة شكر - الديار

رغم كل الجهود التي تبذلها بعض الأطراف السياسية، ورغم كل الألم والمعاناة التي يعيشها المواطن اللبناني والتي وصلت الى حدٍ يفوق التوقعات والعقل، تُصرُ بعض القوى السياسية على عدم الحوار، والجلوس حول طاولةٍ واحدة من أجل لبنان وشعبه. تبقى المعركة بين القوى حول من يريدُ تثبيت نفسه، وفرض ذاته حسب معاييره الخاصة التي يراها مناسبة، والتي قد تكون مصدراً لإشمئزاز الطرف المقابل، إلا أن المشكلة الحقيقية اليوم تكمن بين إثنين إما المعطلين، وإما المكابرين.

ولعل غضب الناس الخجول من جديد على وقع الأزمات المتتالية، لم يعد يجدي نفعاً، وكأن القوى السياسية ومن يحكمُ هذا البلد قد صمم على أن يكون أصماً غير آبهٍ بمعاناة الناس.

ومع عودة الإضرابات والإحتجاجات الى الشارع اللبناني عبر دعوة رئيس اتحاد العمالي العام ونقابة قطاع النقل البري يوم الخميس الماضي الى الإضراب، يعودُ مشهدُ الغضب ولو بشكلٍ خجول في ظل غيابٍ تام للحلول من قبل الطبقة السياسية الحاكمة، ومعها ينقسمُ الشارع بين مؤيدٍ لقطع الطرقات، وبين معارضٍ لها.

تقولُ بعض الأطراف إن المنظمين لهذه التحركات باتوا معروفي التوجه، وهم ينتمون الى منظومة سياسية موجودة وحاكمة، لذلك فإن يوم الغضب كان خجولاً، ولم يحقق ما يريده المنظمون، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإن التحركات وقطع الطرقات المتفرقة والتي كانت بدايتها تحركات ١٧ تشرين الأول عام ٢٠١٩ كلها باءت بالفشل. ولعل كل ما يجري من عدم انتظامٍ في مؤسسات الدولة، لا بل وعدم سماح عقد جلسةٍ لمجلس الوزراء، وترك الملفات المهمة والصعبة، القضائية منها لا سيما فيما يخص قضية تفجير مرفأ بيروت والقاضي طارق البيطار، إضافةً الى قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والإصطفافات حوله من قبل فريق، والهجوم عليه من قبل فريق آخر، يؤكدُ أن جهاتٍ محددة تمعن لا بل تتلذذُ بإنهيار الدولة.

فشلٌ يليه فشل، عقبةٌ يليها عقبات، ولا عمل حقيقي من أجل تذليل العقبات الأساسية، المعيشية والإقتصادية، أما إجتماع الحكومة لمناقشة موازنة ٢٠٢٢، سيكون السبيل الوحيد للوصول الى صندوق النقد الدولي، الذي يُعتبر الخلاص الوحيد للبنان في هذه المرحلة تحديداً، في ظل هذا التخبط السياسي والإقتصادي الكبير.

ومن ما بات مؤكداً فإن الظروف الخارجية والحركة الدولية، والأوضاع الإقليمية، تلعب دوراً أساسياً في تحريك الوضع السياسي الداخلي اللبناني، وما التدخلات الخارجية والإملاءات التي تفرضها هذه الدول على بعض القوى السياسية إلا دليلٌ صارخٌ على عمق الأزمة والتخبط حيال القرارات التي سوف تؤخذُ بحق لبنان، وإصرار بعض من في الداخل وبشكلٍ علني على التعاون مع الخارج المتمثل باللقاءات والجلسات مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا، وعدد آخر من الدبلوماسيين، وهذا ما يراهن عليه البعض في الخارج والداخل، لتحديد مصير لبنان السياسي في المستقبل، خصوصاً مع التحضيرات للإنتخابات البرلمانية في أيار المقبل.

لم يعدْ خافياً على أحد، أن كل المكونات والأطياف السياسية هي أساس كل الأزمات، وهي غير قادرة على إيجاد حلولٍ جذرية، لا بل هي لا تريدُ حل الأزمات، وتستمرُ بالتراشق وتبادل الإتهامات فيما بينها، وإثارة النعرات الطائفية والسياسية والمناطقية تحقيقاً لمصالحها الشخصية، وهي حتى هذه الساعة لا تريدُ العمل من أجل إعادة هيبة وإنتظام الدولة، في ظل غياب غالبية المؤسسات الرقابية بما فيها القضائية وهيئات التفتيش المركزي.

وعلى قاعدة «يا غالب يا مغلوب» يرزح البلد تحت وابلٍ من الأزمات، تنعكسُ على المواطن بشكلٍ مباشر، دون أن يلتفت من حكم الوطن لسنوات طويلة الى المعاناة التي استفحلت وكبرت وخنقت الناس.

في المحصلة لن تتوقف الأزمة، لأن من أوجدها مصممٌ على الإستمرار بها، و في حال توقفت أزمة لبنان غداً فتبعاتها ستستمرُ لسنين طويلة، وسيكون لبنان مضرب مثلٍ في الإنهيار الإقتصادي والمالي في السنوات المقبلة، كما سيضربُ المثلُ أيضاً بحكامه الذين يشكلون حالةً إستثنائية و نموذجاً حقيقياً وفعلياً للفساد، وسياسة اللامبلاة و «التطنيش»…