Beirut weather 16.85 ° C
تاريخ النشر September 12, 2025
A A A
سياسات دولية غير معلنة وسيناريوات تنتظر التوقيت والإخراج
الكاتب: نمر أبي ديب

كتب نمر أبي ديب في “البناء”

بعيداً عن سياسة المقامرة الدولية، ومركزية الدعاية الحديثة المدفوعة الأجر، الموجَّهة سياسياً، والقائمة على بروباغندا إعلامية هادفة إلى إظهار وإبراز عوامل التفوُّق العسكري الإسرائيلي، في ميادين المواجهة، الممتدة من فلسطين المحتلة إلى اليمن مروراً بكلّ من لبنان وسورية، كما غيرها من ساحات المواجهة الإقليمية، تتحرك “إسرائيل” بثقل وجودي استثنائي، إذ تحاول بكلّ جهد أميركي، تغيير القادم الزمني، وفي حدّه الأدنى، حرف الأمور عن مسارها الطبيعي من خلال العبث بركائز جغرافية ثابتة، يليها سحب لكامل “أوراق القوة” تمهيداً لتخطي المنتظر الإسرائيلي عام 2028، التاريخ الفصل الذي يحمل في بعده الروحي لكيان الاحتلال الإسرائيلي، تحديات وجودية، وعناوين غامضة، على أكثر من مستوى ومسار إذ يتمثل الأول في بلوغ كيان الاحتلال الإسرائيلي عامه الثمانين، ثانياً يشكل تاريخ 2028 منعطف عسكري استراتيجي، في بنية التكامل الأوروبي، إذ تشير التوقعات العسكرية إلى أنّ التاريخ المذكور (2028)، عام لانتهاء الفعلي من بناء ما بات يُعرف بإسم “درع أوروبا الدفاعي”، الذي يجري العمل عليه في بولندا، على مسار تحقيق “نقلة نوعية استراتيجية”، تترك من خلالها أوروبا، مع ما تمثّل من حضور ميداني لـ حلف شمال الأطلسي “الناتو” زمن “الركود الدفاعي”، والانتقال إلى مراحل مواجهة”، تؤسّس على المستوى العسكري من وجهة النظر الأوروبية لمراحل جديدة من التعاطي المباشر المختلف والاستثنائي مع روسيا الاتحادية وغيرها من دول التصادم العالمي.
ما تقدّم يؤسّس لمنعطف دولي استراتيجي، يرى فيه الكيان الإسرائيلي تخلياً من أوروبا الجديدة عن كثير من التزاماتها الخارجية، لصالح حروب مستجدة، مرفقة بعناوين دولية استثنائية وأخرى عالمية، في حين أنّ أبرز المتغيّرات المنتظرة، تكمن في احتمال التخلي الأوروبي عن دوره المتقدّم في حماية كيان الاحتلال الإسرائيلي، ما يعني بقاء “إسرائيل” وحيدة، وسط بيئة شرق أوسطية معادية، ومصالحة عالمية تجمع ما بين الشعوب الرافضة لسياسة “إسرائيل” الدموية، والطبقة الحاكمة ضمن أكثرية دولية آخذة في التنامي البطيء والتّشكَّل، على وقع خطوات وطروحات شعوب بدأت ترى في خفايا المشهد الفلسطيني مشروعاً إسرائيلياً غير معلن، يحاكي بالشكل الهندسي الخارجي الحلم التوراتي والأسطورة، أيّ قيام “إسرائيل الكبرى”، وهذا المشروع يؤسّس في العمق الوجودي والاستراتيجي لكيان الاحتلال الإسرائيلي، “لثقل اقتصادي عسكري ونفطي، يمنح إسرائيل مع ما تمثل من دعم أميركي مطلق، إمكانية إحكام السيطرة في المتوسط” وقطع أوصال التمدّد السياسي الاستراتيجي لدول الطموح الأوروبي، في مقدمتها “فرنسا”، التي باتت تبحث عن دور كامل متكامل غير مجتزأ في السياسة الإقليمية.
