Beirut weather 22.99 ° C
تاريخ النشر January 10, 2017
A A A
سورية.. غالبية القوات المتحاربة خارج وقف إطلاق النار
الكاتب: ايليا ج مغناير - الراي

تتهيأ الساحة السورية لعودة القتال على جبهات عدة وسط التحضيرات المرتقبة لاجتماع كازاخستان – أستانة بين ممثلي أكثر الأطراف المتحاربة برعاية روسيا وتركيا والذي يتزامن مع خروج إدارة الرئيس باراك أوباما من القيادة وحلول الرئيس المنتخَب دونالد ترامب.

وأهمّ أسباب الأجواء العسكرية المتصاعدة ان المتقاتلين الأساسيين غير معنيين باتفاق وقف النار، وهم: تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش)، «القاعدة في بلاد الشام» (النصرة – فتح الشام) و «أحرار الشام»، وهؤلاء يمثّلون عشرات الآلاف من المتقاتلين في سورية، والذين إما انهم غير مشمولين بالاتفاق او رفضوا الانضواء والتوقيع على بنوده.

وعلى رغم توقيع تركيا وروسيا لوقف إطلاق النار الشامل، فإن البلدان الداعمة لأطراف متحاربة لم تسلّم الأمر لأنقرة للتفاوض عنها، ولن تقبل برفع الراية البيضاء لانها لا تزال تملك تأثيراً على عشرات المتقاتلين. وما يؤكد عدم نجاح مؤتمر استانة، ان دولاً مؤثرة وأساسية في الصراع السوري (المملكة العربية السعودية وقطر) لم تُدع للاجتماع الاول وكذلك الولايات المتحدة.

ايضاً، فان تركيا لم تقل كلمتها الأخيرة ولن تستطيع الطلب من «أحرار الشام» والأطراف المقاتلة تحت لوائها رمي السلاح والذهاب الى المفاوضات من دون ان تُظهِر امكاناتها العسكرية المؤثرة وخصوصاً بعد خسارة مدينة حلب وعودة العاصمة الصناعية السورية الى كنف الدولة.

اما بالنسبة لحلفاء دمشق، فان الرأي السائد ان «روسيا عجولة» وقد استعجلت الاتفاقية السياسية من دون نضوجها لان هاجس افغانستان وغرقها بالوحول هناك لا يزال حاضراً في أذهان قادة الكرملين. ولذلك فان موسكو فرضت ثلاث اتفاقيات وقف إطلاق نار فشل منها لغاية اليوم اثنان، ويتحضّر الثالث للحاق بأخواته لأن الظروف السياسية والعسكرية غير مهيّأة لنجاحه الآن.

نعم لقد أعلن الرئيس فلاديمير بوتين انسحاب قوات بحرية وبعض القوات من سورية. الا ان المصادر القيادية في سورية تؤكد ان اكثر من 4500 ضابط وجندي روسي لا يزالون في بلاد الشام وان انسحاب بعض القطع يقع ضمن الحركة الروتينية لبعض القطاعات العسكرية.

وتَعتبر دمشق وحلفاؤها ان روسيا كانت بعيدة عن الشرق الأوسط لنحو ثلاثين عاماً فقدت خلالها أسلوب المفاوضات السلمية والتفاوض بالقوة ولغة المنطقة ولاعبيها، وان الدول الشرق اوسطية لم تعد تابعة بل لها ايضاً كلمتها وحركتها وتأثيرها على المنطقة من خلال الدفاع عن مصالحها وبعض حلفائها ما دامت هناك امكانية للتأثير على الساحات المتصارعة وأهمها: سورية والعراق.

اما موقف تركيا، فقد انجلى من خلال ترقّب قيادته لنقاط أهمها: الخضوع لروسيا في مدينة الباب، لحاجة انقرة الى السيطرة على المدينة كمنطلق لعمليات عسكرية أخرى ضد داعش وضرورة أخذ رضى وموافقة موسكو اولاً، وخروج الرئيس اوباما من السلطة وانتظار سياسة ترامب الخارجية تجاه تركيا وسورية، واحتواء ردة فعل حلفائها في سورية المعارضين لاي تسوية تشمل بقاء الاسد في السلطة، وتجنُّب ضرب «القاعدة» في سورية كي لا ينعكس ذلك على أمن تركيا القومي وإعلان «القاعدة» حربها على حكومة انقرة، ومعرفة الرئيس رجب طيب اردوغان بقصر صبر روسيا في سورية وحاجتها لتسجيل انتصار سياسي – عسكري – اقليمي دولي سريع على الساحة السورية وعدم رغبتها بإطالة امد الحرب هناك.

ولهذه الامور، فان دمشق لا تثق بأنقرة وتنظر بعين المشكك في نجاح المبادرة الروسية لعلمها وعلم حلفائها ان لغة السلاح لا تزال السائدة الى حين إبعاد الخطر عن حلب في ريفها الجنوبي والشمالي والغربي وعن ارياف حمص وحماه واللاذقية وعن الغوطة الشرقية وحول دمشق، وحينها فقط تقدّر دمشق وحلفاؤها ان اي اتفاق ممكن ان يصمد اذا بقي المسلحون والجهاديون في الشمال السوري فقط. علماً ان تركيا لا تستطيع المراوغة مع روسيا لان وجود قوات انقرة في سورية يصبح في خطر واي تقدم نحو منبج او باتجاه الرقة يصبح مستحيلاً للجيش التركي من دون موافقة روسية. اذاً فان مجال المناورة التركية ضيّق وسيتبين وضوحه عند اول هجوم للقاعدة وحلفائها داخل سورية.

ومن هنا، فإن تجدد المعارك امر لا مفر منه ولا سيما ان الفصائل الكبرى التي تملك السيطرة على الارض هي خارج التسوية وخارج الاحتواء. وما لم ترد واشنطن تحقيقه من فصل المعارضة المسلحة عن الجهاديين، لن تستطيع انقرة تحقيقه لعدم رغبة اللاعبين الاقليميين وعدم رغبة انقرة والمعارضة المسلحة بإنجاز هذا التباعد اليوم لان الأمور لم تنضج بعد.

وبعدم نضوج الحلّ السياسي واختلاف النظر بين حلفاء روسيا واللاعبين الاقليميين، فان لغة السلاح هي التي ستُستخدم قريباً على ارض الشام لتعود المعارك من جديد الى حين يصبح التفاوض أكثر جهوزية. ولهذا فان مؤتمر استانة واحد غير مرشّح للنجاح.