Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر December 26, 2024
A A A
سندات اليوروبوندز… معركة قانونية وشيكة وفرص مضاربة متزايدة
الكاتب: هدى علاء الدين - لبنان الكبير

تعد سندات اليوروبوندز من أبرز أدوات الدين السيادي التي أصدرتها الحكومة اللبنانية، وتمثل التزامات مالية للمستثمرين المحليين والدوليين. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، شهدت هذه السندات انخفاضاً حاداً في قيمتها نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي وفقدان الثقة في قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها. وبذلك، أصبحت هذه السندات عالية المخاطر في ظل الوضع السياسي والاقتصادي المضطرب، ما دفع المستثمرين إلى إعادة تقييم قيمتها بناءً على التوقعات المستقبلية لاعادة الهيكلة أو التسويات المالية المحتملة.

في هذا السياق، أشار “بنك أوف أميركا” إلى أن الفراغ المؤسسي المستمر والوضع السياسي الداخلي المعقد في لبنان يشكلان تحديات كبيرة أمام حل “بند التقادم” في عقود سندات اليوروبوندز اللبنانية، الذي سيدخل حيز التنفيذ تدريجياً بدءاً من آذار 2025. ولفت البنك إلى أن حاملي هذه السندات قد يفقدون تدريجياً مطالبهم بالفوائد المستحقة اعتباراً من آذار 2025، أي بعد خمس سنوات من تخلف الحكومة السابقة عن سداد التزاماتها في آذار 2020. وأضاف أن أوراق السندات والايصالات والقسائم ستصبح باطلة ما لم يتم تقديمها للدفع خلال خمس سنوات للفائدة وعشر سنوات لأصل الدين بعد تاريخ استحقاق الدفعة الأولى. وأشار البنك إلى أن مجلس الوزراء قد يوافق على تمديد الجدول الزمني لبند التقادم من خلال اتفاقية “تأجيل” مع حاملي السندات، والتي تحتاج إلى مصادقة المحاكم في نيويورك. ومع ذلك، شكك البنك في الحق الدستوري للحكومة في تنفيذ هذا القرار، نظراً الى عملها بصفة موقتة (تصريف أعمال) منذ أيار 2022، وقد تتردد الحكومة في المضي قدماً في مثل هذا الاتفاق بسبب القرار غير الشعبي المحتمل.

واقترح “بنك أوف أميركا” أن حاملي سندات اليوروبوندز يمكنهم حماية حقوقهم التعاقدية عبر الحصول على حكم لصالحهم في محاكم نيويورك. وعلى الرغم من أن الحكم الايجابي قد لا يسمح لهم بربط الأصول الأجنبية للدولة اللبنانية بمطالباتهم، إلا أنه قد يوفر لهم فرصة للحصول على معاملة أفضل في حال حدوث إعادة هيكلة مستقبلية، مقارنة بحاملي السندات الذين قد يلتزمون ببنود العمل الجماعي. كما أشار البنك إلى أن التكاليف القانونية لحاملي السندات قد تُقلل في حال خوضهم دعوى قضائية جماعية أو في حال امتنعت الحكومة اللبنانية عن التمثيل.

وفي سياق موازٍ، أشار البنك إلى أن مصرف لبنان يمتلك سندات يوروبوندز بقيمة 5.2 مليارات دولار، تشمل سندات مملوكة بالكامل وأخرى جزئية، وقد يتم شطب هذه السندات في إطار عملية إعادة هيكلة محتملة ودمجها في خطط إعادة تمويل البنك المركزي. وذكر البنك أن هناك عدة عوامل قد تؤثر على معدل استرداد سندات اليوروبوندز، مثل اتفاق محلي حول توزيع خسائر القطاع المالي، توقيت الاصلاحات، معالجة الديون المتعثرة، وأقدمية المطالبات الجديدة، فضلاً عن حل السحب على المكشوف للحكومة اللبنانية والذي يصل إلى 16.5 مليار دولار من تكاليف إعادة تمويل مصرف لبنان، وقدرة لبنان على توليد ما يكفي من العملات الأجنبية.