مما لا شك فيه، أنّ “حرب الوكالة”، التي تخاض اليوم على أكثر من جبهة دولية، ومحور عالمي، منبثقة من حالتين عدم جهوزية القوى الكبرى لخوض حروب في طبيعتها كما في مفاعيلها ومؤثراتها “عالمية”، ما يعني ويؤكد أنّ العالم الحديث أمام حروب مبطنة ومشاريع مؤجلة بـ أعبائها العسكرية ومخططاتها الاستراتيجية، وهذا يمنح الدول الكبرى حق “المناورة والنقد” على قاعدة أنّ “الحرب خدعة”، وما يتمّ إنجازه في حروب الوكالة لا يتعدّى معادلة “تحسين الشروط” بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وكلّ من روسيا الاتحادية والصين الشعبية، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ العناوين السياسية الكبرى، التي لا تزال تطرح على طاولات البحث السياسي، تحتمل التأويل، وأيضاً حق النقد والمغالطة، تحديداً تلك المرفقة بحملات إعلامية مأجورة، مع بروباغندا عناوين جذابة، وأخرى سلسة من حيث الهضم السياسي والتجييش الشعبي.
ماذا بعد؟ سؤال يختصر المشهد، ويلقي الضوء على نواح أكثر من استثنائية، تتمثل في مراحل ما بعد الصياغة الدولية للحدث الأمني، وأيضاً للتنفيذ، على سبيل المثال السياسي كما الميداني لا الحصر، هل تخطط الولايات المتحدة الأميركية للاستفراد الأمني كما السياسي وحتى العسكري بـ روسيا الاتحادية بعد سقوط ورقتي “حركة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان”، وتوجيه ضربات قاسمة للجمهورية الإسلامية في إيران؟
في سياق متصل يبقى السؤال الأبرز قائماً على مبدأ السهل الممتنع، وخلاصة القول هل تكتفي الولايات المتحدة الأميركية بما تقدّم؟ أم هناك أهداف مبيّتة أخرى غير معلنة تنتظر في سياق التطورات المنتظرة توقيت الافراج الميداني السياسي والعسكري عنها؟
بصريح العبارة، تأخذ الولايات المتحدة الأميركية من لبنان ما يخدم مشروعها الإقليمي، دون أن تقدم حتى اللحظة على مسار السعي لتنفيذ ورقة برّاك، أي شيء يذكر على مستوى الضمانات الأمنية ولجم كيان الاحتلال، ما يؤكد على أنّ مسار التدحرج اللبناني في الحسابات الأميركية طويل وهي أي الولايات المتحدة لا تريد الالتزام المبكر بأيّ سقف سياسي أو عسكري أو حتى أمني، يخدم في حده الأدنى مصلحة لبنان، انطلاقاً من أنّ زمن الحسم الصهيو أميركي لم تحن ساعته بعد والحسابات الأميركية دون أدنى شك تبدأ بتمرير ورقة برّاك، ولا تنتهي العام المقبل 2026 في الانتخابات النيابية الدسمة والحاسمة.
انطلاقاً مما تقدم، هل تستطيع الولايات المتحدة ومن ورائها “إسرائيل”، مع القوى الإقليمية الداعمة وحتى الحليفة لثنائي أميركا/ إسرائيل، من حسم الملف اللبناني المتعلق بنزع سلاح حزب الله قبل 2028، عام التحوّلات الكبرى في كيان الاحتلال الإسرائيلي”.
هل تعي روسيا حجم التهديد العسكري الذي يمثله إنهاء ورقة حزب الله في لبنان، وحركة حماس في فلسطين المحتلة لكلّ من أمنها الشرق أوسطي وحضورها الاقليمي؟
مما لا شك فيه أنّ الوعي الاستراتيجي بما يمثل من حضور عالمي، وثقل وجودي استثنائي، ليس حكراً على أحد، وأنّ المنطومة العالمية المتمثلة اليوم في ثلاثية الصين الشعبية، والولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية، خاضعة بشكل أو بآخر لمفاعيل الاستدراك الاستراتيجي كما لأحكام الوعي العسكري وحتى السياسي، بالتالي كما للولايات المتحدة أهداف مبيَّتة، ومشاريع غير مكشوفة، فإنّ لروسيا الاتحادية أيضاً كما للصين الشعبية أحلاماً شرق أوسطية، وحسابات خاصة تبدأ في (الساحل السوري ولا تنتهي حتى في أوكرانيا)، يضاف إلى ما تقدّم: مشاريع كبرى تنتظر في المراحل كما في السنوات المقبلة فرصة الافراج السياسي عن مؤثراتها المستقبلية…