Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر December 26, 2023
A A A
سليمان “العاقل” في انتظار “توقيع الهي”
الكاتب: نورما ابي زيد - الجريدة

يكاد يكون سليمان فرنجيّه السياسي الوحيد من نسيج نفسه، ويبقى نفسه مهما تقلّبت الظروف، ولذلك هو من خامة نادرة غادرت بمعظمها المشهد السياسي.

قلّة هم الساسة الذين مرّوا على الحياة السياسيّة في لبنان، والذين يَفتخِر حاضِرُهم بماضيهم.
سليمان فرنجيه من هذه القلّة!

قلّة هم الساسة الذين احتُسبوا على فريق في لبنان، والذين تتقاطع عندهم التناقضات.

سليمان فرنجيّه من هذه القلّة!

قلّة هم الساسة الموارنة الذين لم يحرقوا البلد للوصول إلى بعبدا.

سليمان فرنجيّة من هذه القلّة، يتشارك في ذلك مع الراحل جان عبيد، وقد يكون لا ثالث لهما في طائفة المؤسّسين.

كان جان عبيد مرشّحاً دائماً لرئاسة الجمهوريّة كلّما شغر منصبها، لكنّه كان يؤمن بوجود “توقيع إلهي” يهبط من فوق على “الرئيس المختار”، وكان يعتقد أنّ الظروف تصنع رئاسة الشخص لا سعيه إليها.

كان عبيد مقتنعاً بأنّ توقيعاً إلهياً جعل كميل شمعون يُخرج “أرنباً” من كمّه العام 1952، ويجذب إلى صفّه أكثرية نيابية كانت لمنافِسه حميد فرنجيه.

“التوقيع الإلهي” نفسه انسحب، بحسب عبيد، على رابع رؤساء لبنان، “راهب” الشهابية “الملتبس” شارل حلو، الذي انتقلت أكثريّة الأصوات إليه من عبد العزيز شهاب ابن عم الرئيس فؤاد شهاب خلال ساعات ما قبل الانتخاب.

“التوقيع الإلهي” ذاته، جعل أمين الجميل يخلف رئيسين في أيام قليلة: الياس سركيس الذي أنهى ولايته، وبشير الجميّل الذي اغتيل، وقد سُحبت لقمة الرئاسة من فم كميل شمعون الذي كان مرشّحاً لخلافة بشير الجميّل.

“التوقيع الإلهي” ذاته غيّر مساره إبان مداولات “الطائف” من ورقة عبيد إلى ورقة معوّض. رشّح حافظ الأسد وسعود الفيصل كلّاً من رينيه معوّض والياس الهراوي وجان عبيد لرئاسة الجمهوريّة، إلاّ أنّ الرئاسة رست على معوّض، ولدى اغتياله، كان عبيد المرشّح الأبرز لخلافته، وقد أقلّه الراحل رفيق الحريري في طائرته الخاصّة إلى دمشق، حيث عُقد اجتماع بينه وبين عبد الحليم خدّام وحكمت الشهابي، وخرج من الاجتماع بلا لقب فخامة الرئيس لأنّه رفض الامتثال لقرار سوريا التي كانت تستعجل إنهاء ظاهرة العماد ميشال عون بالقوة العسكريّة. سأله الحريري لماذا فعلت ذلك؟ فأجابه باقتناع: هذه ليست ساعتي!

على خطى الراحل ميشال إدّه الذي مرّت “الرئاسة تحت المنخار” 6 مرّات، كما كان يعبّر، مرّت الرئاسة تحت أنف سليمان فرنجيه مرّتين على الأقلّ. في المرّة الأولى عرضت عليه سوريا الرئاسة قُبيل التمديد للرئيس إميل لحود ورَفَض، معتبراً أنّ “الساعة ليست ساعته”. وفي المرّة الثانيّة عرض عليه سعد الحريري الرئاسة في فراغ ما بعد الرئيس ميشال سليمان ورُفِض، معتبراً أيضاً أنّ “الساعة ليست ساعته”. وفي المرّة الثالثة هو مرشّح شبه وحيد، والبعض يُسجّل عليه استدعاء العماد جوزف عون إلى ملعبه الرئاسي من خلال التمديد له في قيادة الجيش لعامٍ كامل، فيما البعض الآخر يُسجّل له هذا الاستدعاء.

فماذا يعني أن يذهب سليمان “العاقل” بكامل إرادته إلى التمديد لقائد الجيش، وتمديد فرصه الرئاسيّة بالتالي؟

هل لا يزال سليمان فرنجيخ قدرياً مؤمناً بـ”التوقيع الإلهي” كما في العامين 2004 و2016؟

عدّة نقاط تُسجّل لفرنجيه في التمديد لقائد الجيش:

1ـ فكّر كـ”إبن دولة”، بحيث أعلى المصلحة الوطنيّة التي كانت تقتضي التمديد لعون على رأس المؤسّسة العسكرية، على مصلحته.

2ـ أظهر ديمقراطية استثنائية، بحيث استجلب بنفسه عون إلى الحلبة الرئاسية، ولم يكتفِ بعدم الممانعة.

3ـ بيّن أنّه يعي أنّ الرئاسة تمرّ عبر المسارات الإقليميّة والمسالك الدوليّة، ولكنّه بخلاف الآخرين لا ينتظر السفارات وتوجيهاتها.

4ـ أثبت مرّة جديدة عدم “جوعه” إلى السلطة، بخلاف كلّ أقرانه الموارنة الذين تعاني طائفتهم من “فرط شهيّتهم” على السلطة.

سُئل أحد المحسوبين على “تيار المردة” عن “هفوة التمديد لقائد الجيش”، فأجاب: “لم تكن هفوة.. سليمان فرنجيه ونجله طوني أبديا حماسة استثنائية للتمديد”. استغرب السائل وقال: “أيُعقل أن يخترع فرنجيه لنفسه منافساً جديداً بعدما أسقط ترشيح كلّ من ميشال معوّض وجهاد أزعور؟”، فكان جواب المقرّب: “من لا يعرف سليمان فرنجيه يجهله. هو يمارس السياسة على طريقة فخامة الرئيس. عنده كلّ شيء ولا يريد شيئاً لنفسه. إذا كانت الرئاسة مكتوبة له، يكون رئيساً.. وإذا كانت مكتوبة لسواه، يكون سواه رئيساً!”