وأصدر بدوره بنك “غولدمان ساكس” تقريراً تحت عنوان “مراجعة قيم استرداد ديون لبنان”، أشار فيه إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الثاني، بالاضافة إلى الأنباء المتعلقة بالجلسة البرلمانية المقررة في 9 كانون الثاني لانتخاب رئيس جديد، أسهمت في زيادة اهتمام المستثمرين بسندات اليوروبوندز اللبنانية المتعثرة. وقد شهدت هذه السندات ارتفاعاً ملحوظاً في قيمتها، تجاوزت نسبته 50 في المائة، بحيث ارتفعت من 6.2 سنتات إلى 9.5 سنتات لكل دولار منذ نهاية أيلول. ومع ذلك، يوضح التقرير أن استدامة هذا الارتفاع في الأسعار ستعتمد على قيمة الاسترداد المتوقعة في حالة حدوث إعادة هيكلة للديون، وهو ما يعتبر عنصراً أساسياً في تحديد الاتجاهات المستقبلية للسوق.

واعتمد “غولدمان ساكس” على تحليل استدامة الديون (DSA) القياسي لتقدير التخفيض المطلوب على الديون الخارجية المستحقة للبنان، بهدف وضع عبء الدين على مسار مستدام. ويتطلب هذا التحليل إجراء عدة افتراضات، بعضها قد يكون جريئاً، مثل توقيت إعادة هيكلة الديون، والتكاليف المرتبطة بإعادة هيكلة النظام المصرفي، بالاضافة إلى تكاليف إعادة بناء البنية التحتية للبنان بعد الحرب، والنظرة الاقتصادية الكلية للبلاد بعد إعادة الهيكلة.

ويقدم التقرير سيناريو القاعدة الأساسية الذي يفترض إعادة هيكلة ديون لبنان في نهاية العام 2026. وفي هذا الاطار، يتوقع البنك أن إعادة هيكلة البنوك المحلية ستزيد الدين الحكومي بمقدار 2.9 مليار دولار، بناءً على المقترحات الأخيرة. كما سيضيف مشروع إعادة بناء البنية التحتية 15 مليار دولار إضافية، يتم تمويلها من المقرضين المتعددين والثنائيين على أساس تفضيلي. ويتوقع البنك أن يدعم هذا النمو الاقتصادي بعد إعادة الهيكلة، مع تقليص مالي معتدل، على الرغم من أن التدهور المحتمل في قيمة العملة المحلية قد يعوق هذه الديناميكيات إذا تم تسليف الودائع بالليرة اللبنانية.

وفي سيناريو القاعدة الأساسية، يخلص التقرير إلى وجوب تخفيض 75 في المئة من إجمالي الدين المستحق عند إعادة الهيكلة، لتحقيق وضع دين مستدام، ما يعني أن قيمة الاسترداد ستكون حوالي 25 سنتاً لكل دولار من الدين. ومع ذلك، في ظل التحديات الكبيرة والشكوك المرتبطة بالوضع، يقدم التقرير تقديرات متنوعة لقيم الاسترداد في سيناريوهات بديلة، بدءاً من تأخير إعادة الهيكلة وصولاً إلى الحصول على دعم خارجي أكبر. وتشير التقديرات إلى أن قيم الاسترداد قد تتراوح بين 10 سنتات و30 سنتاً لكل دولار من الدين.

مع تزايد اهتمام المستثمرين بالسندات المتعثرة كفرصة للمضاربة، بحيث يرون فيها إمكانات لتحقيق عوائد مرتفعة في حال تحسن الأوضاع أو إعادة هيكلة الدين بشروط تفضيلية لصالح حاملي السندات الذين حصلوا على أحكام قضائية مقارنة بغيرهم، يظل هذا الارتفاع مشروطاً بالاستمرار في تحسن الوضعين السياسي والأمني، بالاضافة إلى الحاجة الملحة لإجراء إصلاحات جذرية لمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية العميقة التي يواجهها لبنان.